الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب الطلاق في الإغلاق والكره والسكران والمجنون

          ░11▒ (باب: الطَّلاَقِ فِي الإِغْلَاقِ...) إلى آخره
          اشتملت هذه التَّرجمة على أحكامٍ يجمعها(1) أنَّ الحكم إنَّما يتوجَّه على العاقل المختار / العامد الذَّاكر وشمل ذلك الاستدلالَ بالحديث، لأنَّ غير العاقل المختار لا نيَّة له فيما يقول أو يفعل، وكذلك الغالط والنَّاسي والَّذي يُكرَه على الشَّيء. انتهى مِنَ «الفتح».
          وقوله: (الإغلاق) اختلفوا في تفسيره على أقوالٍ، قال الحافظ: الإغلاق_بكسر الهمزة وسكون المعجمة _: الإكراه على المشهور، وقيل: هو العمل في الغضب، وبالأوَّل جزم أبو عُبيدٍ وجماعةٌ، وإلى الثَّاني أشار أبو داود فإنَّه أخرج حديث عائشة: ((لا طلاق ولا عتاق في غلاقٍ)) قال أبو داود: والغلاق أظنُّه الغضب، وترجم على الحديث: الطَّلاق على غيظٍ، ووقع عنده غلاقٌ بغير ألفٍ، وحكى البَيْهَقيُّ أنَّه روى(2) على الوجهين، وردَّ الفارسيُّ في «مجمع الغرائب» على مَنْ قال: الإغلاق: الغضب، وغلَّطه في ذلك وقال: طلاق النَّاس غالبًا إنَّما هو [في] حالة الغضب، وقيل: معناه النَّهي عن إيقاع الطَّلاق البِدعيِّ مطلقًا، والمراد النَّفي عن فعله لا النَّفي عن حكمه، كأنَّه يقول: بل يطلِّق للسُّنَّة. انتهى مختصرًا.
          وفي «البذل» عن «المجمع»: أو معناه لا يغلق التَّطبيقات دفعةً واحدةً حتَّى لا يبقى فيه شيءٌ لكن يطلِّق طلاق السُّنَّة، وعن الشَّوكانيِّ قيل: الجنون، واستبعده المُطَرِّزيُّ. انتهى مختصرًا.
          أمَّا غلق التَّطليقات بأن يطلِّق ثلاثًا بلفظٍ واحدٍ فقد تقدَّم الكلام عليه قريبًا في (باب: مَنْ أجاز طلاق الثَّلاث) وأمَّا الطَّلاق في الغضب فقد تقدَّم قريبًا أنَّ الإمام أبا داود مال إلى عدم وقوع الطَّلاق في الغضب.
          قال الحافظ: أراد(3) بذلك الرَّدَّ على مَنْ ذهب إلى أنَّ الطَّلاق في الغضب لا يقع، وهو مرويٌّ عن بعض متأخِّري الحنابلة، ولم يوجد عن أحدٍ مِنْ متقدِّميهم إلَّا ما أشار إليه أبو داود. انتهى.
          قلت: ومذهب الحنابلة كما في فروعهم أنَّ الطَّلاق في حالة الغضب يقع بالكنايات أيضًا بدون النِّيَّة فكيف بالصَّريح؟
          قوله (والكره) قال الحافظ: في عطفه على الإغلاق نظرٌ إلَّا إن كان يذهب إلى أنَّ الإغلاق الغضبُ، ويحتمل أن يكون قبل الكاف ميمٌ، لأنَّه عطف عليه السَّكران فيكون التَّقدير: باب: حكم الطَّلاق في الإغلاق وحكم المكره والسَّكران... إلى آخره، وقد اختلف السَّلف في طلاق المكرَه إلى [آخر] ما ذكر.
          وبسط الكلام على المسألة في «الأوجز» وفيه عن «المغني»: لا تختلف الرِّواية عن أحمد ☼ أنَّ طلاق المكره لا يقع، روي ذلك عن عمر وعليٍّ وجماعةٍ نُقلت أسماؤهم في «الأوجز» منهم مالكٌ والشَّافعيُّ وإسحاق، وأجازه ابن عمر والشَّعبيُّ والنَّخَعيُّ والزُّهريُّ والثَّوريُّ وأبو حنيفة وصاحباه وجماعةٌ، لأنَّه طلاقٌ مِنْ مكلَّفٍ في محلٍّ يملكه فينفذ كطلاق غيره(4) المكره. انتهى.
