الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب قصة فاطمة بنت قيس

          ░41▒ (باب: قصَّة فاطمة بنت قيسٍ...) إلى آخره
          سقط لفظ (باب) في «نسخة الحافظ»، وقال: كذا للأكثر، ولبعضهم: <باب> / وبه جزم ابن بطَّالٍ والإسماعيليُّ، وفاطمة هي بنت قيس بن خالدٍ مِنْ بني محارب بن فِهر بن مالكٍ، وهي أخت الضَّحَّاك بن قيسٍ الَّذي ولي العراق ليزيد بن معاوية، وقُتل بمرج راهطٍ، وهو مِنْ صغار الصَّحابة وهي أسنُّ منه، وكانت مِنَ المهاجرات الأُوَل، وكان لها عقلٌ وجمالٌ وتزوَّجها أبو عمرو بن حفصٍ، ويقال: أبو حفص بن عمرٍو، فخرج مع عليٍّ لمَّا بعثه النَّبيُّ صلعم إلى اليمن فبعث إليها بتطليقةٍ ثالثةٍ بقيتْ لها، وأمر ابنَي عمَّيه الحارثَ بن هشامٍ وعيَّاشَ بن أبي ربيعة أن يدفعا لها تمرًا وشعيرًا، فاستقلَّت ذلك وشكت إلى النَّبِيِّ صلعم فقال لها: ((ليس لك سكنى ولا نفقةٌ)) هكذا أخرج مسلمٌ قصَّتها مِنْ طرقٍ متعدِّدةٍ عنها ولم أرها في البخاريِّ وإنَّما ترجم لها كما ترى، وأورد أشياء مِنْ قصَّتها بطريق الإشارة إليها، ووهم صاحب «العمدة» فأورد حديثها بطوله في «المتَّفق». انتهى.
          قال العَينيُّ: ثُمَّ العلماء اختلفوا في هذا(1) الباب في فصلين:
          الأوَّل: أنَّ المطلَّقة ثلاثًا لا(2) تجب لها النَّفقة ولا السُّكنى عند قومٍ إذا لم تكن حاملًا، وهم الحسن البصريُّ وطاوسٌ وعطاء بن أبي رباحٍ وأحمد وإسحاق وأهل الظَّاهر، وقال قومٌ: لها النَّفقة والسُّكنى حاملًا أو غير حاملٍ، وهم حمَّادٌ وشُريحٌ والنَّخَعيُّ والثَّوريُّ وأبو حنيفة وصاحباه، وهو مذهب عمر وعبد الله بن مسعودٍ ☻، وقال قومٌ: لها السُّكنى بكلِّ حالٍ، والنَّفقةُ إذا كانت حاملًا، وهم عبد الرَّحمن بن مهديٍّ ومالكٌ والشَّافعيُّ... إلى آخر ما ذكر مِنَ الدَّلائل.
          وفي «الأوجز»: اختلفوا في مسألة النَّفقة والسُّكنى للمعتدَّة ففي «التَّعليق الممجَّد»: اختلف العلماء في هذا الباب، فذهب عمر بن الخطَّاب مِنَ الصَّحابة وآخرون_وبه قال أصحابنا _ أنَّ للمطلَّقة المبتوتة النَّفقة والسُّكنى في العدَّة وإن لم تكن حاملًا، وقال ابن عبَّاسٍ وأحمد: لا نفقة لها ولا سكنى، وقال مالكٌ والشَّافعيُّ وغيرهما: يجب السُّكنى دون النَّفقة، وأمَّا المتوفَّى عنها زوجها فلا نفقة لها بالإجماع، والأصحُّ وجوب السُّكنى، وأمَّا المطلَّقة الرَّجعيَّة فيجب لها النَّفقة والسُّكنى. انتهى.
          وفي «البذل» عن «البدائع» أنَّ المعتدَّة عن طلاقٍ رجعيٍّ لها النَّفقة والسُّكنى بلا خلافٍ، لأنَّ ذلك النِّكاح قائمٌ فكان الحال بعد الطَّلاق كالحال قبله، وإن كان الطَّلاق ثلاثًا أو بائنًا فلها النَّفقة والسُّكنى إن كانت حاملًا بالإجماع. انتهى.
          وقال النَّوَويُّ: المطلَّقة الحائل البائن لها النَّفقة والسُّكنى عند أبي حنيفة، وقال أحمد: لا نفقة لها ولا سكنى، وقال مالكٌ والشَّافعيُّ: يجب لها السُّكنى لا النَّفقة، وأمَّا البائن الحامل فتجب لها السُّكنى والنَّفقة، والرَّجعيَّة تَجِبان لها بالإجماع، والمتوفَّى عنها زوجها فلا نفقة لها بالإجماع، والأصحُّ عندنا وجوب السُّكنى لها، ولو كانت حاملًا فالمشهور [أنَّه] لا نفقة لها كما لو كانت حائلًا. انتهى إلى آخر ما بسط فيه.
