نجاح القاري لصحيح البخاري

باب: قول النبي: «وايم الله»

          ░2▒ (باب: قَوْلِ النَّبِيِّ صلعم : وَايْمُ اللَّهِ) بكسر الهمزة وبفتحها والميم مضمومة، وحكى الأخفش: كسرها مع كسر الهمزة، وهو اسمٌ عند الجمهور، وحرفٌ عند الزَّجَّاج، وهمزته همزة وصل عند الأكثر، وقطع عند الكوفيين ومن وافقهم؛ لأنَّه عندهم جمع يمينٍ، وعند سيبويه ومن وافقه أنَّه اسمٌ مفرد، واحتجوا بجواز كسر همزته وفتح ميمه. قال ابن مالك: ولو كان جمعًا لم تُحذف همزته، واحتجَّ بقول عروة بن الزُّبير لمَّا أُصيب بولده ورجله: لَيْمُنُكَ لئن ابتَليتَ فقد عافيتَ.
          قال: ولو كان جمعًا لم يتصرَّف فيه بحذف بعضه. قال: وفيه اثنتا عشرة لغة وجمعتها في بيتين وهما:
هَمْزُ أَيْمُ وَأَيْمُنُ فَافْتَحْ وَاكْسِرْ أَوْ أمٍ وقُلْ                     أَوْ قل مِ أوْ مَنْ بِالتَّثْلِيْثِ (1) قَدْ شُكِلَا
وَأَيْمَنُ اخْتِمْ بِهِ وَاللَّهُ كُلًّا أَضِفْ                     إِلَيْهِ فِي قَسَمٍ تُسْتَوْفَ مَا نُقِلَا
          وقيل: قالوا عند القسم: وايمن الله، ثمَّ كثر فحذفوا النون كما حذفوها من لم يكن فقالوا: لم يك، ثمَّ حذفوا الياء فقالوا: ام الله، ثمَّ حذفوا الألف واقتصروا على الميم مفتوحة ومضمومة ومكسورة، وقالوا / أيضًا: من الله، بكسر الميم وضمها، وقد بسط القولَ في ذلك الحافظُ العسقلاني.
          وايم الله من ألفاظ القسم، كقولك: لعمر الله، وعهد الله، وهو مرفوعٌ بالابتداء، وخبرُه محذوفٌ؛ أي: قسمي، أو يميني، أو لازم لي. وحكى ابن التِّين عن الدَّاودي قال: ايم الله، معناه: اسم الله أُبدل السين ياء، وهو غلطٌ فاحشٌ؛ لأنَّ السِّين لا تبدل ياء، ونقل عن ابن عبَّاس ☻ أنَّ يمين الله من أسماء الله، ومنه قول امرئ القيس:
فَقُلْتُ يَمِيْنُ اللَّهِ أَبْرَحُ قَاعِدًا                     وَلَوْ قَطَعُوا رَأْسِي لَدَيْكِ وَأَوْصَالِي
          ومن ثمَّة قال المالكيَّة والحنفيَّة: إنَّها يمينٌ، وعند الشَّافعيَّة: إن نوى اليمين انعقدَت، وإن نوى غير اليمين لم تنعقد يمينًا، وإن أطلقَ فوجهان: أصحَّهما لا تنعقد إلَّا إن نوى، وعند أحمد روايتان أصحُّهما الانعقاد وحكى الغزالي في معناه وجهين:
          أحدهما: أنَّه كقوله: تالله، والثَّاني وهو الرَّاجح أنَّه كقوله: أحلف بالله، ومنهم من سوَّى بينه وبين لعمر الله، وفرَّق الماورديُّ: بأنَّ لعمر الله شاع في استعمالهم عرفًا بخلاف ايم الله، واحتجَّ بعض من قال منهم بالانعقاد مطلقًا بأنَّ معناه يمين الله، ويمين الله من صفاته، وصفاته قديمة، وجزم البغويُّ في «التهذيب» أنَّ قوله: وايم الله، كقوله: وحقِّ الله، وقال: إنَّه تنعقد به اليمين عند الإطلاق، وقد استغربوه.
          ووقع في الباب الَّذي بعده [خ¦6639] ما يقوِّيه، وهو قوله في حديث أبي هريرة ☺ في قصَّة سليمان بن داود ♂: ((وايم الَّذي نفس محمَّدٍ بيده لو قال: إن شاء الله لجاهدوا))، والله تعالى أعلم.


[1] كذا في الأصل، ويختلف كثيرا عما في ((فتح الباري)).