          ولا يذهب عليك أنَّه وقع التَّحريف مِنَ الكاتب في «حاشية النُّسخة الهنديَّة» في نقل المذاهب في طلاق المكرَه، إذ نقل فيه قال الحنيفة(5): لا يصحُّ طلاق المكره، وقالت الأئمَّة الثَّلاثة: يصحُّ، وعليه الجمهور، فانعكست المذاهب فإنَّ مذهب الحنفيَّة أنَّه يصحُّ طلاق المكرَه بخلاف الأئمَّة الثَّلاثة.
          قوله: (ولا السَّكران) قال الحافظ: وذهب إلى عدم وقوع طلاق السَّكران عطاءٌ وربيعةُ والمُزَنيُّ واختاره الطَّحاويُّ، وقال بوقوعه طائفةٌ مِنَ التَّابعين كسعيد بن المسيِّب وغيره، وبه قال الثَّوريُّ ومالكٌ وأبو حنيفة، وعن الشَّافعيِّ قولان المصحَّح منهما وقوعُه، والخلاف عند الحنابلة لكنَّ التَّرجيح بالعكس. انتهى.
          قلت: وفيه عن الإمام أحمد ثلاث رواياتٍ:
          الأولى: يقع الطَّلاق.
          والثَّانية: لا.
          والثَّالثة: التَّوقُّف عن الجواب.
          قال ابن القيِّم في «الهدي»: وهي الرِّواية الثَّانية الَّتي استقرَّ عليها مذهبه_يعني أحمد _ وصرَّح برجوعه إليها واختاره مِنَ الحنفيَّة الطَّحاويُّ والكَرْخيُّ.
          وفي «الفيض»: ولنا في السُّكر مِنَ الحرام قولان، فإن كان مِنَ الحلال لا يقع طلاقُه قولًا واحدًا. انتهى.
          وفي «الدُّرِّ المختار»: ويقع طلاق سكرانٍ ولو بنبيذٍ، قال ابن عابدين: أي: سواءٌ كان / سكرُه مِنَ الخمر أو الأشربة الأربعة المحرَّمة أو غيرها مِنَ الأشربة المتَّخذة مِنَ الحبوب والعسل عند محمَّدٍ.
          قال في «الفتح»: وبقوله يُفتَى، لأنَّ السُّكر مِنْ كلِّ شرابٍ محرَّمٌ. انتهى.
          وما في «الخانية» مِنْ تصحيح عدم الوقوع فهو مبنيٌّ(6) على قولهما مِنْ أنَّ النَّبيذ حلالٌ والمفتى به خلافه، نعم لو زال عقله بمباحٍ كما إذا سكر مِنْ ورق الرُّمَّان فإنَّه لا يقع طلاقه ولا عتاقه، ونقل الإجماع على ذلك صاحب «التَّهذيب» كذا في «الهنديَّة». انتهى.
          قوله: (والمجنون) قال الموفَّق: أجمع أهل العلم على أنَّ الزَّائلَ العقلِ بغير سكرٍ أو ما في معناه لا يقع طلاقه كذلك قال عثمان وعليٌّ وجماعةٌ مِنَ التَّابعين وغيرهم ذكر أسماءهم الموفَّق، ومنهم مالكٌ والشَّافعيُّ وأصحاب الرَّأي، وأجمعوا على أنَّ الرَّجل إذا طلق في حال نومه لا طلاق له، وقد ثبت أنَّ النَّبيَّ صلعم قال: ((رفع القلم عن ثلاثةٍ: عن النَّائم حتَّى يستيقظ وعن الصَّبيِّ حتَّى يحتلم وعن المجنون حتَّى يفيق)). انتهى.
          قوله: (والغلط) في «الفيض»: هو الخطأ أي: أراد أن يسبِّح الله فسبق على لسانه ذكر الطَّلاق.
