التوضيح لشرح الجامع البخاري

قول الله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة.إلى ربها ناظرة}

          ░24▒ باب قَوْلِ اللهِ ╡: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22-23]
          ذكر فِيْهِ أحاديث جملتُها اثنا عشر حديثًا:
          7434- أحدها: حَديث جَرِيرٍ ☺: (كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُول اللِه صلعم إذ نَظَرَ إِلَى القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ فَقَالَ: إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ...). الحَدِيْث بطوله، وقَد سَلَفَ [خ¦573].
          7435- ثانيها: حَديث عَاصِمِ بْنِ يُوسُفَ اليَربُوعِيِّ _مِنْ أفراده_ حدَّثنا أبُو شِهَابٍ _وهو عبدُ ربِّه بن نافِعٍ الحنَّاط صاحب الطَّعام المَدَائنيُّ، اتَّفقا عليه_ إِلَى جَريرٍ مرفوعًا: (إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ عِيانًا).
          7436- وعنه: (خَرَجَ رَسُول اللهِ صلعم لَيْلَةَ البَدْرِ فَقَالَ: إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ يَومَ القِيَامَةِ..) الحَدِيثَ بطوله.
          7439- رابعها: حَديث زيدٍ _هو ابن أسَلَم_ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ ☺: (قُلنَا: يا رَسُول اللهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَومَ القِيَامَةِ؟) الحَدِيثَ بطوله بمثلهِ وزيادةٍ.
          7440- خامسها: وَقَالَ حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ: حدَّثنا هَمَّامٍ بْنُ يَحْيَى، حدَّثنا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ ☺ أَنَّ النَّبِيَّ صلعم... الحَدِيثَ بطوله في الشَّفاعة.
          وحَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ شيخُهُ، فكأنَّه أخذه عنه مُذاكرةً، وقد قال أبُو جعفرِ بن حَمْدَانَ: إنَّه عرْضٌ ومُنَاولةٌ.
          7441- سادسها: حَديث أنَسٍ ☺ (أنَّه ◙ وَسَلَّم أرْسَلَ إِلَى الأنصَارِ فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ وَقَالَ: اصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوُا اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنِّي عَلَى الحَوْضِ).
          7442- سابعها: حديث سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ _وهو سُلَيمانُ بنُ أبي مُسلمٍ المكِّيُّ خالُ عبدِ الله بن أبي نَجِيحٍ المكِّيِّ، اتَّفقا عليه_ عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابن عبَّاسٍ ☻ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلعم إذَا تَهَجَّدَ مِنَ اللَّيْلِ قَالَ: (اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ..). الحديث.
          وقَالَ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ وَأَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ طَاوُسٍ: (قَيَّامٌ). وَقَالَ مُجَاهِدٌ: القَيُّومُ: القَائِمُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ وقد سلف ذلك في التفسير وَقَرَأَ عُمَرُ ☺: {القَيَّامُ}، وَكِلَاهُمَا مَدْحٌ [خ¦1120].
          7443- ثامنها: حديث عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ ☺ مرفوعًا: (مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ وَلَا حِجَابٌ يَحْجُبُهُ).
          7444- تاسعها: حديث أبي عِمْرَانَ _واسمه: عبدُ الملكِ بن حَبِيبٍ الجَوْنِيُّ_ عن أبي بكْرٍ _واسمه: عَمْرو بن عبد الله بن قيسٍ_ عَنْ أَبِيهِ ☺، عَنِ النَّبِيِّ صلعم قَالَ: (جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ) إلى أن قال: (وَمَا بَيْنَ القَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الكِبْرِ عَلَى وَجْهِهِ فِي / جَنَّةِ عَدْنٍ).
          7445- العاشر: حديث أبي وائلٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ ☺ مرفوعًا: (مَنِ اقْتَطَعَ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ) إلى قوله: ({وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ} الآيَةَ [آل عمران:77]).
          7446- الحادي عشر: حديث أَبِي هُرَيْرَةَ ☺: (ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ..) الحديث سلف [خ¦2358].
          7447- الثاني عشر: حديث ابن أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ ☺ _واسم الأوَّل عبد الرَّحمن والثاني نُفَيعٌ، والأوَّلُ أوَّلُ مولودٍ في الإسلام بالبصرة، يُكنى أبا بحرٍ. وقيل: أبا حاتمٍ، اتَّفقا عليه_ عَنِ النَّبِيِّ صلعم قَالَ: (الزَّمَانُ قَدِ اسْتَدَارَ..) الحديثَ. سلف بطوله [خ¦4406]، وفيه: (سَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْألكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ).
          الشرح: استدلُّ البُخَارِيُّ بالآية وبأحاديث الباب على أنَّ المؤمنين يَرَون ربَّهم في جنَّاتِ النَّعيم، وهو بابٌ اختلف النَّاس فيه، ومذهب أهل السُّنَّة والجماعة وجمهور الأمَّة جوازُ رُؤية الله تعالى في الآخرة، ومَنَعَت مِن ذلك الخوارجُ والمعتزلةُ وبعض المُرْجِئةِ.
          واستدلُّوا عَلَى ذَلِكَ بأنَّ الرُّؤية توجِبُ كون المرئيِّ مُحْدَثًا وحالًّا فِي مكانٍ فِي شُبَهٍ أُخَر، نقضُ بعضها مُغنٍ عَنْ نقْضِ سائرها، وزعموا أنَّ {نَاظِرةٌ} فِي الآية بمعنى مُنْتَظِرةٍ فيُقال لهم: هَذَا جهلٌ بموضع اللُّغة؛ لأنّ النَّظر فِي كلام العرب ينقسم أربعة أقسام: يكون بمعنى الانتظار، والتَّفكُّر والاعتبار، والتعطُّف والرَّحمة، ويكون بمعنى الرُّؤية للأبصار، وإن كَاَنَ النَّظر له معانٍ أُخرُ، قال فِي «المحكم»: نَظَر إليه بمعنى: أهلَكَهُ، ونظَرَ إليك: قابلَكَ، ونظَرَ الشيء: بَاعَهُ. وفي «جامع القزَّاز»: نظرتُ إِلَى هَذَا الأمر مِن نَظَرِ القلب مثل نَظَرِ العين ونَظَرَت فَرَأَت.
          وخطأٌ كونه فِي الآيَة بالمعنى الأوَّل وَهْوَ الانتظار مِن وجهَين:
          أحدهما: أنَّه عُدِّي إِلَى مفعوله بإلى، وَهْوَ إِذَا كَاَنَ بمعنى الانتظار لا يتعدَّى بها وإنَّما يتعدَّى بنفسه قال تَعَالَى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ} [محمد:18] فعدَّاه بنفسِهِ لَمَّا كَاَنَ بمعنى يَنْتَظِرون.
          قال الشاعر:
فَإِنَّكُمَا إِنْ تَنْظُرَانِيَ سَاعَةً                     مِن الدَّهْر تَنْقَضِي لَدَى أُمِّ جُنْدَبِ
          بمعنى: تَنْتَظِرَاني.
