التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب ما يذكر في الذات والنعوت وأسامي الله

          ░14▒ باب ما يُذْكَرُ فِي الذَّاتِ وَالنُّعُوتِ وَأَسَامِي اللهِ ╡
          وَقَالَ خُبَيْبٌ ☺:
وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِلَهِ..
          فَذَكَرَ الذَّات باسمِهِ.
          7402- ثُمَّ ساق قِصَّته مِن حَديث أبِي هُرَيْرَةَ ☺ وشِعْره، وسلفت [خ¦3045].
          الشَّرح: الأَسَامِيْ جمع أسماءَ، وأسماءُ: جمع اسمٍ، وذكر عَنْ الفرَّاء: أعيذك بأسماءِ ذاتِ اللهِ، واختلف فِي اشتقاقه:
          فقال البصريُّون: مِن سَمَوتُ؛ لأنَّه مزيَّةٌ ورِفعةٌ، وتقديره أسمى ذهبَ مِنْهُ لامُهُ. وقال الكوفيُّون: مِن وَسَمْت أَيْ: عَلَّمت، واحتجَّ الأوَّلون بأنَّ جمعَهُ أسماءُ وتصغيره: سُمَيٌّ، ولو كَاَنَ مِن السِّمَة لكان جمعه أَوْسَام، وتصغيره: أُسيمٌ والتصغير والتكسير يردَّان الأسماء إِلَى أصولها. واختلف البصريُّون فِي تقدير اسمه، فقال بعضهم: فِعْل مِثل جذعٌ، وقيل: فُعْلٌ وفيه لغاتٌ: بتثليث الهمزة، وسِمٌ، وسُمٌ، وسماتٌ عَلَى وزن هذات، وسُمًى عَلَى وزن هُدًى، ألفُهُ ألفُ وَصْلٍ، وربَّما قطعها الشاعر ضرورةً.
          فَصْلٌ: وَقَولُ خُبَيْبٍ:
(ما أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا                     عَلَى أيِّ شِقٍّ كَاَنَ لله مَصْرَعِـي)
          فِيْهِ نقصٌ مِن وزن البيت الثاني، وتحقيق وزنه:
فلستُ أبالي... إِلَى آخره، كما ذكره فِي غزوة بدْرٍ؛ لأنَّ وزنه: فَعُولٌ مَفَاعِيلٌ فَعُولٌ مَفَاعِلينٌ. وَهْوَ مِن الطويل.
          (والشِّلْوُ): العُضْو، و(مُمَزَّعٍ): مُقَطَّع.
          فَصْلٌ: أسماء الله تَعَالَى أضرْبٌ:
          أحدها: يرجِعُ به إِلَى ذاتهِ ووجودهِ فقط لا إِلَى معنًى يزيد عَلَى ذَلِكَ؛ كقولنا: الله موجودٌ وذاتٌ ونفسٌ.
          ثانيها: يرجِعُ إِلَى إثبات معانٍ قائمةٍ به تَعَالَى هي صِفاتٌ له كقولنا: حيٌّ وقادرٌ وعالِمٌ ومُريدٌ، يرجع ذَلِكَ كلُّه إِلَى حياةٍ وعِلمٍ وقُدرةٍ وإرادةٍ؛ لأجلها كَاَنَ حيًّا قادرًا عالمًا مُريدًا.
          ثالثها: يرجع إِلَى صِفاتٍ مِن صفة أَفْعاله كقوله: خالقٌ ورازقٌ ومحيي ومميتٌ، يرجع بِذَلِكَ كلِّه إِلَى خلْقٍ ورزْقٍ وحياةٍ وموتٍ، وذلك كلُّه فعْلٌ له تَعَالَى، فأمَّا إثباته ذاتًا وسببًا ونفسًا فطريقُهُ السَّمع، وقد سمع رَسُول اللِه صلعم قول خُبَيبٍ: (وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِلَهِ) فلم يُنكره، فمعيارُ طريق العِلْم منه التوقيف مِنْ الشارع، وذاتُهُ هي هُو.
          ومعنى قَوْله: (فِي ذَاتِ الإِلَهِ): فِي دين الإله وطاعتِهِ.
          تجمَعُ هذه الأَضْرُب الثلاثة أسماء الله تَعَالَى فِي الحقيقة كلٌّ منها ما يتضمَّنُ صِفةً ترجع إِلَى ذاته أَوْ إِلَى فعلٍ مِن أفعاله أم لا فكلُّ صِفةٍ اسمٌ لله تَعَالَى وليس كلُّ اسمٍ صِفةً.
          ومذهب أهل السُّنَّة أنَّه مُحَالٌ أَنْ يُقال فِي صِفات ذاته أنَّ كلَّ واحدةٍ منها غير الأخرى، كما استحال القول عندهم بأنَّه غيره تَعَالَى لأنَّ حَدَّ الغيرين ما جاز وجود أحدهما مَعَ عدم الآخر، ولَمَّا لَمْ يَجُز عَلَى شيءٍ مِن صِفاته عَدَمُ إحداها مَعَ وجود سائرها استحالَ وصفها بالتغايُر كما استحال وصفُهُ بأنَّه غيرها؛ لقيام الدَّليل عَلَى استحالة وجوده تَعَالَى مَعَ عدم صِفاته التي هي حياتُهُ وعِلمهُ وقُدرتهُ وسائر صِفات ذاته، وليس كذلك صِفات أفعاله؛ لأنَّ أفعاله متغايرةٌ يجوز وجود بعضها مَعَ عَدَمِ سائرها كالرِّزْق.
          وسائر صِفات أفعاله التي تتضمَّنُها أسماءٌ له أطلقها الله تَعَالَى عَلَى نفسه كرازقٍ وخالقٍ ومحيي ومميتٍ وبديعٍ، وما شاكل ذَلِكَ، فهذه كلُّها أسماءٌ لله تَعَالَى سمَّى نفسَهُ بها، وتسميته قوله، وقوله ليس غيره كسائر صِفاته، ومتضمَّنُ هذه الأسماء متغايرٌ عَلَى ما ذَكَرنا وغيرٌ له تَعَالَى؛ لقيام الدَّليل عَلَى وجوده فِي أزلهِ مَعَ عدم جميع أفعالهِ.