نجاح القاري لصحيح البخاري

باب: إذا قال: والله لا أتكلم اليوم فصلى أو قرأ أو سبح

          ░19▒ (باب: إِذَا قَالَ) شخص (وَاللَّهِ لاَ أَتَكَلَّمُ الْيَوْمَ) مثلًا (فَصَلَّى) فرضًا، أو نفلًا (أَوْ قَرَأَ) القرآن (أَوْ سَبَّحَ، أَوْ كَبَّرَ، أَوْ حَمِدَ، أَوْ هَلَّلَ) أي: قال لا إله إلا الله (فَهْوَ عَلَى نِيَّتِهِ) / يعني: إن قصد الكلام العرفي لا يحنث، وإن قصد التَّعميم حنثَ، فإن لم ينو فالجمهور على عدم الحنث.
          قال في «الروضة»: حلف لا يتكلَّم حنث بترديد الشِّعر مع نفسه؛ لأنَّ الشِّعر كلامٌ، ولا يحنث بالتَّسبيح والتَّهليل على الصَّحيح؛ لأنَّ اسم الكلام عند الإطلاق ينصرف إلى كلام الآدميين ومحاوراتهم. وقيل: يحنث؛ لأنَّه مباحٌ للجنب فهو كسائر الكلام، ولا يحنث بقراءة القرآن. وقال القفَّال في «شرح التلخيص»: لو قرأ التَّوراة الموجودة اليوم لم يحنث؛ لأنَّا نشكُّ في أنَّ الَّذي قرأه مبدلٌ أم لا. انتهى.
          وعن الحنفيَّة: يحنث. وقال العينيُّ: وقال أصحابنا: حلف لا يتكلَّم فقرأَ القرآن في صلاته، أو سبَّح لم يحنث، وإن قرأَ في غير الصَّلاة يحنث خلافًا للشَّافعي، والقياس أن يحنثَ فيهما.
          وقال الفقيه أبو اللَّيث: إن عقدَ اليمين بالعربيَّة فكذلك، وإن عقدها بالفارسيَّة لا يحنث إذا قرأ القرآن، أو سبَّح في غير صلاتهِ. وقال ابن المنيِّر: معنى قول البخاري: «فهو على نيَّته»؛ أي: العرفيَّة، قال: ويحتمل أن يكون مراده أنَّه لا يحنث بذلك إلَّا إن نوى إدخاله في نيَّته فيؤخذ منه حكم الإطلاق. قال: ومن فروع المسألة لو حلف لا كلمت زيدًا، ولا سلمت عليه فصلَّى خلفه، فسلم الإمام فسلَّم المأموم التَّسليمة التي يخرج بها من الصَّلاة فلا يحنثُ بها جزمًا، بخلاف التَّسليمة التي يرد بها على الإمام فلا يحنث بها أيضًا؛ لأنَّها ليست ممَّا ينويه النَّاس عرفًا وفيه الخلاف. انتهى.
          وقال النَّووي: لو صلَّى الحالف خلف المحلوف عليه فسبَّح لسهوه، أو فتح عليه القراءة لم يحنث، ولو قرأ آية فهم المحلوف عليه منها مقصوده، فإنَّ قصد القراءة لم يحنث، وإلَّا فيحنث.
          (وَقَالَ النَّبِيُّ صلعم : أَفْضَلُ الْكَلاَمِ أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ) / قال الحافظُ العسقلاني: هذا من الأحاديث التي لم يصلها البخاري في موضعٍ آخر، وقد وصله النَّسائي من طريق ضِرَار بن مرَّة عن أبي صالح عن أبي سعيدٍ وأبي هريرة ☻ مرفوعًا بلفظه، وأخرجهُ مسلمٌ من حديث سَمُرة بن جُنْدب، لكن بلفظ: ((أحب)) بدل: ((أفضل)). وأخرجه ابن حبَّان من هذا الطَّريق بلفظ: ((أفضل)).
          ولحديث أبي هريرة ☺ طريق أخرى أخرجها النَّسائي، وصحَّحها ابن حبَّان من طريق أبي حمزة السكري عن الأعمش عن أبي صالح عنه بلفظ: ((خير الكلام أربع لا يضرُّك بأيهنَّ بدأت))، فذكره. وأخرجه أحمدُ عن وكيع عن الأعمش فأبهم الصَّحابي، وأخرجه النَّسائي من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن السلولي عن كعب الأحبار من قوله.
          ووجه أفضليَّته: أنَّ فيه إشارةً إلى جميع صفات الله السَّلبية والثُّبوتية إجمالًا؛ لأنَّ التَّسبيح إشارة إلى تنزيه الله تعالى عن النَّقائص، والتَّحميد إلى وصفه بالكمال.
          فالأول: فيه نفي النُّقصان، والثَّاني: فيه إثبات الكمال، والثَّالث: إلى تخصيصِ ما هو أصل الدِّين وأساس الإيمان يعني: التَّوحيد، والرَّابع: إلى أنَّه أكبر ممَّا عرفناه، سبحانك ما عرفناك حقَّ معرفتك.
          ومطابقة الحديث للترجمة من حيث إنَّ غرضَ البخاري بيان أنَّ الأذكار ونحوها كلامٌ، وكلمة فيحنث بها.
          (قالَ أَبُو سُفْيَانَ) هو: صخرُ بن حرب بن أميَّة، أبو معاوية ☻ (كَتَبَ النَّبِيُّ صلعم إِلَى هِرَقْلَ: تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ) هذا طرفٌ من حديثٍ طويلٍ أخرجه في أول الكتاب [خ¦7]، وفي تفسير «سورة آل عمران» [خ¦4553]، وأراد به هنا الإشارة إلى أنَّ لفظ الكلمة قد تطلقُ على الكلام من باب إطلاق البعض على الكلِّ مثلًا إذا أطلقَ لفظ: كلمة على مثل: سبحان الله والحمد لله، إلى آخره، يكون المراد منها الكلام، كما قال: كلمة التَّوحيد وهي تشتملُ على كلماتٍ.
          (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كَلِمَةُ التَّقْوَى: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ) أشار به إلى قوله تعالى: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى} [الفتح:26] ؛ أي: لا إله إلا الله، فإنَّ لا إله إلا الله كلامٌ أطلق عليه الكلمة، ووصله عبد بن حميد من طريق منصور بن المعتمر عن مجاهدٍ موقوفًا على مجاهد، وقد جاء مرفوعًا / من أحاديث جماعةٍ من الصَّحابة منهم أبيُّ بن كعب وأبو هريرة وابن عبَّاس وسلمة بن الأكوع وابن عمر (1) أخرجها كلَّها أبو بكر بن مردويه في «تفسيره».
          وحديث أُبيّ عند التِّرمذي، وذكر بأنَّه سأل أبا زُرعة عنه، فلم يعرفه مرفوعًا إلَّا من هذا الوجه، وأخرجه أبو العبَّاس البريقي في حزبه المشهور موقوفًا عن جماعةٍ من الصَّحابة والتَّابعين.


[1] في هامش الأصل: في نسخة: عمير.