الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب إذا عرض بنفى الولد

          ░26▒ (باب: إذا عَرَّضَ بنَفْيِ الوَلَد)
          قال الحافظ: بتشديد الرَّاء مِنَ التَّعريض، وهو ذكر شيءٍ يُفهَم منه شيءٌ آخرُ لم يُذكر، ويفارق الكناية بأنَّها ذكر شيءٍ بغير لفظه الموضوع يقوم مَقامه، وترجم البخاريُّ لهذا الحديث في الحدود (ما جاء في التَّعريض) وكأنَّه أخذه مِنْ قوله في بعض طرقه: يعرِّض بنفيه. انتهى.
          وقال العَينيُّ: مطابقة الحديث [للتَّرجمة] تؤخذ مِنْ قوله: (وُلد لي غلامٌ أسود) فإنَّ فيه تعريضًا لنفيه عنه، يعني: أنا أبيض وهذا أسود، فلا يكون منِّي. انتهى.
          قال القَسْطَلَّانيُّ تحت حديث الباب: وفائدة الحديث المنعُ عن نفي الولد بمجرَّد الأمارات الضَّعيفة، بل لا بدَّ مِنْ تحقُّقٍ كأن رآها تزني، أو ظهور دليلٍ قويٍّ كأن لم يكن وطئها أو أتت بولدٍ قبل ستَّة أشهرٍ مِنْ مبدأ وطئها، أو لأكثر مِنْ أربع سنين، بل يلزمه نفي الولد لأنَّ ترك نفيه يتضمَّن استلحاقه، واستلحاق مَنْ ليس منه حرامٌ، كما يحرم نفي مَنْ هو منه.
          وقال أيضًا: وفي الحديث أنَّ التَّعريض بالقذف ليس قذفًا، وبه قال الجمهور، واستدلَّ به إمامنا الشَّافعيُّ لذلك، وعن المالكيَّة: يجب به الحدُّ إذا كان مفهومًا. انتهى.
          قال العَينيُّ في كتاب الحدود: واختلف(1) العلماء في هذا الباب فقال قومٌ: لا حدَّ في التَّعريض، وإنَّما يُحدُّ الحدُّ بالتَّصريح البيِّن، وبه قال الثَّوريُّ وأبو حنيفة والشَّافعيُّ إلَّا أنَّهما يوجبان الأدب والزَّجر، وعليه يدلُّ بتبويب(2) البخاريِّ، وقال الآخرون: التَّعريض كالتَّصريح، وبه قال مالكٌ والأوزاعيُّ. انتهى.
          قلت: ففي «الموطَّأ» قال مالكٌ: لا حدَّ عندنا لا(3) في قذفٍ أو نفيٍ أو تعريضٍ يُرى أنَّ قائله إنَّما أراد بذلك نفيًا أو قذفًا، فعلى مَنْ قال ذلك الحدُّ تامًّا.
          وفي «الأوجز»: قال الباجيُّ: / وقد جَلد عمرُ بن الخطَّاب في التَّعريض وبه قال عمر بن عبد العزيز، وقال أبو حنيفة والشَّافعيُّ: ليس في التَّعريض حدٌّ... إلى آخر ما بسط.
          وقال الموفَّق: واختلفت الرِّواية عن أحمد في التَّعريض بالقذف مثل أن يقول لِمَنْ يخاصمه: ما أنت بزانٍ، أو ما يعرفك النَّاس بالزِّنا، أو يقول: ما أنا بزانٍ، فروى عنه حنبلٌ: لا حدَّ عليه، وهو ظاهر كلام الخَرْقيِّ، واختيار أبي بكرٍ، وبه قال الشَّافعيُّ وأصحاب الرَّأي، ثُمَّ ذكر حديث الباب، وروى الأثرم وغيره عن أحمد أنَّ عليه الحدَّ، وبه قال إسحاق... إلى آخر ما فيه.
          وفي «فيض الباري»: (باب: إذا عرَّض...) إلى آخره، والتَّعريض كالإيماء والإشارة بالقذف، وعدَّهما البخاريُّ كالصَّريح، فلزمه أن يقول باللِّعان في صورة التَّعريض أيضًا. انتهى.
          قال الحافظ: وقد اعترضه ابن المنيِّر فقال: ذكر ترجمة التَّعريض عقب ترجمة الإشارة لاشتراكهما في إفهام المقصود، لكنَّ كلامه يُشعِر بإلغاء [حكم] التَّعريض، فيتناقض مذهبه في الإشارة. انتهى.
          وأجاب عنه الحافظ ببيان الفرق بينهما، فارجع إليه.


[1] في (المطبوع): ((اختلف)).
[2] في (المطبوع): ((تبويب)).
[3] في (المطبوع): ((إلا)).