الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب الإشارة في الطلاق والأمور

          ░24▒ (باب: الإِشَارَةِ فِي الطَّلاَقِ وَالأُمُورِ...) إلى آخره
          قال ابن بطَّالٍ: ذهب الجمهور إلى أنَّ الإشارة إذا كانت مُفهِمةً تتنزَّل منزلة النُّطق، وخالفه الحنفيَّة في بعض ذلك، ولعلَّ البخاريَّ ردَّ عليهم بهذه الأحاديث الَّتي جعل فيها النَّبيُّ صلعم الإشارة قائمةً مَقام النُّطق، وإذا جازت الإشارة في أحكامٍ مختلفةٍ في الدِّيانة فهي لِمَنْ لا يمكنه النُّطق أَجْوَزُ.
          وقال ابن المنيِّر: أراد البخاريُّ أنَّ الإشارة بالطَّلاق وغيره مِنَ الأخرس وغيره الَّتي يُفهم منها(1) الأصل والعدد نافذٌ كاللَّفظ. انتهى.
          قال الحافظ: ويظهر لي أنَّ البخاريَّ أورد هذه التَّرجمة وأحاديثَها توطئةً لِما يذكره مِنَ البحث في الباب الَّذي يليه مع مَنْ فرَّق بين لِعان الأخرس وطلاقه، والله [تعالى] أعلم.
          وقد اختلف العلماء في الإشارة المفهمة، فأمَّا في حقوق الله [تعالى] فقالوا: يكفي ولو مِنَ القادر على النُّطق، وأمَّا في حقوق الآدميِّين كالعقود والإقرار والوصيَّة ونحو ذلك، فاختلف العلماء فيمن اعتُقل لسانه.
          ثالثها: عن أبي حنيفة: إن كان مأيوسًا مِنْ نُطْقه، وعن بعض الحنابلة: أن تصل(2) بالموت، ورجَّحه الطَّحاويُّ، وعن الأوزاعيِّ: إن سبقه كلامٌ، ونُقل عن مكحولٍ: إن قال: فلانٌ حرٌّ ثُمَّ أصمت فقيل له: وفلانٌ فأومأ صحَّ، وأمَّا القادر على النُّطق فلا تقوم إشارته مقام نطقه عند الأكثرين. انتهى.
          وتقدَّم شيءٌ مِنَ الكلام على الإشارة / في كتاب الوصايا في (باب: إذا أومأ المريض برأسه) كذا في «هامش اللَّامع».
          وردَّ العلَّامة العيني: على أبلغ وجهٍ وأوكده على مَنْ قال مِنَ الشُّرَّاح مِنِ ابن بطَّالٍ وغيره: أنَّ الإمام البخاريَّ أراد بهذا الباب الرَّدَّ على أبي حنيفة، إذ قال: وكذلك ابن بطَّالٍ الَّذي أطلق لسانه في أبي حنيفة بوجهٍ باطلٍ حيث قال: حاول البخاريُّ بهذا الباب الرَّدَّ على أبي حنيفة لأنَّه صلعم حَكَمَ بالإشارة في هذه الأحاديث، إلى أن قال: وإنَّما حمل أبا حنيفة على قوله هذا أنَّه لم يعلم السُّنن الَّتي جاءت بجواز الإشارات في أحكامٍ مختلفةٍ. انتهى.
          قلت: هذا الَّذي قاله قلَّة أدبٍ فمَنْ قال: إنَّ أبا حنيفة لم يَعلم هذه السُّنن فمَنْ نقله عنه أنَّه لم يجوِّز العمل بالإشارة؟ وهذه كتب أصحابه ناطقةٌ بجواز ذلك كما نبَّهنا على بعض شيءٍ مِنْ ذلك، وقال أصحابنا إشارة الأخرس وكتابته كالبيان باللِّسان، فيلزمه الأحكام بالإشارة [و]بالكتابة حتَّى يجوز نكاحه وطلاقه وعتاقه وبيعه وشراؤه وغير ذلك مِنَ الأحكام بخلاف معتقل الَّذي حُبس لسانه، فإنَّ إشارته غير معتبرةٍ، لأنَّ الإشارة لا تنبئ عن المراد إلَّا إذا طالت وصارت معهودةً كالأخرس. انتهى.
          قلت: وطلاق الأخرس واقع عند الأئمَّة الأربعة.
          قال الموفَّق: ولا يقع الطَّلاق بغير لفظ الطَّلاق إلَّا في موضعين:
          أحدهما: مَنْ لا يَقدر على الكلام كالأخرس إذا طلَّق بالإشارة طُلِّقت زوجته، وبهذا قال مالكٌ والشَّافعيُّ وأصحاب الرَّأي، ولا نعلم عن غيرهم خلافهم... إلى آخر ما فيه.


[1] في (المطبوع): ((منه)).
[2] في (المطبوع): ((إن اتصل)).