الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب قول الله تعالى: {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر}

          ░21▒ (باب: قوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} الآية [البقرة:226])
          ووقع في «شرح ابن بطَّالٍ»: (باب: الإيلاء، وقوله تعالى...) إلى آخره، قاله الحافظ، وقال العَينيُّ: واعلم أنَّ الكلام هاهنا أي: في الإيلاء في عدَّة مواضع، ثُمَّ بسطها أشدَّ البسط.
          وفي «هامش النُّسخة الهنديَّة» عن العينيِّ: الإيلاء في اللُّغة: الحَلِف، والإيلاء المذكور في قوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ} [البقرة:226] هو الحَلِف على ترك قربان امرأته، أي: وطئها أربعة أشهرٍ أو أكثر منها، كقوله لامرأته: والله لا أقربك أربعة أشهرٍ أو لا أقربك، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والثَّوريِّ.
          وقال ابن المنذر: أكثر أهل العِلم قالوا: لا يكون الإيلاء أقلَّ مِنْ أربعة أشهرٍ، وقال مالكٌ والشَّافعيُّ وأحمد وأبو ثورٍ: الإيلاء أن يحلف ألَّا يطأ امرأته أكثر مِنْ أربعة أشهرٍ، وإن حلف على أربعة أشهرٍ أو فيما دونها لم يكن موليًا(1). انتهى.
          ثُمَّ قال العَينيُّ: الموضع الثَّاني في حكم الإيلاء وهو أنَّه إن وطئها في الأربعة الأشهر كفَّر، لأنَّه حَنِثَ في يمينه، وإن لم يطأها حتَّى مضت أربعة أشهرٍ بانت المرأة منه بتطليقةٍ واحدةٍ، وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه، وعند ابن المسيِّب ومكحولٍ وربيعة والزُّهريِّ: يقع تطليقةً رجعيَّةً، وذكر البخاريُّ عن ابن عمر أنَّ المولى(2) يوقَف حتَّى يطلِّق، وقال مالكٌ: كذلك الأمر عندنا، وبه قال اللَّيث والشَّافعيُّ وأحمدُ وإسحاق وأبو ثورٍ(3)، فإن طلَّق فهي واحدةٌ رجعيَّةٌ إلَّا أنَّ مالكًا قال: لا تصحُّ رجعته حتَّى يطأ في العدَّة، ولا يُعلم أحدٌ قاله غيرَه. انتهى.
          وقال الإمام التِّرْمِذيُّ في «جامعه»: والإيلاء أن يحلف الرَّجل ألَّا يقرب امرأته أربعة أشهرٍ أو أكثر، واختلف أهل العِلم فيه إذا مضت أربعة أشهرٍ، فقال بعض أهل العِلم مِنْ أصحاب النَّبِيِّ صلعم وغيرهم: إذا مضت أربعة أشهرِ يوقف فإمَّا أن يَفيء وإمَّا أن يطلِّق وهو قول مالك بن أنسٍ والشَّافعيِّ وأحمدَ وإسحاقَ، وقال بعض أهل العِلم مِنْ أصحاب النَّبِيِّ صلعم وغيرهم: إذا مضت أربعة أشهرٍ فهي تطليقةٌ بائنةٌ، وهو قول الثَّوريِّ وأهل الكوفة. انتهى.
          وفي «هامشه»: قال محمَّدٌ في «الموطَّأ»: قال ابن عبَّاسٍ في تفسير آية الإيلاء إنَّه قال: الفيء: الجماع في الأربعة(4) الأشهر، وعزيمة الطَّلاق انقضاءُ الأربعة، فإذا مضت بانت بتطليقةٍ، ولا يوقَف بعدها، وكان عبد الله بن عبَّاسٍ أعلم بتفسير القرآن مِنْ غيره، وهو قول أبي حنيفة والعامَّة. انتهى.
          وفي «التَّعليق الممجَّد»: ثُمَّ عند أبي حنيفة وأصحابه(5) والشَّافعيِّ في الجديد: إذا حلف على ترك قربان زوجته أربعة أشهرٍ يكون موليًا(6)، واشترط مالكٌ أن يكون مضرًّا بها، أو يكون حالة الغضب، فإن كان للإصلاح لم يكن موليًا(7)، ووافقه أحمد / واتَّفق الأئمَّة الأربعة وغيرهم على أنَّه لو حلف ألَّا يقرب أقلَّ مِنْ أربعة أشهرٍ لا يكون موليًا(8).
          ثُمَّ في الإيلاء الشَّرعيِّ إنْ جامع زوجته في أربعة أشهرٍ فليس عليه إلَّا كفَّارة يمينٍ، وإن مضت أربعة أشهرٍ ولم يفئ بجماعٍ ولا بلسانٍ طلِّقت طلقةً بائنةً عند الحنفيَّة، وبه قال ابن مسعودٍ وعليٌّ وزيد بن ثابتٍ وغيرهم، وذهب مالكٌ والشَّافعيُّ وأحمد إلى أنَّ المولي إذا لم يفئ ومضت أربعةُ [أشهُرٍ] لا يقع بمضيِّ هذه المدَّة طلاقٌ بل يوقف حتَّى يفيء أو يطلِّق. انتهى مختصرًا.
          وكتب الشَّيخ قُدِّسَ سِرُّهُ في «الكوكب الدُّرِّيِّ»: وفسَّروا_أي الحنفيَّة _ قوله تعالى فيه: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا} [الآية] [البقرة:226] في أيَّام التَّربُّص فكذا وإن عزموا الطَّلاق فلم يفيئوا فكذا، وهو أوفق بقوله تعالى: {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:226] لِما فيه مِنْ نقص(9) ما حلفوا عليه مِنْ عدم القربان أربعة أشهرٍ بخلاف ما فسَّروه. انتهى.


[1] في (المطبوع): ((مؤليًا)).
[2] في (المطبوع): ((المولي)).
[3] قوله: ((وأبو ثور)) ليس في (المطبوع).
[4] في (المطبوع): ((الأربع)).
[5] في (المطبوع): ((وأصحاب)).
[6] في (المطبوع): ((مؤليًا)).
[7] في (المطبوع): ((مؤليًا)).
[8] في (المطبوع): ((مؤليًا)).
[9] في (المطبوع): ((نقض)).