التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قول الله تعالى: {فلا تجعلوا لله أندادًا}

          ░40▒ باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى:{فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا} [البقرة:22]
          وَقَوْلِهِ: {وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [فصلت:9] وَقَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان:68] وَقَوْلِهِ: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}، إِلَى {الشَّاكِرِيْن} [الزمر:65-66]
          وَقَالَ عِكْرِمَةُ: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف:106] {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ} [الزمر:38] فَذَلِكَ إِيمانُهُمْ، وَهُمْ يَعْبُدُونَ غَيْرَهُ. وَمَا ذُكِرَ في خَلْقِ أَفْعَالِ العِبَادِ / وأَكْسَابِهِم، لِقَولهِ تَعَالَى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان:2] وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ما تَتَنزَّلُ الملائكة إلَّا بِالحَقِّ: بِالرِسَالةِ وَالعَذَابِ {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ} [الأحزاب:8]: المُبَلِّغِيْنَ المُؤَدِّينَ مِنَ الرُّسُلِ، {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}: عندنا {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ} القُرآنُ [الزمر:33]: {وَصَدَّقَ بِهِ} [الزمر:33] المُؤمِنُ، يَقُولُ يَوْمَ القِيَامَةِ: هَذَا الَّذِي أَعْطَيْتَنَي، عَمِلْتُ بِمَا فِيْهِ.
          7520- ثُمَّ ساق حَديث عَمرِو بْنِ شُرَحبِيْلَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ☺ قال: سَأَلتُ النَّبِيَّ صلعم: أَيُّ الذَّنْبِ أَعظَمُ عِنْدَ اللهِ؟ قَالَ: (أَن تَجْعَلَ للهِ نِدًّا وَهْوَ خَلَقَكَ) الحَدِيْثُ، وقد سَلَف غير مرَّةٍ [خ¦4477] [خ¦4761] [خ¦6001].
          غرضه فِي هَذَا الباب إثبات الأفعال كلِّها لله ╡ كَانَت مِن المخلوقين خيرًا أَوْ شرًّا فهي لله ╡ خلْقٌ وللعباد كَسْبٌ ولا يُنسب شيءٌ إِلَى غير الله فيكون شريكًا له وندًّا مساويًا له فِي نسبة القول إليه ونبَّه الله تَعَالَى عباده عَلَى ذَلِكَ بقوله: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:22] أنَّه الخالق لكم ولأفعالكم وأرزاقكم ردًّا عَلَى مَن زعم مِن القَدَريَّةِ أنَّه يخلُقُ أفعاله فمن عَلِم أنَّ الله خلقَ كلَّ شيءٍ فقدَّره تقديرًا، فلا يَنْسب شيئًا مِن الخَلْق إِلَى غيره، فلهذا ذكر هَذِه الآيات فِي نفي الأندادِ والآلهة المَدْعُوَّة معه، فمنها ما حذَّر به المؤمنين، ومنها ما وبَّخَ به الكافرين الضَّالِّين، ثُمَّ أثنى عَلَى المؤمنين بقوله: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان:78] كما يدعو عبدةُ الأوثانِ الأوثانَ لِتَرزُقَهم وتُعَافيَهم، وهي لا تملِكُ لهم ضرًّا ولا نفعًا.
          وقوله: (أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: أَن تَجْعَلَ للهِ نِدًّا وَهْوَ خَلَقَكَ)، معناه: رَزَقَكَ بدليل قوله: (ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ)، كيف تقتلُهُ وقد خُلق رِزقه ولا يأكل مِن رِزقك شيئًا؟ فمن خلقكَ وخَلَقه ورزقكَ ورزقَه أحقُّ بالعبادة مِن الندِّ الَّذِي اتَّخَذت معه شريكًا.
          ثُمَّ لِمَ تزاني حليلةَ جارِكَ، وقد خلق لك زوجةً فتقطع بالزِّنا الرَّحِم والنَّسب، وقاطع الأرحام تسبَّب إِلَى قطْع الرَّحمة مِن الله تعالى والتراحُمِ بين النَّاس، ألا ترى غضبَ القبائل لبني عمِّها مِن أجل الرَّحم، وأنَّ الغدرَ وخسيسَ الفعل منسوبٌ إِلَى أولاد الزِّنا؛ لانقطاع أرحامهم.
