نجاح القاري لصحيح البخاري

باب: لا يحلف باللات والعزى ولا بالطواغيت

          ░5▒ (باب: لاَ يُحْلَفُ) بضم أوله وفتح ثالثه (بِاللاَّتِ) بتشديد اللام (وَالْعُزَّى) بضم العين المهملة وتشديد الزاي المفتوحة (وَ) لا يُحْلَف (بِالطَّوَاغِيتِ) بالمثناة الفوقية، جمع: طاغوت: صنم، وقيل: شيطان، وقيل: كلُّ رأس ضلال، وعن جابر وسعيد بن جبير: الكاهن، وأصله: طغيوت، قدم الياء على الغين فصار طيغوت، ثمَّ قُلبت الياء ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها، وفي رواية مسلم وابن ماجه: ((بالطواغي)) وهو جمع: طاغية، سُمِّي باسم المصدر لطغيان الكفَّار بعبادته، ويحتمل أن يكون الطَّواغي مرخمًا من الطَّواغيت بدون حرف النداء على أحد الآراء، ويدلُّ عليه مجيء أحد اللَّفظين موضع الآخر في حديثٍ واحدٍ، ولذلك اقتصر المصنِّف على لفظ الطَّواغيت؛ لكونه الأصل، والألف واللام في اللات زائدة لازمة، فأمَّا قوله: إلى لاتها فحذفت للإضافة.
          قال الثَّعلبي: أخذ اللَّات من لفظة الله، فألحقت بها تاء التأنيث، كما قيل للذَّكر: عَمرو، ثمَّ قيل للأنثى: عَمرة. وقال العينيُّ: أرادوا أن يسمُّوا آلهتهم بلفظة: الله، فصرفها الله إلى اللات صيانةً لهذا الاسم الشَّريف. وقيل: اختلف في تاء اللات فقيل: أصل، وأصله من لات يليت فألفها عن ياء، وقيل: زائدة، وهي من لوى يلوي؛ لأنَّهم كانوا يلوون أعناقهم إليها، أو يلتوون؛ أي: يعتكفون عليها، وأصله لوية فحذفت لامها، فألفها على هذا من واو، وقيل: إنَّها والعزَّى علمان بالوضع، أو صفتان غالبتان، ويترتَّب على ذلك جواز حذف أل وعدمه. فإن قلنا: إنَّهما ليسا وصفين في الأصل فلا تُحذف منهما أل، وإن قلت: إنَّهما صفتان، وإن أل لِلَمْح الوصفيَّة جاز، وبالتَّقديرين فأل زائدة. وعن قتادة: اللَّات صخرةٌ بالطَّائف. وعن ابن زيد: اللَّات بيتٌ بنخلةٍ كانت قريش تعبده. وقيل: كان رجلٌ يلتُّ السَّويق للحاجِّ فلمَّا مات عكفوا على قبرهِ فعبدوه، وعلى هذا يكون من اللتِّ _بتشديد التاء_، وقد قرأ يعقوب من رواية رويس: ((اللاتّ)) بالتَّشديد. وعن الكلبي: كان رجلٌ من ثقيف يُسمَّى: صرمة بن تميم كان... (1) السَّمن فيضعه على صخرةٍ، ثمَّ يأتي العرب فيلتُّ به أسوقتهم، فلمَّا مات الرَّجل حولتها ثقيفٌ إلى منازلها فعبدوها، وهي اسم صنمٍ لثقيف بالطَّائف، وقيل: بعكاظ.
          والعزَّى فُعلى من العز، وهي تأنيث الأعز كالفُضلى والأفضل، وقد اختلف فيها أيضًا فعن مجاهدٍ هي شجرةٌ لغطفان يعبدونها، وهي التي بعث إليها رسول الله صلعم خالد بن الوليد ☺ فقطعَها، فجعل يضربها بالفأس، ويقول:
يَا عُزَّ كُفْرَانَكِ لَا سُبْحَانَكِ                     إِنِّي رَأَيْتُ اللَّهَ قَدْ أَهَانَكِ /
          فخرجت منها شيطانةٌ ناشرةٌ شعرها داعية ويلها، واضعةٌ يدها على رأسها، فجعل خالدٌ يضربها بالسَّيف حتَّى قتلها، فأخبر رسول الله صلعم فقال: ((تلك العُزَّى ولن تُعْبد أبدًا)).
          وعن الضَّحَّاك: هي صنمٌ لغطفان وضعها لهم سعد بن ظالمٍ الغطفاني، وذلك أنَّه لمَّا قدم مكَّة، ورأى أنَّ أهلها يطوفون بين الصَّفا والمروة أخذ حجرًا من الصَّفا، وحجرًا من المروة فنقلهما إلى النَّخلة، ثمَّ أخذ ثلاثة أحجارٍ فأسندها إلى صخرةٍ، وقال: هذا ربُّكم فاعبدوه، فجعلوا يطوفون بين الحجرين ويعبدون الحجارة حتَّى افتتحَ رسول الله صلعم مكَّة، فأمر بهدمها.
          وعن ابن زيد: العُزَّى بيتٌ بالطَّائف كانت تعبده ثقيف. ومن أصنامهم المناة. قال قتادة: كانت لخزاعة، وكانت بقُدَيدة. وعن ابن زيد: كان بالمُشَلَّل تعبده بنو كعب. وقال الضَّحَّاك: مناة صنمٌ لهذيل وخزاعة تعبدها أهل مكَّة، وقال: اللَّات والعزى ومناة أصنامٌ من حجارةٍ كانت في جوف الكعبة يعبدونها.


[1] بياض في الأصل في العمدة (يسلي).