          قوله: (والنِّسيان...) إلى آخره، قال الحافظ: أي: إذا وقع مِنَ المكلَّف ما يقتضي الشِّرك غلطًا أو نسيانًا هل يُحكم عليه به؟ وإذا كان لا يحكم عليه فليكن الطَّلاق كذلك، وقوله: (وغيره) أي: وغير الشِّرك ممَّا هو دونه ثُمَّ بسط الحافظ الكلام على ما في بعض النُّسخ مِنْ لفظ <الشَّكِّ> بدل (الشِّرك)، وقال: إن ثبت فهو عطفٌ على النِّسيان لا على الطَّلاق، ثُمَّ قال: واختلف السَّلف في طلاق النَّاسي فكان الحسن يراه كالعمد إلَّا إن اشترط، فقال: إلَّا إن نسي، وعن عطاءٍ أنَّه كان لا يراه شيئًا وهو قول الجمهور، وكذلك اختلف في طلاق المخطئ فذهب الجمهور إلى أنَّه لا يقع، وعن الحنفيَّة فيمن أراد أن يقول لامرأته شيئًا فسبق لسانُه فقال: أنت طالقٌ يلزمه الطَّلاق. انتهى.
          وهكذا ذكر العينيُّ في بيان المذاهب في المخطئ، لكن قال في طلاق الغالط والنَّاسي: إنَّه واقعٌ وهو قول عطاءٍ والشَّافعيِّ في قولٍ وإسحاقَ ومالكٍ والثَّوريِّ والأوزاعيِّ. انتهى.
          وفي «الدُّر المختار»: يقع طلاق كلِّ زوجٍ بالغٍ عاقلٍ ولو عبدًا أو مكرهًا أو هازلًا أو مخطئًا بأن أراد التَّكلُّم بغير الطَّلاق فجرى على لسانه الطَّلاق أو غافلًا أو ساهيًا، قال ابن عابدين: المراد بالغافل هاهنا النَّاسي، وصورته أن يعلِّق طلاقها على دخول الدَّار مثلًا فدخلها ناسيًا التَّعليق. انتهى.
          وفي «الفيض»: استَشكلتْ على بعضهم صورة النِّسيان وذَكر له في «البحر» صُورًا نحو أن يقول: إن أجزتُ لك أن تذهبي إلى بيت فلانٍ فأنت طالقٌ فنسي وأجاز. انتهى.
          ثُمَّ قال البخاريُّ ⌂: (وما لا يجوز مِنْ إقرار المُوَسْوِس) ثُمَّ حكى عن عُقبة: (لا يجوز طلاق المُوَسْوِس) قال الحافظ: بمهملتين والواو الأولى مفتوحةٌ والثَّانية مكسورةٌ، أي: لا يقع طلاقُه لأنَّ الوَسْوَسة حديثُ النَّفس ولا مؤاخذة بما يقع في النَّفس. انتهى.
          وهكذا في «شرح الكَرمانيِّ والعينيِّ والقَسْطَلَّانيِّ»، ثُمَّ قال الحافظ في أثر قَتادة: (إذا طلَّق في نفسه فليس بشيءٍ) وصله عبد الرَّزَّاق عن قَتادة والحسن قالا: مَنْ طلَّق سرًّا في نفسه فليس طلاقُه ذلك بشيءٍ، وهذا قول الجمهور، وخالفهم ابن سيرين وابن شهابٍ فقالا: تطلق وهي روايةٌ عن مالكٍ. انتهى.
          وفي «الأوجز» عن «المغني»: الطَّلاق لا يقع إلَّا بلفظٍ، فلو نواه بقلبه مِنْ غير لفظٍ لم يقع في قول عامَّة أهل العلم، وقال الزُّهريُّ: إذا عَزم على ذلك طُلِّقت، وقال ابن سِيرين فيمَنْ طلَّق في نفسه: أليس قد علمَه الله؟ ولنا قولُ النَّبِيِّ صلعم: ((إنَّ الله تعالى تجاوز لأمَّتي عمَّا حدَّثتْ به نفسَها(7) ما لم تتكلَّم به أو تعمل)) رواه التِّرْمِذيُّ وقال: صحيحٌ. انتهى.
          وفي «تقرير المكِّي»: قوله: مِنْ (إقرار المُوَسْوِس) أي: مِنْ إقرار المجنون بالطلَّاق. انتهى ملخَّصًا مِنْ «هامش اللَّامع».
          والبسط فيه، وفي «الفيض»: المُوَسْوِس: المجنون أو المعتوه، والعَتْهُ / أخفُّ مِنَ الجنون وضبطُه مُشْكِلٌ. انتهى.
          وسيأتي حكم طلاق المعتوه في كلام المصنِّف.
          قوله: (وقال عطاء: إذا بدأ بالطَّلاق فله شرطه) قال القَسْطَلَّانيُّ: أي: إذا أراد أن يطلِّق وبدأ بالطَّلاق قبل الشَّرط بأن قال: أنت طالقٌ إن دخلتِ الدَّار فله شرطُه، كما في العكس بأن يقول: إن دخلتِ الدَّار فأنت طالقٌ فلا يلزم تقديمُ الشَّرط على الطَّلاق بل يصحُّ سابقًا ولاحقًا. انتهى.