          فَصْلٌ: وقتلهُ ولدَه مخافةَ أَنْ يُطعَم معه يعني الموؤدةَ، وهي مِن أعظَم الذَّنب.
          والحَلِيلة: الزَّوجة، والحَلِيل: الزوج، ووقع فِي ابن التِّين أنَّه بالخاء المعجمة، وأنَّ الشيخ أبا الحسن قَالَ: الَّذِي أعرفهُ بالمهملة، والخَلِيلة: الصِّديقة. وجعل هَذَا مِن أعظم الزِّنا؛ لأنَّ فِيْهِ خيانة الجار.
          فَصْلٌ: قوله تَعَالَى: ({لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر:65]) الخِطَاب له والمراد غيره، وقد ادَّعى نسخها بالآية الأخرى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} [البقرة:217] وقيل: هَذِه ناسخةٌ لها، مِن هَذَا المعنى اختُلِف إذَا حجَّ ثُمَّ ارتدَّ ثُمَّ راجع الإسلام هل يَلْزَمه حجٌّ لِعُمُوم ({لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}) أَوْ يُجزئه؟ وإنَّما يحبَطُ لو مات كافرًا كما هُوَ مفسَّرٌ فِي الآَيَة الأخرى {فيمت وَهْوَ كَافِرٌ} [البقرة:217] وكذلك اختُلِف إذَا عقد عَلَى نفسه أيمانًا ثُمَّ ارتد ثُمَّ راجع الإسلام هل هي مُنعقدةٌ عليه أم لا، وهل تبطِلُ رِدَّتُهُ أخطاءَه؟
          فَصْلٌ: وقوله: (وَمَا ذُكِرَ فِي خَلْقِ أَفْعَالِ العِبَادِ وَأَكْسَابِهِمْ) قد عَلِمت ما فِيْهِ، وللبخاريِّ فِيْهِ مصنَّفٌ سمَّاه «خلق أفعال العِباد»، والحاصل أنَّ مذهب الأشعريِّ أنَّ العباد لهم كسبٌ فِي أفعالهم وأنَّهم لا يَخترعون ولا يُجبرون. ومذهب المعتزلة أنَّ العِباد يَخْلقون أعمالهم بحسْبِ قَصْدِهم وإرادتهم. ومذهب الجَبْريَّة أنَّ العبدَ مُكْرَهٌ عَلَى الفعل مُجْبَرٌ عليه.
          فإنْ قالوا: أخبرونا عن الصِّفة التي يكون الكَسْب عليها للمكتسِب أهي متعلِّقةٌ بقُدْرة سببٍ وحدَه، فيكون له مقدورًا لا يكون مقدورًا لله تَعَالَى وحدَهُ فيكون تَعَالَى هُوَ المكتسِبُ، وذلك يردُّ مذهبَكم أم هي مقدورةٌ لله تَعَالَى وللمكتسِب، فيكونان شريكين فِي الكَسْب؟.
          قال القاضي جوابًا عن هَذَا: صِفةُ الكسب حاصلةٌ بقُدْرة العبد فقط.
          فإن قالوا: جاء مِن هَذَا إثبات مقدورٍ للعبد غير مقدورٍ لله تَعَالَى، يُقال لهم: هَذَا الإطلاق باطلٌ لأنَّه يُوهِمُ أنَّ نفسَ الكسْب وحُدُوثه ليس بمقدورٍ لله تَعَالَى وذلك باطلٌ؛ لأنَّه لا كسبَ للإنسان إلَّا والله تَعَالَى قادرٌ عَلَى إحداثه وإخراجه مِن العَدَم إِلَى الوجود، فكيف يسوغُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يُقَالُ: مقدورُ العبد غير مقدورٍ لله تَعَالَى وليس هَذَا موضعُ بَسْط المسألة، ومحلُّها علم الأصول.
          فَصْلٌ: وما ذكره فِي تفسير قوله: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} [الزمر:33] هُوَ أحدُ الأقوال. ثانيها: أنَّ الَّذِي جاء به جبريلُ وصدَّق به النَّبِيُّ ♂.
          ثالثها: أنَّ الَّذِي جاء بالصِّدق مُحَمَّدٌ صلعم وصدَّقَ به المؤمنُ وقيل: الصِّدِّيق.