نجاح القاري لصحيح البخاري

باب: كيف كانت يمين النبي

          ░3▒ (باب: كَيْفَ كَانَتْ يَمِينُ النَّبِيِّ صلعم ) أي: الَّتي كان يواظِبُ على القسم بها أو يُكثر (وَقَالَ سَعْدٌ) بسكون العين، هو: ابنُ أبي وقَّاص ☺ (قَالَ النَّبِيُّ: صلعم : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ) وصله البخاريُّ في «مناقب عمر ☺» [خ¦3683] أوله: استأذن عمر على النَّبي صلعم وعنده نسوةٌ الحديث، وفيه: ((إيهًا يا ابن الخطاب، والَّذي نفسي بيده))؛ أي: بيد قدرته وتصريفهِ: ((ما لقيك الشَّيطان سالكًا فجًّا إلَّا سلك فجًّا غير فجِّك)).
          (وَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ) الحارث بن ربعي الأنصاري الخزرجي فارس رسول الله صلعم (قَالَ أَبُو بَكْرٍ) الصِّدِّيق ☺ (عِنْدَ النَّبِيِّ صلعم : لاَهَا اللَّهِ) بالوصل؛ أي: لا والله (إِذًا) بالتنوين جواب وجزاء، قاله عام حنين.
          وقد مضى الحديث موصولًا في كتاب «الخمس» في باب «من لم يُخمِّس الأسلاب»، وتمامه: إذًا يَعْمِد _يعني: النَّبي صلعم _ إلى أسدٍ / من أُسْد الله، يقاتل عن الله ورسوله صلعم فيعطيك سلبه، فقال النَّبي صلعم : ((صدق فأعطاه))، الحديث.
          وقوله: ((لاها الله))
          قال ابنُ الأثير: هكذا جاء الحديث «لا ها الله إذًا»، والصَّواب: «لا ها الله ذا» بحذف الهمزة، ومعناه: لا والله لا يكون ذا، أو لا والله ما الأمر ذا، فحُذف تخفيفًا، ولك في ألف «ها» مذهبان:
          أحدهما: تثبت ألفها في الوصل؛ لأنَّ الذي بعدها مدغم مثل دابَّةٍ.
          والثاني: تحذفها لالتقاء الساكنين. وقال صاحب «المطالع»: «لاها الله» كذا رويناه بقصرها، و«إذًا». قال إسماعيل القاضي عن المازني إنَّ الرواية خطأٌ، وصوابه لا ها الله ذا، وذا صلةٌ في الكلام. قال: وليس في كلامهم «لا ها الله إذًا»، وقاله أبو زيد.
          وقال أبو حاتم: يُقال في القسم: لا ها الله ذا، والعرب تقول: لا هاء الله ذا، بالهمزة، والقياس ترك الهمزة، والمعنى: لا والله هذا ما أقسم به، فأدخل اسم الله بين ها وذا.
          وقال الكرماني: إذا جواب وجزاء؛ أي: لا والله إذا صدق لا يكون كذا، ويُروى ذا اسم إشارةٍ؛ أي: والله لا يكون هذا.
          قال البخاري: (يُقَالُ: وَاللَّهِ) بالواو (وَبِاللَّهِ) بالموحدة (وَتَاللَّهِ) بالفوقيَّة، أشار به إلى أنَّ هذه الثَّلاثة حروف القسم، ففي القرآن القسم بالواو وبالموحدة في عدة أشياء، وبالمثناة في قوله تعالى: {تَاللَّهِ لَقَدْ آَثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا} [يوسف:91] {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} [الأنبياء:57] وغير ذلك، وهذا قول الجمهور، وهو المشهور عن الشَّافعي. ونُقل عن الشافعي: أن القسم بالمثناة ليس صريحًا؛ لأنَّ أكثر النَّاس لا يعرفون معناه، والأيمان مختصَّةٌ بالعُرْف، وتأوَّل ذلك أصحابه، وأجابوا عنه بأجوبةٍ بأنَّ الأولين يدخلان على كلِّ ما يقسم به من أسمائه، ولا تدخل المثنَّاة إلَّا على لفظ الجلالة. نعم سُمع شاذًا: ترب الكعبة. ونقل الماوردي: أنَّ أصل حروف القسم الواو ثم الموحدة ثم المثناة.
          ونقل ابن الصَّباغ عن أهل اللُّغة: أنَّ الموحدة هي الأصل، وأنَّ الواو بدل منها، وأنَّ المثناة بدل من الواو، وقوَّاه ابن الرفعة بأنَّ الباء تعمل في الضمير بخلاف الواو، وكأنَّ المصنف أشار بإيراد هذا إلى أنَّ أصل لا ها الله، لا والله فالهاء عوض / عن الواو، وقد صرَّح بذلك جمعٌ من أهل اللُّغة، وقيل: الهاء نفسها حرف قسم، هذا ولو قال: الله مثلًا بتثليث آخره، أو تسكينه لأفعلنَّ كذا، فكناية تنعقد بها اليمين فيهنَّ (1) وإلَّا فلا، واللَّحن لا يمنعُ الانعقاد، ولو قال: أقسمت أو أقسم أو حلفت أو أحلف بالله لأفعلنَّ كذا فيمين؛ لأنَّه عرف الشَّرع قال تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} [النور:53] إلَّا أن ينوي خبرًا ماضيًا بصيغة الماضي، أو مستقبلًا في المضارع فلا يكون يمينًا؛ لاحتمال ما نواه.


[1] عبارة الإرشاد إن نوى بها اليمين فيمين