          كتب الشَّيخ قُدِّسَ سِرُّهُ في «اللَّامع»: أشار بذلك إلى(8) أنَّ لفظ الطَّلاق لا يكون سببًا لوقوعه ما لم يجامعْه النِّيَّة، فإنَّ مَنْ قال: أنت طالقٌ وكان مِنْ نيَّته تقييدُه بشرطٍ حتَّى عقَّبه بالشَّرط فقال: إن دخلتِ الدَّار لم يقع طلاقه هذا ما لم تدخل الدَّار، فلو كان الطَّلاق واقعًا بمجرَّد اللَّفظ لما أفاد تقييده هذا بالشَّرط لتقدُّم الطَّلاق ووقوعه وإن كانت نيَّته أن يقيِّده، وكذلك قوله: طلَّق رجلٌ امرأته إن خرجت. انتهى.
          في(9) «هامشه»: أجاد الشَّيخ قُدِّسَ سِرُّهُ في مناسبة الأثر بالتَّرجمة، ولم يتعرَّض لذلك أحدٌ مِنَ الشُّرَّاح، وكأنَّ الشَّيخ أشار بذلك إلى أنَّ التَّرجمة مِنَ الأصل الثَّامن عشر مِنَ الأصول المذكورة في المقدِّمة وهو إرادة العامِّ بالتَّرجمة الخاصَّة، وهو نصُّ كلام الشَّيخ المكِّيِّ في «تقريره» إذ قال: غرض البخاريِّ أنَّ طلاق هؤلاء لا يقع أصلًا لا قضاءً ولا ديانةً لعدم النِّيَّة لهم، وكذلك لا يقع عندنا أيضًا إلَّا أنَّ القاضيَ يقضي بالوقوع لمكان التُّهمة لا أنَّه يقع. انتهى.
          قوله: (وطلاق كلِّ قومٍ بلسانهم) عجميًّا أو غيره، وهذا وصله ابن أبي شيبة، وقال في «الرَّوضة»: ترجمة لفظ الطَّلاق بالعجميَّة وسائر اللُّغات صريحٌ على المذهب، لشهرة استعمالها في معناها عند أهل تلك اللُّغات كشهرة العربيَّة عند أهلها، وقيل: وجهان ثانيهما أنَّها كنايةٌ. انتهى.
          وفي «الدُّرِّ المختار»: صريحةٌ(10) ما لا يُستعمل إلَّا فيه ولو بالفارسيَّة، قال ابن عابدين: قوله: بالفارسيَّة، فما لا يستعمل فيها إلَّا في الطَّلاق فهو صريحٌ يقع بلا نيَّةٍ، وما استُعمل فيها استعمال الطَّلاق وغيِره فحكمُه حكمُ كنايات العربيَّة... إلى آخر ما بسط فيه مِنَ الألفاظ التُّركيَّة وغيرها. انتهى.
          قوله: (وقال قَتادة: إذ(11) قال: إذا حملتِ فأنت طالقٌ ثلاثًا...) إلى آخره، وصله ابن أبي شيبة بسنده عن قَتادة مثله لكن قال: عند كلِّ طهرٍ مرَّةً ثُمَّ يمسك حتَّى تطهُر، وذكر بقيَّته نحوه مِنْ(12) طريق أشعث عن الحسن: يغشاها إذا طهُرت مِنَ الحيض ثُمَّ يمسك عنها إلى مثل ذلك، وقال ابن سيرين: يغشاها حتَّى تحمل، وبهذا قال الجمهور، واختَلفت الرِّواية عن مالكٍ، ففي رواية ابن القاسم: إنْ وطئها مرَّةً بعد مرَّةٍ(13) بعد التَّعليق طُلِّقت سواءٌ استبان بها حملُها أم لا، وإن وطئها في الطُّهر الَّذي قال لها ذلك بعد الوطء طُلِّقت مكانها، وتعقَّبه الطَّحاويُّ بالاتِّفاق على أنَّ مثل ذلك إذا وقع في تعليق العِتق لا يقع إلَّا إذا وُجد الشَّرط، قال: فكذلك الطَّلاق فليكن. انتهى مِنَ «الفتح».