          ثانيهما: حملهُ عَلَى معنى الانتظارِ لا يَخْلو أَنْ يُراد به مُنْتَظِرةٌ ربَّها أَوْ ثوابَه، وعلى أيِّهما حُمِل فهو خطأٌ؛ لأنَّ المُنْتَظِر لا يَنْتَظِره لأنَّهما فِي تنغيصٍ وتكديرٍ، والله قد وصف أهل الجنَّة بغير ذَلِكَ، وأنَّ لهم فيها ما يشاؤون، ويبطُلُ كون النَّظر فيها بمعنى: الاعتبار والتفكُّر؛ لأنَّ الآخرة ليست بدار اعتبارٍ وتفكُّرٍ؛ إذ ليست بدار محنةٍ وعِبَادةٍ، وإنَّ ذاته تَعَالَى ليست ممَّا يُعتبر بها فبطَلَ قولهم، ويبطُلُ كونه فيها بمعنى التعطُّف والرَّحمة؛ لأنَّ ذاته تَعَالَى ليست مما يُتعطَّف عليها ويُترحَّم.
          وإذا بطَلَت هذه الأقسام الثلاثة صحَّ الرابع، وَهْوَ النَّظر بمعنى الرُّؤية بالأبصار له تَعَالَى، وَهْوَ ما ذهب إليه جمهور المتكلِّمين قبل حُدُوث القائلين بهذه الضَّلالة، وشَهَدت له السُّنن الثابتة مِن الطُّرُق المختلفة، وما احتجَّ به مَن نَفَاها مِن أنَّه يوجب كون المرئيِّ مُحدَثًا فهو فاسِدٌ؛ لقيام الدلائل الواضحة عَلَى أنَّ الله موجودٌ، وأنَّ الرؤية منزلتها فِي تعلُّقها بالمرئيِّ منزلة العِلْم فِي تعلُّقه بالمعلوم، فكما أنَّ العِلْم المتعلِّق بالموجود لا يختصُّ بموجودٍ دون موجودٍ ولا يوجب تعلُّقَه به حَدَثه، كذلك الرُّؤية فِي تعلِّقها بالمرئيِّ لا توجِبُ حَدَثه، واحتجَّ نُفاتها أيضًا بقوله: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام:103]، وبقوله لموسى: {لَنْ تَرَانِي} [الأعراف:143] فِي جواب سؤاله الرُّؤية وهذا لا تعلُّق لهم فِيْهِ؛ لأنَّ قوله تَعَالَى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ}، وقوله: {لَنْ تَرَانِي} لفظٌ عامٌّ والآيَة خاصَّةٌ تقضي عَلَى العامِّ وتبيِّنه، فمعنى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} فِي الدُّنيا؛ لأنَّه تَعَالَى قد أشار عَلَى أنَّ المراد بالآية: الآخرة بقوله: {يَوْمَئِذٍ}، وكذلك يكون معنى قوله لموسى: {لَنْ تَرَانِي} فِي الدُّنيا؛ لأنَّه قد ثبتَ أنَّ نفي الشيءِ لا يَقتضي إحالته، بل قد يتناول المستحيل وجوده والجائز وجوده فلا تعلُّق لهم بالآيتين، فشهد لصِحَّة الرؤية لله مِن الأحاديث الثابتة التي تلقَّاها المسلمون بالقَبُول مِن عصر الصَّحابة والتابعين إِلَى وقت حُدُوث المارِقين المُنْكِرين لها. وقال ابن التِّين: هي إمَّا متواترةُ المعنى أو اشتهرت ولم يُنكرها أحدٌ مِن الصَّحابة، ولا دفعَها بحجَّةِ نَقْلٍ ولا سَمْعٍ، ولا دليلَ عَلَى عدم صِحَّتها.
          فَصْلٌ: فإن قلت: آلى فِي الآيَة هي واحدةُ الآلاء، لا حرفُ جرٍّ. يُقال: ليس هَذَا معروفًا ولو عُرف لَمْ يكن مرادًا؛ لأنَّه ذكر المراد: النَّظر، وأضافه إِلَى الوجه، فإن استدلَّ بقول الأعشى:
َبْيضُ لَا يَرْهَبُ الهُزَال وَلَا                     يَقطَع رَجَاءَ ولا يَجوزُ إلَّا
          قيل: معنى البيت: ولا يجوز إلَا. مخفَّفٌ، والإِل: العَهْد، وحماية العَهْدِ أَوْلَى مِن حِمَاية النِّعمة. ولو كَاَنَ بمعنى الانتظار لكان تنغيصًا وتنكيدًا للمُنتظِرِين، وعلى هَذَا قال الأَشْعَرِيُّ: أهل الجنَّة لا ينتظرون نِعْمَةً وَهُم فِي أخرى، بل كلَّما خطَرَ ببالهم شيءٌ أُتُوا به مِن غير انتظارٍ.
          فإن قلت: إِذَا جعلتم النَّظر فِي الآيَة نظر عينٍ لإضافته إِلَى الوجوه، فاجعلوا الوجوه نظرًا أيضًا بإضافة النَّظر إليها. قيل لهم: لا يَمتنع أَنْ يكون بعض الآيَة حقيقةً وبعضها مجازًا، وأن يكون أضاف النَّظر إِلَى الوجوه والمراد به أصحابها، ويجوز أيضًا أَنْ يكون نظر الوجوه عَلَى الحقيقة ويخلق فيها النَّظر؛ لأنَّ ذَلِكَ وقت خَرْق العادات.
          ومِن النَّاس مَن قال: إنَّما خُوطب بالظنِّ النَّبِيُّ صلعم فقال: تظنُّ يا مُحَمَّدُ أن يُفعل بها فَاقِرَةٌ. حكاه ابن التِّين.
          فإن قلت: كيف يرى مَن ليس بجسمٍ ولا عَرَضٍ ولا جَوْهَرٍ؟ قيل: ممَّا يُعلمُ ما ليس بجسمٍ ولا عَرَضٍ ولا جَوْهَرٍ. وقَد سَلَفَ.
          فَصْلٌ: قَوْلُهُ: (لَيْلَةَ البَدْرِ) قَالَ الجَوْهَرِيُّ: سُمِّي بدرًا لمبادرتِهِ الشَّمس بالطُّلُوع، كأنَّه تعجَّلها المغيبُ، قال: ويُقال: سُمِّي لتمامه.
          وَقَوْلُهُ: (كَمَا تَرَوْنَ هَذَا القَمَرَ) لَمْ يقصد به إلَّا تشبيهَ الرُّؤية بالرُّؤية / لا لشبه المرئيَّ بالمرئيِّ و(تُضَامونَ): قَد سَلَفَ الخلف فِيْهِ هل هُوَ بالتشديد أَوْ التخفيف؟ قال ابن التِّين: ورُوِّيناه بفتح التاء والتشديد فِي أوَّل الباب وبعده بضمِّها والتخفيف.
          قال الشيخ أَبُو الحسن: إِذَا فَتَحت التاء فالضاد والميم مشدَّدتان وإذا ضَمَمتها خَفَّفْتَهُما، فمعنى التشديد مأخوذٌ مِن الازدحام، أَيْ: لا ينضمُّ بعضكم إِلَى بعضٍ كما تنضمُّون فِي رؤية الهلال رأسَ الشَّهر؛ لخفائهِ ورقَّته، ومَن خفَّف فالمعنى عنده عَلَى نفي الضَّيم، وأصله: تضيمون، فأُلقيت حركة الياء عَلَى الضَّاد فقُلبت ألفًا؛ لانفتاح ما قبلها.
