التوضيح لشرح الجامع البخاري

قول الله تعالى: {وهو الذي خلق السموات والأرض بالحق}

          ░8▒ باب قَوْلِه تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ} [الأنعام:73]
          أَيْ: أبدعَها وأنشأها بحقٍّ، وقَالَ الدَّاودِيُّ: أَيْ للحقِّ، قال ابن التِّين: والله أعلمُ بما أراد.
          قلت: ثُمَّ ساق حَديث ابن عبَّاسٍ ☻ السَّالف فِي الدِّعاء: كَاَنَ ◙ يَدْعُو مِنَ اللَّيْلِ: (اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ) بطوله.
          وَقَوْلُهُ: (رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ) كقوله: خالق السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ، و(أَنْتَ الحَقُّ): يجوز أَنْ يكون اسمًا راجعًا إِلَى ذاته فقط أَيْ: أنت الموجود الثابت حقًّا الَّذِي لا يصحُّ عليك تغييرٌ ولا زوالٌ، ويجوز أَنْ يكون راجعًا إِلَى صِفة ذاتِهِ كأنَّه الثابت أَيْ قال لها: كوني فكانت، وقوله صِفةٌ مِن صِفات ذاتهِ عند أهل الحقِّ والسُّنَّة عَلَى ما سيأتي بيانه بعْدُ.
          وقَالَ الحَلِيميُّ: تسميتُهُ بالحقِّ ممَّا لا يسع إنْكاره، ويلزم إثباته والاعترافُ به ووجوده جلَّ وعلا أَوْلَى ما يجب الاعتراف به _يعني عند ورود أمره بالاعتراف به_ ولا يَسَعُ جحوده.
          وَقَوْلُهُ: (أَنْتَ نُورُ) كقوله: {اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النور:35].
          وواجبٌ صرْفُهُ عَنْ ظاهرهِ لقيام الدَّليل عَلَى أنَّه لا يجوز أَنْ يوصَف بأنَّه نورٌ، والمعنى: أنت نورهما بأَنَّ خَلقَهما دلالةٌ لعبادك عَلَى وجودك وربوبيَّتِكَ بما فِيْهِ مِن دلالة الحدَث المفتقرَةِ إِلَى مُحْدِثٍ، فكأنَّه نورهما بالدلالة عليه منهما وجعل فِي قلوب الخلائق نورًا يهتدون إليه، وقال ابن عبَّاسٍ: الله نورهما، أَيْ: هاديهنَّ. وعن بعضهم: مدبِّرُهما ومدبِّر ما فيهما، وتقديره: الله نور السَّمَوَاتِ.
          وَقَوْلُهُ: (قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ) يجوز أَنْ يكون بمعنى العالم بمعلوماته فيكون صفة ذاتٍ، وأن يكون بمعنى الحفْظُ لمخلوقاته والحفْظُ والرِّزق للحيِّ منها فيكون صِفة فعلٍ، وقَد سَلَفَ الحَدِيْث بأبسط مِن هذا [خ¦1120].