الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب الكحل للحادة

          ░47▒ (باب: الكُحلِ للحَادَّةِ)
          قال ابن التِّين: الصَّواب الحادُّ بلا هاءٍ، لأنَّه نعتٌ للمؤنَّث كطالقٍ وحائضٍ، ثُمَّ ردَّ الحافظ عليه بأنَّه جائزٌ، وليس بخطأٍ، ثُمَّ ردَّ العينيُّ على الحافظ ثُمَّ أجاب عنه القَسْطَلَّانيُّ، فارجع إليه.
          ومسألة الباب خلافيَّةٌ، قال الموفَّق: يحرم عليها أن تختضب وأن تكتحل بالإثمد مِنْ غير ضرورةٍ لرواية أمِّ سَلَمة وغيرها، ولأنَّ الكحل مِنْ أبلغ الزِّينة وتحرِّك الشَّهوة فهي كالطِّيب وأبلغ منه، وإن اضطرَّت إلى الكحل بالإثمد للتَّداوي فلها أن تكتحل ليلًا وتمسحه نهارًا، ورخَّص فيه عند الضَّرورة عطاءٌ والنَّخعيُّ ومالكٌ وأصحابُ الرَّأي، وإنَّما مُنع مِنَ الكحل بالإثمد لأنَّه الَّذي تحصل به الزِّينة، فأمَّا الكحل بالتُّوتياء(1) ونحوه فلا بأس به، لأنَّه لا زينة فيه. انتهى مختصرًا.
          وقال النَّوَويُّ: في حديث الباب دليلٌ على تحريم الاكتحال على الحادَّة سواءٌ احتاجت إليه أم لا، وجاء في حديث أمِّ سلمة في «الموطَّأ» وغيره: ((اجعليه باللَّيل وامسحيه بالنَّهار)) ووجهُ الجمع أنَّها إذا لم تحتج إليه لا يحلُّ، وإذا احتاجت لم يجز بالنَّهار ويجوز باللَّيل. انتهى مختصرًا.
          وقال مالكٌ في روايةٍ عنه بمنعه مطلقًا، وعنه: يجوز إذا خافت على عينها بما لا طِيب فيه، وبه قالت الشَّافعيَّة مقيَّدًا باللَّيل، كذا في «الفتح»، قال الباجيُّ: قال ابن الموَّاز عن مالكٍ: إن اكتحلت مِنْ علَّةٍ وضرورةٍ بالصَّبر باللَّيل فلتمسحه بالنَّهار، وقال مالكٌ في «المختصر الصَّغير»: لا تكتحل الحادُّ إلَّا أن تُضطرَّ فتكتحل باللَّيل وتمسحه بالنَّهار. انتهى مختصرًا مِنَ «الأوجز».
          وفي «الدُّرِّ المختار»: وتُحِدُّ بترك الكحل والحنَّاء ولُبْسِ المعصفر والمزعفر إلَّا بعذرٍ، إذ الضَّرورات تبيح المحظورات، قال ابن عابدين: وقيَّد بعض الشَّافعيَّة الاكتحالَ للعذر بكونه ليلًا ثُمَّ تنزعه نهارًا كما وردت في الحديث، ولم أرَ مَنْ قيَّد بذلك مِنْ علمائنا وكأنَّه معلومٌ مِنْ قاعدة أنَّ الضَّرورة تتقدَّر بقَدْرها، لكن إن كفاها اللَّيل أو النَّهار اقتصرت على اللَّيل ولا تعكس، لأنَّ اللَّيل أخفى لزينة الكحل وهو مَحْمِل الحديث، والله سبحانه أعلم. انتهى.


[1] في (المطبوع): ((بالتوتيا)).