          فَصْلٌ: تأوَّلتِ المعتزلة هَذَا الخبر عَلَى أنَّ معناه رُؤية العِلْم، وأنَّ المؤمنين يَعرفون الله يَوْم القِيَامَةِ ضرورةً، وهذا خطأٌ؛ لأنَّ الرؤية بمعنى العِلْم تتعدَّى إِلَى مفعولين؛ كقولك: رأيتُ زيدًا فقيهًا، أَيْ: عَلِمته كذلك فإذا قال: رأيت زيدًا منطلقًا. لَمْ يفهم مِنْهُ إلَّا رؤية البصر، وتحقق ذَلِكَ لشبهه برؤية البدر.
          ورواية جَرِيرٍ ((عيانًا)) ترفع الإشكال؛ لأنَّ الرُّؤية إِذَا قَرَنها بالعَيَان لم تحتمل العِلْم، ويبيِّنه أنَّه ◙ بشَّر المؤمنين بِذَلِكَ، وذلك يوجب أَنْ يكون معنًى يختصُّون به، وأمَّا العِلْم بالله فمشترِكٌ بين المؤمنين والكافرين.
          فَصْلٌ: حاصِلُ اختلاف الناس فِي رُؤية الله يَوْم القِيَامَةِ أربعة أقوالٍ:
          قال أهل الحقِّ: يراه المؤمنون يَوْم القِيَامَةِ دون الكفَّارِ.
          وقالت المعتزلة والجَهْمِيَّة: هي ممتنعةٌ، لا يراه مؤمِنٌ ولا كافِرٌ.
          وقال ابن سالِمٍ البصْرِيُّ: يراه الجميع: الكافر والمؤمن.
          وقال صاحب كتاب «التوحيد»: مِن الكفَّار مَن يراه رؤية امتحانٍ ولا يجدون فيها لذَّةً كما يكلِّمُهم بالطَّرَد والإبعاد، قال: وتلك الرُّؤية قبل أَنْ يوضَعَ الجِسْر بين ظَهْرَاني جهنَّم، واحتجَّ بحديث أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ وَهْوَ نحْوٌ مِن حديثه هنا.
          وموضع الدَّليل قَوْلُهُ: ((فكلُّ مَن كَاَنَ يعبدُ غير الله يَسقط فِي النَّار ويبقى المؤمنون، والمنافقون بين أظهُرِهم وبقايا مِن أهل الكتاب)) وهنا: (وَغُبَّرَاتٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ)، وَهْوَ هُوَ، أَيْ بقايا جمع غُبَّرٍ، وغُبَّر جمع: غَابِرٍ، فقال لهم: ((أَلَا تَتَّبِعُون ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: كنَّا نعبدُ الله ولم نَرَه))، قال: ((فَيُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ)) الحَدِيْث. وانفصل عنه ابن فُورَك بأنَّه ليس فِيْهِ ذِكْر رؤية عينٍ.
          ودليلُ أهل الحقِّ قوله تَعَالَى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15]، فأخبر أنَّ الكفَّار محجوبون عَنْ رؤيته تَعَالَى. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} الآيَة التي ذكرها البُخَارِيُّ، فأعلمَ أنَّ الوجوه النَّاضرة _أَيْ: المُشْرِقَة وهي وجوه المؤمنين_ هي النَّاظرة إِلَى ربِّها تَعَالَى، فدلَّ هَذَا التقييد وهذا النصُّ عَلَى أنَّ الكافرين لا يرونه تَعَالَى.
          فَصْلٌ: وَقَوْلُهُ فِي حَديث جَرِيرٍ ☺: ((فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ _هي: الصُّبح_ وَصَلَاةٍ قَبْلَ غُرُوْبِ الشَّمْسِ _هي: العصر_ فَافْعَلُوا)). وهذا يدلُّ عَلَى تأكُّدهما، وهما أقوى أقوال أهل العِلْم فِي الوُسْطى.
          فَصْلٌ: وقول جَرِيرٍ: (كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللِه صلعم)، وقال مرَّةً: (خَرَجَ عَلَيْنَا)، لا تنافيَ بينهما، وكذا حَديث أبِي هُرَيْرَةَ ☺ (أَنَّ النَّاسَ سَأَلُوْا) لا تنافي فِيْهِ أيضًا فقد تتعدَّد الواقعة، أَوْ سمع أَبُو هُرَيرَةَ ☺ سؤالهم دون جَرِيرٍ.
          فَصْلٌ: الطَّواغِيت: الشَّياطين أَوْ الأصنام، وقال مُجَاهِدٌ فِي قوله تَعَالَى: {يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ} [النساء:60] أنَّه كَعْبُ بن الأَشْرَفِ.
          وفي «الصَّحاح»: الطَّاغُوت: الكَاهِنُ الشَّيطان، وكلُّ رأسٍ فِي الضَّلال، وقد يكون واحدًا، ثُمَّ ذكر الآيَة، قال: وقد يكون جمعًا، وذكر قوله تَعَالَى: {أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ} [البقرة:257] وطَاغُوت وإن جاء عَلَى وزن لَاهُوت فإنَّه مقلوبٌ؛ لأنَّه مِن طَغَا.
          ولَاهُوت مقلوبٌ كأنَّه مِن لاه، بمنزلة الرَّغُبوت والرَّهُبوت، وقال النَّحَّاس: مأخوذٌ مِن الطُّغيان، يؤدِّي عَنْ معناه مِن غير اشتقاقٍ كما قيل: لآلٍ مِن اللُّؤلؤ.
          وقال سيبويه: الطَّاغُوت اسم واحدٍ مؤنَّثٍ يقع عَلَى الجَميع. قال النَّحَّاس: أحسَنُ ما قيل فِيْهِ: إنَّه مِن طَغَى؛ أصله من طَغَوُوتٌ، مثل: جَبَرُوت، ثُمَّ نُقلت اللام فجُعلت عينًا ونُقلت العين فجُعلت لامًا، مثل: جَبَذ وجَذَب، ثُمَّ قُلبت الواو ألفًا لتحرُّكها وانفتاح ما قبلها.
          فَصْلٌ: وَقَوْلُهُ: (فَيَأْتِيهِمُ اللهُ فِي صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَ، ) ليس الإتيان عَلَى المعهود فيما بيننا الَّذِي هُوَ انتقالُ حركَةٍ؛ لاستحالة وصفه تَعَالَى نفسه بما توصف به الأجسام، فوجب حمْلُهُ عَلَى أنَّه تَعَالَى يفعل فعْلًا يُسمِّيه إتيانًا وصف تَعَالَى به نفسه، ويحتمل أَنْ يكون الإتيان المعهود فيما بيننا خلَقَهُ الله تَعَالَى لغيره مِن ملائكته فأضافه إِلَى نفسه، كقولك: قَطَع الأمير اللصَّ. وَهْوَ لَمْ يلِه بنفسهِ وإنَّما أمرَ به.
