التوضيح لشرح الجامع البخاري

ما جاء في تخليق السموات والأرض وغيرها من الخلائق

          ░27▒ باب مَا جاَءَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَغَيْرَهَا مِنَ الخَلائِقِ.
          وَهْوَ فِعْلُ الرَّبِّ وَأَمْرُهُ، فَالرَّبُّ تَعَالَى بِصِفَاتِهِ وَفِعْلِهِ وَأَمْرِهِ، وَهْوَ الخَالِقُ المُكَوِّنُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَمَا كَانَ بِفِعْلِهِ وَأَمْرِهِ وَتَخْلِيقِهِ وَتَكْوِيْنِهِ، فَهْوَ مَفْعُولٌ مَخْلُوقٌ مُكَوَّنٌ.
          7452- ذكر فِيْهِ حَديث كُرَيبٍ عَنْ ابن عبَّاسٍ ☻: (بِتُّ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ لَيْلَةً). الحَدِيْثَ. سلف فِي الصَّلاة [خ¦697].
          وموضع الحاجة مِنْهُ قوله: (فنظر إِلَى السَّماء، فقرأ: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الآية [البقرة:164])، غرضه فِي هَذَا الباب أنْ يعرِّفك أنَّ السَّماوات والأرضَ وما بينهما كلُّ ذَلِكَ مخلوقٌ؛ لقيام دلائل الحَدَث بها مِن الآيات الباهرات مِن انتظام الحكمة واتِّصال المعيشة للخَلْق فيهما، وقام برهان العقل عَلَى أنْ لا خالق غير الله، وبطَلَ قول مَن يقول: إنَّ الطبائع خالقِةٌ للعالم وإنَّ الأفلاك السَّبعة هي الفاعلة وإنَّ الظُّلمة والنُّور خالقان، وقول مَن زعم أنَّ العرش هُوَ الخالق.
          وفَسَدت جميع هَذَه الأقوال بقيام الدَّليل عَلَى حُدُوث ذَلِكَ كلِّه وافتقاره إِلَى محدِثٍ؛ لاستحالة وجود محدَثٍ لا مُحدِثَ له كاستحالة وجود مضروبٍ بلا ضاربٍ له، وكتاب الله شاهدٌ بصِحَّة هَذَا وَهْوَ قوله تَعَالَى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ} [فاطر:3] فنفى خالقًا سواه، وقال تَعَالَى: {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ} [الرعد:16]، وقال عَقِب ذَلِكَ {فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ} [الرعد:16] ثُمَّ قال لنبيِّهِ: {قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [الرعد:16] ودلَّ عَلَى ذَلِكَ أيضًا / بقوله تَعَالَى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [البقرة:164] عَلَى قُدْرة الله ووحدانيَّته، فوجب أَنْ يكون الخلَّاق العليم بجميع صِفاته مِن القولِ والأمرِ والفعلِ والسَّمع والبصر والتكوين للمخلوقات كلِّها خالقًا غير مخلوقِ الذَّات والصِّفات، وأنَّ القرآن صِفةٌ له غير مخلوقٍ، ووجب أَنْ يكون الخالق مخالفًا لسائر المخلوقات ووجهُ خِلافه لها انتفاء قيام الحوادث عند الدَّالَّة عَلَى حَدَثِ مَن تقوم به، وَلَزِم أَنْ يكون سواه مِن مخلوقاته التي كَانَت عَنْ قولهِ وأمرهِ وفِعلهِ وتكوينهِ مخلوقات له، هَذَا موجِبُ العقل.
          فَصْلٌ: قَوْلُهُ فِي حَديث ابن عبَّاسٍ ☻: (فتَحَدَّثَ رَسُول اللِه صلعم مَعَ أهلِهِ، ثُمَّ رَقَدَ) ظاهره أنَّ هَذَا الحَدِيْث كَانَ قبلَ صلاة العشاء ويبعُدُ أَنْ يكون بعدَها لصحَّة النَّهي عنه، لكنَّ محلَّهُ إِذَا لَمْ يكن فِيْهِ مصلحةٌ، أمَّا حديثه مَعَ الأهل ونحو ذَلِكَ فمطلوبٌ غير داخلٍ فِي النَّهي.
          وَقَوْلُهُ: (فَتَوَضَّأَ وَاسْتَنَّ) أَيْ: تسوَّكَ. قَالَ الجَوْهَرِيُّ: استنَّ بمعنى: استاكَ، قال: وَسَنَنْتُ الماء عَلَى وَجْهي: أرسلتُهُ مِن غير تفريقٍ فإِذَا فرَّقته بالصبِّ قُلْتَهُ بالشين المعجمة.
          وَقَوْلُهُ: (ثُمَّ صَلَّى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً) كذا هنا، وقَد سَلَفَ رواية ((إحدى عشرةَ رَكْعةً))، و((خمس عشرة رَكْعَةً))، فراجِعه [خ¦697] [خ¦4570].