          وهكذا ذَكر القَسْطَلَّانيُّ قول ابن القاسم وقال: لأنَّ الحمل موقوفٌ على سببٍ، والسَّبب بيد الحالف، إن شاء أوقعه وإن شاء لم يوقعه وهو الوطء، ثُمَّ ذكر أقوال المالكيَّة الأخر ووجوهها.
          قوله: (وكلُّ طلاقٍ جائزٌ إلَّا طلاقَ المعتوه) قال العَينيُّ: وهو النَّاقصُ العقلِ فيدخل فيه الطِّفل والمجنون والسَّكران، وقد روى التِّرْمِذيُّ بسنده عن أبي هريرة مرفوعًا: ((كلُّ طلاقٍ جائزٌ إلَّا طلاقَ المعتوه المغلوبِ على عقله)) وقال: هذا حديثٌ لا نعرفه مرفوعًا إلَّا مِنْ حديث عطاء بن عجلان وهو ضعيفٌ ذاهبُ الحديث، والعمل على هذا عند أهل العلم مِنْ أصحاب النَّبِيِّ صلعم وغيرهم أنَّ طلاق المعتوه المغلوبِ على عقله لا يجوز إلَّا أن يكون معتوهًا يُفيق الأحيانَ فيطلِّق في حال إفاقته. انتهى.
           / قال القَسْطَلَّانيُّ: والمعتوه كالمجنون في نقص العقل فمنه الطِّفل والمجنون والسَّكران، وذكر أقوالًا أُخَر في تعريف المعتوه، قلت: قد علمتَ فيما سبق حكم طلاق المجنون والسَّكران، وأمَّا طلاق الصَّبيِّ فقال القَسْطَلَّانيُّ أيضًا: ولو فُرض لبعض الصِّبيان المراهقين عقلٌ جيِّدٌ لا يُعتبر في التَّصرُّفات، لأنَّ مدار(14) البلوغ لانضباطه فتعلَّق به الحكم، وبهذا يبعد ما نقل عن ابن المسيِّب أنَّه إذا عقل الصَّبيُّ الطَّلاق جاز طلاقه، وعن ابن عمر جوازُ طلاق الصَّبيِّ، ومرادُه العاقل، ومثله عن الإمام أحمد، والله أعلم بصحَّة هذه النُّقول، قاله الشَّيخ كمال الدِّين بن همَّام(15) ⌂، وعن ابن عبَّاسٍ عند ابن أبي شيبة: لا يجوز طلاق الصَّبيِّ. انتهى.
          قال الخَرْقيُّ: وإذا عقل الصَّبيُّ الطَّلاق فطلَّق لزمه، قال الموفَّق: وأمَّا الصَّبيُّ الَّذي لا يعقل فلا خلاف فيه أنَّه لا طلاق له، وأما الَّذي يعقل الطَّلاق ويعلم أنَّه(16) زوجته تبين به وتحرم عليه فأكثر الرِّوايات عن أحمد أنَّ طلاقه يقع، اختارها أبو بكرٍ والخَرْقيُّ وروي نحو ذلك عن ابن المسيِّب وعطاءٍ والحسن والشَّعبيِّ وإسحاق، وروى أبو طالبٍ عن أحمد: لا يجوز طلاقه حتَّى يحتلم، وهو قول النَّخَعيِّ ومالكٍ والثَّوريِّ وأبي عُبيدٍ، وذكر أبو عُبيدٍ أنَّه قول أهل العراق وأهل الحجاز لقول النَّبِيِّ صلعم: ((رُفع القلم عن الصَّبيِّ حتَّى يحتلم)). انتهى.


[1] في (المطبوع): ((يجعلها)).
[2] في (المطبوع): ((رُوي)).
[3] في (المطبوع): ((وأراد)).
[4] في (المطبوع): ((غير)).
[5] في (المطبوع): ((الحنفيَّة)).
[6] في (المطبوع): ((مبين)).
[7] في (المطبوع): ((أنفسها)).
[8] قوله: ((إلى)) ليس في (المطبوع).
[9] في (المطبوع): ((وفي)).
[10] في (المطبوع): ((صريحُهُ)).
[11] في (المطبوع): ((إذا)).
[12] في (المطبوع): ((ومن)).
[13] قوله: ((بعد مرة)) ليس في (المطبوع).
[14] في (المطبوع): ((المدار)).
[15] في (المطبوع): ((الهمام)).
[16] في (المطبوع): ((أن)).