          والحاصل أنَّ الإتيان هنا مثل قوله: {وَجَاءَ رَبُّكَ} [الفجر:22]. وأنَّ ذَلِكَ بظُهُور فعْلٍ لا بتحرُّكِ ذاتٍ، أَوْ أنَّه فعْلٌ مِن أفعال ملائكته فيُضاف إليه أنَّهُ مِن طريق أنَّه تابِعٌ أمرَه، أَوْ أنَّه عبارةٌ عَنْ رؤيتهم الله تَعَالَى لأنَّ العادة جاريةٌ أنَّ مَن نَحَا لا يُتوصَّل إِلَى رؤيته إلَّا بمجيءٍ، فعبَّر عَنْ رؤيته بالمجيء جوازًا.
          فَصْلٌ: وأمَّا وصفه تَعَالَى بالصُّورة، ففيه إيهامٌ للمجسِّمَة أنَّه تَعَالَى ذو صورةٍ ولا حجَّة لهم فِيْهِ؛ لأنَّ الصُّورة هنا تحتمل أن تكون بمعنى العَلَامة وصفها تَعَالَى دليلًا لهم عَلَى معرفتِهِ أَوْ التَّفرقة بينه وبين مخلوقاته، فسمَّى الدَّليل والعلامة صُورةً مجازًا كما تقول العرب: صُورةُ حَدِيثك كَيْتَ وكَيْتَ وصُورة أمرك كذا وكذا. /
          وقال ابن التِّين: اختُلِف فِي معنى الصُّورة، فقيل: صُورة اعتقادٍ كما تقول: صُورة اعتقادي فِي هَذَا الأمر. فالمعنى: يرونه تَعَالَى عَلَى ما كانوا يعتقدون مِن الصِّفات. وقيل: معناها: الصِّفة وَهْوَ نحو الأوَّل.
          وقال ابن قُتَيبة: لله تَعَالَى صُورةٌ لا كالصُّور، كما أنَّه شيءٌ لا كالأشياء، فأثبتَ لله تَعَالَى صورةً قديمةً. قال ابن فُورَك: وهذا جهلٌ مِن قائله.
          وقَالَ الدَّاودِيُّ: إنْ كانت محفوظةً فيحتمل أَنْ تكون صُورة الأمر والحال الَّذِي يأتي فِيْهِ، فقال: أنا أصف لك صُورة هَذَا الأمر، وذلك أنَّ الله تَعَالَى أخبَرَ أنَّه يأتيهم فِي ظُللٍ مِن الغَمَام و الملائكة، فقد يَرَونه ولا يرون الملائكة والغَمَام، أَوْ يرون بعض ذَلِكَ؛ لأنَّه يُخفي مِن ذَلِكَ ما شاء فِي وقتٍ ويُظهره فِي وقتٍ آخرَ، فإذا رأوا غير ما قيل لهم وقفوا.
          فَصْلٌ: وقولهم: (أَنْتَ رَبُّنَا) أَيْ: أنت عن ربِّنا تخاطبنا صِدْقًا. فيتحقَّقُون نداءه وخطابه أنَّه عَنْ الله تَعَالَى، ويحتمل أَنْ يكون ذَلِكَ عند تجلِّي الله للمؤمنين مِن خَلْقه، فيقولون عند رُؤيتهم له وظهور تلك الصُّورة التي لا يعرفون ممَّا أُضيفت إِلَى الله تَعَالَى مَلكًا وخَلقًا: أنت ربُّنا. اعترافًا بالربوبيَّةِ وفَصْلًا بين حالهم وحالِ الكَفَرة.
          قَالَ المُهَلب: وأمَّا قولهم: (فَإِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ) فإنَّما ذَلِكَ أنَّ الله سبحانه وتعالى يبعث إليهم مَلَكًا؛ ليفتِنَهم ويختبرهم فِي اعتقاد صِفات ربِّهم الَّذِي ليس كمثلهِ شيءٌ، فإِذَا قال لهم الملَكُ: أنا ربُّكم، رأوا عليه دليل الخِلْقة التي تُشبه المخلوقات فيقولون: هَذَا مكاننا حتَّى يأتينا ربُّنا فإِذَا جاءنا عرفناه أَيْ: إنَّك لستَ ربَّنا، فيأتيهم الله تَعَالَى فِي صُورته التي يَعرفون. أَيْ: يَظهر إليهم فِي مُلْكه لا ينبغي لغيره، وعظمته لا يشبه شيئًا مِن مخلوقاته، فيعرفون أنَّ ذَلِكَ الجلال والعَظَمة لا تكون لغيره، فيقولون: أنت ربُّنا الَّذِي لا يُشبهك شيءٌ، فالصُّورة يُعبَّر بها عَنْ حقيقة الشيء.
          فَصْلٌ: وَقَوْلُهُ: (فَيَقُولُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ تَعْرِفُونَهُا؟ فَيَقُولُونَ: السَّاقُ، فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ) هَذَا يدلُّ _والله أعلم_ أنَّ الله تَعَالَى عرَّف المؤمنين عَلَى ألسنة الرُّسُل يَوْم القِيَامَةِ أَوْ عَلَى ألسنة الملائكة المتلقِّين لهم بالبُشرى، أنَّ الله تَعَالَى قد جعلَ لكم علامةَ تجلِّيه لكم السَّاق، وعرَّفهم أنَّه سيبتلي المكذِّبين بأنْ يُرْسِل إليهم مَن يقول: أنا ربُّكم فتنةً لهم.
          ويدلُّ عَلَى ذَلِكَ قوله تَعَالَى: {يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم:27] في سؤال القبر وفي هَذَا الموطن، وقال ابن عبَّاسٍ فِي قوله تَعَالَى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [القلم:42] عَنْ شدَّة الأمر، أَوْ يُكشف عَنْ أمرٍ عظيمٍ يريد به هولًا مِن أهوال يَوْم القِيَامَةِ.
          ورُوي عن عُمَرَ بن الخطَّابِ ☺ فِي قوله تَعَالَى: {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ} [القيامة:29] أَيْ: أعمال الدُّنيا بمحاسبة الآخرة وذلك أمرٌ عظيمٌ، والعرب تقول: قامت الحربُ عَلَى ساقٍ، إِذَا كَانَت شديدةً، فيُظهر اللهُ سبحانه وتعالى عَلَى الخَلْق هذه الشدَّة التي لا يكون مثلُها مِن مخلوقٍ، ليبكِّت بها الكافرين ويَنْزع عنهم قُدرتهم التي كانوا يدَّعونها، فيعلمون حينئذٍ أنَّه الحقُّ، فيذهبون إِلَى السجود مَعَ المؤمنين لِمَا يَرَون مِن العَظَمة والشدَّة فلا يستطيعون، فيثبِّتُ الله المؤمنين فَيَسْجُدون له.
          وذكر ابن فُورَك عَنْ أبي موسى الأَشْعَرِيِّ ☺ مرفوعًا فِي هذه الآيَة ((نورٌ عظيمٌ))، ومعنى ذَلِكَ ما تجدَّد للمؤمنين عند رؤية الله تَعَالَى مِن الفوائد والألطاف، ويظهر لهم مِن فَضْل سرائرهم التي لَمْ يطِّلع عليها غيره ╡.
