نجاح القاري لصحيح البخاري

باب الوفاء بالنذر

          ░26▒ (باب) حكم (الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ) وفضله (وَقَوْلِهِ) تعالى: ({يُوفُونَ بِالنَّذْرِ}) أي: بما أوجبوا على أنفسهم مبالغةً في وصفهم بالتَّوفُّر على أداء الواجبات؛ لأنَّ من وفَّى بما أوجبه على نفسه لوجه الله كان بما أوجبه الله عليه أوفى، وأورد هذه الآية إشارةٌ إلى أنَّ الوفاء بالنذر ممَّا يجلب الثَّناء على فاعله، ولكن المراد هو نذر الطَّاعة لا نذر / المعصية.
          وقد أخرج الطَّبري من طريق مجاهدٍ في قوله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسان:7]، وقال: إذا نذروا في طاعة الله، وقام الإجماعُ على وجوب الوفاء إذا كان النَّذر بطاعة الله، وقد قال الله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1]، وقال: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسان:7] فمدحهم بذلك.
          وقال القرطبي: النَّذر من العقود المأمور بالوفاء بها المثنى على فاعلها، وأعلى أنواعها ما كان غير معلَّقٍ على شيءٍ كمن عوفي من مرضٍ فقال: لله عليَّ أن أصوم كذا، أو أتصدَّق بكذا شكرًا لله تعالى، ويليه المعلَّق على فعل طاعة كإن شفَى الله مريضي صمت كذا، أو صلَّيت كذا، وما عدا هذا من أنواعه كنذر اللَّجاج كمن يستثقل عبده، فينذر أن يعتقَه ليتخلَّص من صحبتهِ لا يقصدُ القربة بذلك، أو يحمل على نفسه فينذر صلاةً كثيرةً، أو صومًا مما يشقُّ عليه فعله ويتضرَّر بفعله فإنَّ ذلك يكره، وقد يبلغ بعضه التَّحريم. انتهى.
          واختلف في ابتداء النَّذر؛ فقيل: إنَّه مستحبٌّ، وقيل: مكروهٌ، وبه جزم النَّووي، ونصَّ الشَّافعي على أنَّه خلاف الأولى، وحمل بعضُ المتأخرين النَّهي على نذر اللَّجاج، واستحب نذر التَّبرر، وسيأتي مزيد بحث في ذلك.