          وفي آخره: وقد علمت ممَّا سبق أنَّ السُّكنى للمبتوتة وإن لم تكن حاملًا تجب عندنا الحنفيَّة، وبه قال مالكٌ والشَّافعيُّ وهو روايةٌ لأحمد والأخرى له، وهو ظاهر مذهبه ألَّا سكنى لها، وبه قال داود، أمَّا إن كانت حاملًا فلا خلاف بين أهل العِلم في وجوب السُّكنى. انتهى.
          قال العَينيُّ: والفصل الثَّاني في حكم خروج المبتوتة بالطَّلاق مِنْ بيتها في عدَّتها، روى(3) ذلك عن ابن مسعودٍ وعائشة، وبه قال ابن المسيِّب: قالوا: تعتدُّ في بيت زوجها حيث طلَّقها، وحكى أبو عُبيدٍ هذا القول عن مالكٍ والثَّوريِّ والكوفيِّين، وأنَّهم كانوا يرون ألَّا تبيت المبتوتة والمتوفَّى عنها زوجها إلَّا في بيتها، وفيه قولٌ آخر: إنَّ المبتوتة تعتدُّ حيث شاءت، روي ذلك عن ابن عبَّاسٍ وجابرٍ وعطاءٍ وطاوسٍ والحسن وعكرمة، وكان مالكٌ يقول: المتوفَّى عنها زوجها تزور وتقيم إلى قدر ما يبدأ(4) النَّاس بعد العشاء / ثُمَّ تنقلب إلى بيتها وهو قول اللَّيث والشَّافعيِّ وأحمد، وقال أبو حنيفة: تخرج المتوفَّى عنها نهارًا ولا تبيت إلَّا في بيتها، ولا تخرج المطلَّقة ليلًا ولا نهارًا، قال محمَّدٌ: لا تخرج المطلَّقة ولا المتوفَّى عنها زوجها ليلًا ولا نهارًا في العدَّة، وقام الإجماع على أنَّ الرَّجعيَّة تستحقُّ السُّكنى والنَّفقة، إذ حكمها حكم الزَّوجات في جميع أمورها. انتهى.
          وفي «الأوجز»: اعلم أنَّ هاهنا ثلاثة مسائل كلُّها خلافيَّةٌ، وطالما تلتبس إحداهما بالأخرى على نَقَلَة المذاهب:
          الأولى: وجوب سكنى المتوفَّى عنها على الزَّوج، يعني: في ماله.
          الثَّانية: خروجها عن بيت العدَّة ليلًا أو نهارًا لحوائجها.
          والثَّالثة: الاعتداد في بيتها الَّذي بلغها فيه نعيُه سواءٌ كانت السُّكنى عليها أو على زوجها.
          ثُمَّ بسط الكلام على تلك المسائل، واختلف(5) العلماء فيها، أمَّا المسألة الأولى: فقد تقدَّم آنفًا، وأمَّا الثَّانية: وهي أيضًا خلافيَّةٌ شهيرةٌ، قال الموفَّق: للمعتدَّة الخروج في حوائجها نهارًا سواءٌ كانت مطلَّقةً أو متوفًى عنها. انتهى.
          وقال محمَّدٌ في «موطَّئه»: المتوفَّى عنها تخرج بالنَّهار في حوائجها، ولا تبيت إلَّا في بيتها، وأمَّا المطلَّقة مبتوتةً كانت أو غير مبتوتةٍ فلا تخرج ليلًا أو نهارًا ما دامت في عدَّتها. انتهى.
          وقال مالكٌ: تخرج المبتوتة أيضًا بالنَّهار لقضاء الحاجة وإنَّما تلزم بيتها في اللَّيل، وسواءٌ في ذلك الرَّجعيَّة والبائنة، وقال الشَّافعيُّ في الرَّجعيَّة: لا تخرج ليلًا ولا نهارًا وإنَّما تخرج نهارًا المبتوتةُ، كذا قال ابن رسلان، وهكذا حكى الزَّرقانيُّ مذهب مالكٍ. انتهى مِنَ «الأوجز».
          وتقدَّم أيضًا بيان الاختلاف في سكنى المتوفَّى عنها ونفقتها في التَّفْسير في (باب: قوله: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [البقرة:234]).


[1] قوله: ((هذا)) ليس في (المطبوع).
[2] قوله: ((لا)) ليس في (المطبوع).
[3] في (المطبوع): ((روي)).
[4] في (المطبوع): ((يهدأ)).
[5] في (المطبوع): ((واختلاف)).