          قَالَ المُهَلَّب: هَذَا يدلُّ أنَّ كشف السَّاق للكافرين نِقْمةٌ وللمؤمنين نِعْمةٌ، والضَّحك مِنْهُ تَعَالَى بخِلاف ما هُوَ منَّا، وهوَ بمعنى إظهاره لعباده لطائفَ وكراماتٍ لَمْ تكن تَظهر لهم قبل ذَلِكَ، والضَّحك المعهود فيما بيننا هُوَ إظهار الضَّاحك لمن يُشاهده ما لَمْ يكن يظهر لهم مِنْهُ قبلُ، مِن كَشْرِه عَنْ أسنانِهِ. وفيه أقوالٌ أُخر ستأتي قريبًا.
          فَصْلٌ: قَوْلُهُ فِي حَديث أبِي هُرَيْرَةَ: (فَيَتْبَعُونَهُ) أَيْ: يذهبون حيث يُؤمرون.
          وَقَوْلُهُ: (وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ جَهَنَّمَ) أَيْ: عَلَى وسطِها وكلُّ شيءٍ متوسِّطٌ بين شيئين فهو بين ظَهْرَانيهما وظَهْرَيهما. قَالَ الدَّاودِيُّ: يعني عَلَى أعلاها فيكون جسرًا.
          قوله: (فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي أَوَّلُ مَنْ يُجِيزُ) أَيْ يجوز، وفي بعض النُّسخ: <يُجِيزُهَا>، والكَلَالِيبُ: جمع كَلُّوبٍ _بفتح الكاف_ وَهْوَ الَّذِي يتناول به الحدَّاد الحديد مِن النَّار كذا فِي كتاب ابن بطَّالٍ.
          وعبارة ابن التِّين: هُوَ المُعْتَقِف الَّذِي يُخطف به الشيء وَهْوَ واحدٌ، والخَطَاطِيفُ فِي حَديث أبي سَعِيدٍ ☺: جمع خُطَّافٍ، والخُطَّاف: حَدِيدةُ مُعْوَجَّةُ الطَّرَف تُجذب بها الأشياء.
          قال النَّابغةُ:
خَطَاطِيفُ حُجْنٌ فِي حِبَالٍ مَتِينَةٍ...                     وَشَوكُ السَّعَدَانِ بَأَرْضِ نَجْدِ
          فَصْلٌ: قوله: فِي حَديث أبي سَعِيدٍ: (خَطَاطِيفُ وَكَلاَلِيبُ وَحَسَكَةٌ)، والحَسَكُ: معروفٌ وَهْوَ شوك مُضَرَّسٌ ذو شيءٍ يَنْشَبُ فِيْهِ كلُّ ما مرَّ به. قَالَ الجَوْهَرِيُّ: الحَسَكُ: حَسَكُ السَّعْدَان، والحَسَكة: ما يُعمل مِن الحَدِيدِ عَلَى مثالِهِ وَهْوَ آلات العَسَكر.
          وقوله فِي حَديث أبِي هُرَيْرَةَ ☺: (وَمِنْهُمُ المُخَرْدَلُ أَوِ المُجَازَى أَوْ نَحْوُهُ) كذا هنا، وفي مُسلمٍ: ((ومنهم المجازَى حتَّى يُنَجَّى)).
          وقوله قبلَهُ: (تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ، فمنهم المُوبَقُ بِعَمَلِهِ _أَوْ_ المُوثَق)، وفي مُسلمٍ ((المُوبَق))، و(تَخْطَفُ): بفتح الطاء، و(المُخَرْدَلُ): قال صاحب «العين»: خَرْدَلْتُ اللَّحْم: فَصَلْته، وَخَرْدَلْتُ الطَّعام: أكلتُ خِيَاره.
          وقال غيره: خَرْدَلْتُهُ: صَرَعْتُهُ، / وهذا الوجه موافقُ معنى الحَدِيْث كما قاله ابن بطَّالٍ، والجَرْدَلةُ بالجيم: الإشراف عَلَى السُّقُوط والهَلَكَة.
          وقَالَ الدَّاودِيُّ: المُخَرْدَلُ: الَّذِي تَخْدِشُهُ الكَلَالِيبُ، والظَّاهر أنَّه مَن تقطِّعه الكَلَالِيبُ صغيرًا صغيرًا كالخَرْدَل.
          فَصْلٌ: وَقَوْلُهُ: (امْتُحِشُوا): احترقوا، وفي «الصَّحاح»: المَحْشُ: إحراقُ النَّار الجِلْد، وفيه لغةٌ: امْتَحَشَتْهُ النَّار. وكذا قال صاحب «العين»: المَحْشُ: إحراق الجِلْد. وامْتَحَشَ الجِلْد: احترق، والسَّنةُ المَحُوشُ: اليابِسَةُ.
          وقال صاحب «العين»: مَحَشَت النَّارُ الشيءَ مَحْشًا: أحْرَقَتْهُ لغةً، والمعروف مَحَشَتْهُ.
          وقَالَ الدَّاودِيُّ: (امْتُحِشُوا): ضَمُروا وانقبضوا كالمحترقين، وكان أَبُو زيدٍ يُنكر: مَحَشَتُهُ، وقعدَ يومًا إِلَى جنب أبي حنيفة فسمعَهُ يقول: قال رَسُول اللِه صلعم: ((يخرجُ مِن النَّار قومٌ مَحَشَتْهُم النَّار)) فقال أَبُو زيدٍ: ليس كذلك الحَدِيْث يرحمكَ اللهُ، إنَّما هُوَ: ((قد امْتَحَشَتْهُم النَّار)) فقال أبو حنيفة: مِن أَيِّ موضعٍ أنت؟ قال أَبُو زيدٍ: مِن البصرة، فقال أبو حنيفةَ: أبالبصرة مثلُكَ؟ قال أبو زيدٍ: إنِّي لمن أخسِّ أهلها، فقال أَبُو حنيفة: طُوبَى لبلدةٍ أنت أخسُّ أهلِها.
          فَصْل: (الحِبَّةُ) بكسر الحاء المهملة هي: اسمٌ لجميع الحُبُوب التي للبُقُول تُكسر إِذَا هاجت، ثُمَّ إِذَا أُمطرت مِن قابلٍ نَبَتَت، وعبارة ابن بطَّالٍ: إنَّها بُزُور البُقُول، وقول الفرَّاء. وعبارة أبي عُبَيدٍ أنَّها كلُّ ما يَنْبتُ لها حَبٌّ، فاسم الحبِّ مِنْهُ الحِبَّة.
          وقال أبو عَمْرٍو: هي نبتٌ ينبتُ فِي الحشيش صِغَارٌ. وقال الكِسَائيُّ: إنها حبُّ الرَّياحين. وواحد الحِبَّة حَبَّةٌ، وأمَّا الحِنْطة ونحوها فهو الحَبُّ لا غير.
          وقال ابن دُريدٍ فِي «جمهرته»: كلُّ ما كَاَنَ من بَزْر العُشب فهو حِبَّةٌ والجمع: حِبَبٌ. وقيل: هي الحُبُوب المخلتفة. وقَالَ الدَّاودِيُّ: الحِبَّة بالكسر جمع حَبَّةٍ بالفتح.
