نجاح القاري لصحيح البخاري

باب: لا يقول ما شاء الله وشئت وهل يقول أنا بالله ثم بك

          ░8▒ (باب: لاَ يَقُولُ) الشَّخص في كلامه (مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ) بفتح التاء في الفرع كأصله، وفي غيرهما بالضم على صيغة المتكلِّم من الماضي. قال الكرماني: يعني: لا يجمع بينهما لجواز كلِّ واحدٍ منهما منفردًا، وإنَّما منع من ذلك؛ لأنَّ فيه تشريكًا في مشيئة الله تعالى وهي منفردةٌ بالله سبحانه بالحقيقة، وإذا نسبت فبطريق المجاز، وقيل: لأنَّ الواو تجمعُ بين المعنيين وليس هذا من الأدب، وفي حديث النَّسائي وابن ماجه من رواية يزيد بن الأصم عن ابن عبَّاس ☻ رفعه: ((إذا حلف أحدكُم فلا يقل: ما شاء الله وشئت، ولكن ليقل: ما شاء الله ثمَّ شئت)). وفي أوَّل حديث النَّسائي قصَّةٌ وهي عند أحمد ولفظه: أنَّ رجلًا قال للنَّبي صلعم ما شاء الله وشئت، فقال: ((أجعلتني والله عدلًا، لا بل ما شاء الله وحدَه)).
          وأخرج أحمدُ والنَّسائي وابن ماجه أيضًا عن حذيفة ☺: أنَّ رجلًا من المسلمين رأى رجلًا من أهل الكتاب في المنام فقال له: نعم القوم أنتم [لولا أنكم تشركون تقولون: ما شاء الله وشاء محمد، فذكر ذلك للنبي صلعم ] (1)، فقال: قالوا: ما شاء الله ثمَّ [شاء] محمد. وفي رواية النَّسائي: أنَّ الرَّائي لذلك هو حذيفة الرَّاوي. وقد أخرج النَّسائي أيضًا في الأيمان والنُّذور، وصحَّحه من طريق عبد الله بن يسار _بتحتية ومهملة_ عن قُتيلة _بقاف ومثناة فوقانية بالتصغير_ امرأةٌ من جهينة: أنَّ يهوديًّا أتى النَّبي صلعم فقال: [إنكم] تشركون، تقولون: ما شاء الله وشئت، وتقولون: والكعبة، فأمرهم النَّبي صلعم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: ((وربِّ الكعبة، وأن يقولوا: ما شاء الله، ثمَّ شئت)).
          قال الخطَّابي: أرشدهُم صلعم إلى الأدب في تقديم مشيئته تعالى على مشيئة من سواه، واختارها بثم التي هي للنسق والتَّراخي بخلاف الواو الَّتي هي للتَّشريك. /
          (وَهَلْ يَقُولُ) الشَّخص: (أَنَا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ؟) بتَّ الحكم في الصُّورة الأولى، وتوقف في الصورة الثانية؛ لأنَّها وإن كانت وقعت في حديث الباب الذي أورده مختصرًا وساقه مطولًا فيما مضى، لكن إنَّما وقع ذلك من كلام المَلَك على سبيل الامتحان للمقول له، فيتطرَّق إليه الاحتمال.


[1] فتح لابن ماجه