          وَقَوْلُهُ: (فِي حَمِيلِ السَّيْلِ) قال الأصمعيُّ: الحَمِيل: ما حَمَلَه السَّيل مِن كلِّ شيءٍ وكلُّ محمولٍ فهو حَمِيلٌ، كما يُقال للمقتول: قتيلٌ. وقال أبو سَعِيدٍ الضَّرير: (حَمِيلِ السَّيْلِ): ما حَمَلُهُ مِن طِينٍ فإِذَا اشتدَّت فِيْهِ الحبَّة تنبتُ فِي يومٍ وليلةٍ، فأخبر الشارع بسرعة نباتَهم، وَحَمِيلٌ بمعنى مَحْمُولٍ.
          فَصْل: قوله: (قَشَبَنِي رِيحُهَا) تقول العرب: قَشَبْتُ الشيء: قَذِرْتَهُ، وقشِب بكسر الشين قَشَبًا: قَذِر. عَنْ صاحب «الأفعال».
          وقال ابن قُتَيبة: إنَّه مِن القشب، والقِشب: السُّمُّ، كأنَّه قال: سمَّني ريُحها، ويُقال: كلُّ مَسْمُومٍ قِشْبٌ. وقَالَ الخطَّابيُّ: قَشبَهُ الدُّخُان إِذَا ملأَ خَيَاشِيْمَهُ وأخذَ يَكْظِمُهُ وإن كَانَت رِيحُهُ طَيِّبةً، وأصل القَشْبِ: خَلْطُ السمِّ بالطعام، يُقال: قَشَبَهُ إِذَا سمَّه، وقَشبَتْنا الدُّنيا فَصَار حُبُّها كالسُّمُّ الضِّارِّ. ثُمَّ قيل عَلَى هَذَا: قَشبَه الدُّخُان والرِّيح الذَّكيَّة إِذَا بَلَغَت منها الكظم.
          قال ابن التِّين: رُوِّيناه بتشديد الشين، وكذلك هُوَ فِي «الصِّحاح» بالتشديد أَيْ: آذاني. كأنَّه قال: سمَّني ريحها؛ لأنَّ القِشب السُّمَّ.
          وَقَوْلُهُ: (وأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا) هُوَ بفتح الذَّال المعجمة أَيْ: لَهَبُها وشدَّة وَهَجِها، كذا ضبطَهُ النَّوويُّ قال: والأشهر فِي اللُّغة ذكاها مقصورٌ، وذَكَرَ جماعةٌ المدَّ أيضًا.
          وقال ابن التِّين: كذا رُوِّيناه بضمِّ الدال والمدِّ. قال ابن ولَّادٍ: ذَكَا النَّار التهابها يُكتب بالألف؛ لأنَّه مِن الواو يُقال: ذَكَت النَّار تَذْكُو، والذَّكَاء مِن الفَهْم ممدودٌ، وكذلك في السنِّ ممدودٌ أيضًا. قال: وذُكاء بالضمِّ والمدِّ اسمٌ للشَّمس. وقَالَ الدَّاودِيُّ: قَشَبَني: غيَّر جِلْدي وحوَّله عَنْ حالِهِ.
          وَقَوْلُهُ: (هَلْ عَسَيْتَ) بفتح السِّين وكسرها، ونافِعٌ قرأ بالفتح، ويُقال: عسينا وعسيتم ولا يُقال: يفعل ولا فاعل.
          فَصْلٌ: قوله: (انْفَهَقَتْ لَهُ الجَنَّةُ) أَيْ: انْفَتَحَت واتَّسَعَت، وفَهِقَ الغدير: امْتَلَأَ، ومنهُ: الفَهْقُ فِي القول، وَهْوَ: كثرةُ الكلامِ.
          وَقَوْلُهُ: (مِنَ الحَبْرَةِ) كذا فِي الأصول، وفي بعض النُّسخ <الخَيرِ> واقتصر ابن التِّين عَلَى قوله <مِنَ الخَيرِ> وقال: أَيْ: السُّرور والنِّعمة.
          قال الهَرَويُّ: إنَّما سُمِّي بِذَلِكَ لأنَّه يَبِينُ فِي وجهِ صاحبهِ وهي بفتح الحاء أَيْ: وسكون الباء، وهي فِي مُسلمٍ أيضًا وأخرى ((الخَير)) بفتح الخاء المعجمة ثُمَّ مثنَّاةٍ تحت.
          وَقَوْلُهُ: (لاَ أَكُونُ أَشْقَى خَلْقِكَ) يريدُ: خلقك الذين لَمْ تُخلِّدهم فِي النَّار.
          فَصْل: وَقَوْلُهُ: (حَتَّى يَضْحَكَ اللهُ) سلف معنى الضَّحك وأنَّه إظهار اللُّطْف [خ¦6573].
          وقال ابن التِّين: أَيْ: رَضِيَ عنه؛ لأنَّ الضَّحِك فِي البِشْر علامَةٌ عَلَى ذَلِكَ، وقال البُخَارِيُّ: معناه: الرَّحمة.
          وقَالَ الدَّاودِيُّ: يحتمل أَنْ يُضْحِك اللهُ عِبَادَهُ مِنْ فعل ذَلِكَ الرجل كما قرأ بعضهم: {بَلْ عَجِبْتَ} [الصافات:12] بضمِّ التَّاء، أَيْ: جعلَهُ عَجَبًا لعِبَادِهِ، وعبَّر بعضهم عَنْ الأوَّل بأنَّه ما أبدى مِن فضله، وأظهرَ مِن نِعَمه وتوفيقه، رُوي عنه ◙ لَمَّا قال له أَبُو رَزِينٍ العُقَيلِيُّ: أَيْضَحُكُ ربُّنا؟ فقال: ((لن نَعْدَم مِن ربٍّ يَضْحَكُ خيرًا)).
          وهذا مِنْهُ إشارةٌ إِلَى وصف الله تَعَالَى بالقُدْرة عَلَى فعْلِ النِّعم وكَشْف الكُرَب، والبيان عمَّا خَفِي فَرْقًا بينه وبين الأصنام التي لا يُرجى منها خيرٌ ولا برٌّ.
          فَصْلٌ: وَقَوْلُهُ: (تَمَنَّهْ) الهاء هنا للسَّكْت أتى بها لتسْلَمَ الحركةُ فِي الوقف؛ كقوله تَعَالَى: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90] وقول أبي هُرَيرَةَ ☺: (وَمِثْلَهُ مَعَهُ). ثُمَّ يقول أَبُو سَعِيدٍ ☺: (وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ مَعَهُ)، يحتمل أَنْ يكون ◙ قالهما جميعًا فأعلمَهُ الله الأوَّل أوَّلًا والثاني ثانيًا تكرُّمًا.
          فَصْل: فِي حَديث أبي سَعِيدٍ ☺: (تُضَارُونَ) هُوَ بالتخفيف، أَيْ: لا يَلْحَقُكم ضَرَرٌ، ولا يُخالف بعضكم بعضًا ولا تَتَنازعون، ورُوي بالتشديد أيضًا وهو مثلهُ أي: لا تضارُّون أحدًا، وبسكون الراء الأولى وتُدغَم فِي التي بعدها، ويُحذف المفعول لبيان معناه.
          ويجوز أَنْ يكون عَلَى معنى: لا تتضارَرون _بفتح التاء الأولى_ أَيْ: لا تَتَنَازعون ولا تَجَادَلُون فتكونون إخوانًا ينصُرُ بعضُكم بعضًا فِي الجَدَل، وبعضهم يقرؤه بفتح التاء، أَيْ: <لا تَضَامُّون>، حكاه الشيخ أَبُو الحسَنِ.
          فَصْلٌ: قوله: (إِذَا كَاَنَت صَحْوًا) أَيْ: ذات صحْوٍ، وفي «الصَّحاح»: أَصْحَتِ السَّماء: انقشعَ عنها الغيم: فهي مُصْحِيَةٌ، وقال الكِسَائيُّ: فهي صَحْوٌ ولا تقل: مُصْحِية.
          والغُبَّراتُ: البَقَايا كما تقدَّم، وغَبَر الشيء: بقيَّتُهُ، و(عُزَيرَ): اسمٌ منصرفٌ لخفَّته وإن كَاَنَ أعجميًّا مثل نوحٍ ولُوطٍ؛ لأنَّه تصغير عَزْرٍ، وعُزَير وعيسى.
          وَقَوْلُهُ: / (وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلَّهِ رِيَاءً وَسُمْعَةً) هم المنافقون.
          وَقَوْلُهُ: (فَيَذْهَبُ كَيْمَا يَسْجُدَ، فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا) أَيْ: لا يطبق أَيْ يَنعطِفُ ولا يَنْحَني.
          وفي روايةٍ أخرى: ((تصيرُ ظُهُورهم طَبَقًا واحدًا كأنَّ فيها السَّفَافِيد)) وهذا استدلَّ به مَن أجاز تكليف ما لا يُطاق وَهْوَ مذهب الأَشْعَريَّةِ، قالوا: جائزٌ فِي حكم الله تَعَالَى أَنْ يكلِّفُ عباده ما لا يُطِيقون، واحتجُّوا عَلَى ذَلِكَ بأنَّ الله تَعَالَى قد كلَّف أبا لهبٍ بالإيمان مَعَ إعلامِهِ له أنَّه لا يُؤمِن وأنَّه يموت عَلَى الكفر الَّذِي له سَيْصَلَى نارًا ذات لهبٍ، ومنع الفقهاء مِن ذَلِكَ، وقالوا: لا يجوز أَنْ يكلِّفَ الله عبادَه ما لا يُطِيقون، واحتجُّوا بقوله تَعَالَى: {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] قالوا: وهذا خبرٌ لا يجوز أَنْ يقع بخِلاف مُخْبِرِه.
          وقالوا: ليس فِي قوله تَعَالَى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [القلم:42] حجَّةٌ لمن خالفنا؛ لأنَّهم إنَّما يَدْعُون له تبكيتًا لهم إذ أدخلوا أنفسهم بِزَعْمِهم فِي جملة المؤمنين السَّاجدين فِي الدُّنيا، وَعَلِم الله منهم الرِّيَاء فِي سُجُودهم فدُعوا فِي الآخرة إِلَى السُّجود كما دُعي المؤمنون المحقِّون فتعذَّر السُّجُود عليهم، وعادت ظُهُورهم طَبَقًا واحدًا وأظْهَرَ الله عليهم نِفَاقهم، فأخبرهم وأوقَعَ الحُجَّة عليهم، فلا حُجَّة فِي مِثل هذه الآيَة لهم، ومِثل هذا مِن التَّبْكِيت قوله تَعَالَى للكفَّار: {ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ} [الحديد:13] ليس فِي هَذَا شيءٌ مِن تكليفِ ما لا يُطاق وإنَّما هُوَ خزيٌ وتوبيخٌ، ومِثله قوله ◙: ((مَن كَذَبَ فِي حُلْمِهِ كُلِّف يَوْم القِيَامَةِ أَنْ يَعْقَدِ بين شَعِيرتَين وليس بعاقدٍ بينهما))، فهذه عقوبةٌ وليس مِن تكليفِ ما لا يُطاق، قلت: والمختار إِذَا قلنا أنَّه جائِزٌ أنَّه غير واقعٍ.
          فَصْلٌ: قَوْلُهُ: (فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا يَحْبِسُكُمْ وَقَدْ ذَهَبَ النَّاسُ؟ فَيَقُولُونَ: فَارَقْنَاهُمْ، وَنَحْنُ أَحْوَجُ مِنَّا إِلَيْهِ اليَوْمَ). لا يخرج معناه: إلَّا أَنْ يكون بمعنى: مُحْتَاجِين.
          وهذا موجودٌ فِي القرآن، قال تَعَالَى: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ} [النحل:125] بمعنى: عالِمٌ. فيُسقط هَذَا التأويل شيئًا مِن تقدير الكلام. ومعناه: (فَارَقْنَاهُمْ) يريد مَن لَمْ يَعْبِد الله (وَنَحْنُ أَحْوَجُ مَا كُنَّا إِلَيه) يعنُونَ اللهَ ╡، نبَّه عليه ابن بطَّالٍ.
          فَصْلٌ: قوله: (ثُمَّ يُؤْتَى بِالْجَسْرِ) هُوَ بفتح الجيم وكسرها، حكاهما ابن السِّكِّيت والجَوْهَرِيُّ.
          وَقَوْلُهُ: (مَدْحَضَةٌ) أَيْ: مَزْلَقةٌ، وقَالَ الدَّاودِيُّ: مَائِلَةٌ، واقتصر ابن بطَّالٍ عَلَى الأوَّل، فقال: يُقال: دَحَضَت رِجْلُهُ دَحْضًا: زَلِقت. والدَّحْض ما يكون عنه الزَّلَق، ودَحَضَتِ الشَّمس عَنْ كبد السَّماء: زالت. وَدَحَضَت حُجَّته: بَطَلَت.
          (مَزِلَّةٌ): أَيْ: تَزِلُّ فيها لزلقها وميلِها، وعبارة ابن بطَّالٍ: الْمَزَلَّةُ: موضعُ الزَّلل، زلَّت الأقدام: سَقَطَت. وقَالَ الجَوْهَرِيُّ: زلِقت _بكسر اللام وفتحها_ المكان الدَّحْض، وَهْوَ موضع الزَّلل يُقال: زلَّ، إِذَا زلَّ فِي طينٍ أَوْ مطرٍ.
          قال ابن التِّين: رُوِّيناه بكسر الزاي، وذكر عَنْ الخليل أنَّها بالكسر: المكان الدحْض، وبالفتح: الزَّلل فِيْهِ والدَّحَض.
          وَقَوْلُهُ: (مُفَلْطَحَةٌ لَهَا شَوْكَةٌ عُقَيْفَاءُ) والمُفَلْطَحُ: كلُّ شيءٍ عَرِيضٍ. قال الأصمعيُّ: واسعةُ الأعلى دقيقةُ الأسفل.
          وقال ابن دُريدٍ: فَلْطَحْتُ العُودَ إِذَا بَرَيْتُهُ ثُمَّ عرَّضْتُهُ، وفطِح الأنف _بكسر الطاء_ فَطْحًا: لَصِق بالوجه، والبقر كلُّها فُطْحٌ وخُنْسٌ. وقَالَ الدَّاودِيُّ: معنى مُفَلْطَحَة: بِعُودٍ.
          وَقَوْلُهُ: (عُقَيْفَاءُ) هُوَ بقافٍ أوَّلًا ثُمَّ فاءٍ، أَيْ: مفتوحة يُقال: عَقَفْتُ الشيء فانْعَقَفَ أَيْ: عَطَفْتُهُ فانْعَطَف، والتَّعْقِيفُ: التَّعْويج، وأعرابيٌّ أَعْقَفُ. أَيْ: جَافٍ.
          فَصْلٌ: وَقَوْلُهُ: (المُؤْمِنُ عَلَيْهَا كَالطَّرْفِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَأَجَاوِيدِ الخَيْلِ وَالرِّكَابِ) الطرف _بفتح الطاء_: تحريكُ الجفون فِي النَّظَر، وبكسرها الطِرف: الكريم مِن الخيل، وَهْوَ نعتٌ للذَّكَر خاصَّةً. وقَالَ الدَّاودِيُّ: يعني كالنَّظرة حين تبلغ تكون خطوة. والأجاويد: قَالَ الجَوْهَرِيُّ: جَادَ الفَرَس فهو جوادٌ: صَارَ رائعًا، للذَّكر والأنثى، مِن خيلٍ جِيَادٍ وأجاويدَ قال: والأَجْيَادُ: جبلٌ بمكَّةَ، سُمِّي بِذَلِكَ لموضعِ خيلِ تُبَّعٍ، وسُمِّي قُيعقِعان لموضع سلاحِهِ.
          والرِّكاب: الإبل التي يُسار عليها، الواحدة رَاحِلةٌ ولا واحد لها مِن لفظها، والجمع: رُكُبٌ مثل: كُتُبٍ.
          وَقَوْلُهُ: (وَنَاجٍ مَخْدُوشٌ وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ) مَخدُوشٌ أَيْ: أصابه خُدُوشٌ، ومَكْدُوسٌ لعلَّه يريد: جُمعت يَدَاه ورِجْلَاه، والتَّكَرْدُسُ: الانقباض وجمعَ بعضه إِلَى بعضهِ، والكَرْدَسَةُ: مشيُ المقيَّد. ذكره الجَوْهَرِيُّ أجمع. وقَالَ الدَّاودِيُّ: مُكَرْدَس أَيْ: مُلقًى فيها.
          وَقَوْلُهُ: (حَتَّى يَمُرَّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْبًا) قَالَ الدَّاودِيُّ: فِيْهِ تقديمٌ وتأخيرٌ؛ لأنَّ الَّذِي يُسْحَب: يُجرُّ.
          وقَالَ الخطَّابيُّ: المُكَرْدَسُ: المدفوع فِي جهنَّم، يُقال: مُكَرْدَسٌ عَلَى رأسه إِذَا دُفع مِن ورائه فَسَقَط، والتكدُّس فِي سيرُ الدَّوابِّ أَيْ: رَكِب بعضُها عَلَى بعضٍ. وعليه اقتصر ابن بطَّالٍ عَنْ حكاية صاحب «العين» بزيادة: والتَّكَدُّسُ: ما يُجمع مِن طعامٍ وغيره.
          فَصْلٌ: وَقَوْلُهُ: (فَمَا أَنْتُمْ بِأَشَدَّ لِي) إِلَى آخره، قَالَ الدَّاودِيُّ: هَذَا يردُّ قولَ مَن قال: إنَّ الله لو شاء لعذَّب العِباد جميعًا لأنَّه ربٌّ غير مربوبٍ، وآمرٌ غير مأمورٍ، قال: والله أعدلُ وأكرمُ ممَّا أجاز هَذَا القائل أَنْ يكون من صِفَاتِهِ، والربُّ أحقُّ بالفَضْل والكَرَم.
          فإن قالوا: لأنَّه يقول: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23]، وذهبوا إِلَى أنَّ الله لا يسأله أحدٌ مِن خلقِهِ عَنْ فعلهِ، وليس الأمر عَلَى ما ذَهَبوا إليه، قال تَعَالَى: {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا} [النحل:116]، وقال حكايةً عَنْ الملائكة: قالوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} [البقرة:30]، وقال حكايةً عَنْ موسى: / {أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا} [الأعراف:155]. ولو كَاَنَ قوله: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} خبرًا ما وجدَ خِلافه؛ لأنَّ الله تَعَالَى أصدقُ قائلٍ، ولو كَاَنَ نهيًا ما كَاَنَ ما وقع مِن كلامِ الملائكة والأنبياء والمؤمنين فِي المَعَادِ، ومنه قول أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ☺: (اقرءوا إنْ شئتم {إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء:40]) هَذَا كلامُهُ.
          وَهْوَ خِلاف قول أهل السُّنَّة؛ لأنَّ الله تَعَالَى هُوَ خالقُ العِبَاد ومَلِكُهم يفعل ما يشاء، يُعذِّب الطائع وينعِّم العاصي، هَذَا جائزٌ فِي حقَّهِ، وأمَّا مِن باب مَن تفضَّل به وأخبر أنَّه يُعذِّب العاصي ويُنْعِم عَلَى الطائع فقوله الحقُّ ووعدُهُ لا يَخِيب.
          فَصْل: (فَيَشْفَعُ النَّبِيُّونَ وَالمَلاَئِكَةُ وَالمُؤْمِنُونَ)، فِيْهِ حُجَّةٌ لأهل السُّنَّة فِي إثباتهم الشَّفاعة _لا حُرمناها_ وقد سلف إيضاحه.
          قَالَ الدَّاودِيُّ: يحتمل أَنْ يكون النَّبِيُّ إِذَا دَعَا وَشَفع يشفَعُ معه الملائكة والنَّبِيُّون والمؤمنون، فتُؤمر الملائكة أَنْ يُخرجوا لهم مَن يُخرجون كما يأمر الجبَّار أَنْ يُخْرجوا، ثُمَّ مَن يُخرجوا له مَن أراد الله نجاته.
          وَقَوْلُهُ: (فَيَقُولُ الجَبَّارُ: بَقِيَتْ شَفَاعَتِي) خرج عَلَى معنى المطابقة لمن تقدَّمه مِن الشَّفاعات؛ لأنَّ الله تَعَالَى يُخْرِجهم تفضُّلًا مِنْهُ مِن غير أَنْ يَشفع إِلَى أحدٍ.
          وَقَوْلُهُ: (فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمُ اللُّؤْلُؤُ، فَيُجْعَلُ فِي رِقَابِهِمُ الخَوَاتِيمُ فَيَدْخُلُونَ الجَنَّةَ، فَيَقُولُ أَهْلُ الجَنَّةِ: هَؤُلاَءِ عُتَقَاءُ الرَّحْمَنِ، أَدْخَلَهُمُ الجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ وَلاَ خَيْرٍ قَدَّمُوهُ).
          جاء فِي بعض الأخبار أنَّها تُنزَع فلا يبقى معهم شيءٌ يَكْرَهُونه، ويحتمل أَنْ يريد بقوله: (هَؤُلاَءِ عُتَقَاءُ الرَّحْمَنِ) مَن فِي قلبه أقلُّ مِن ذرَّةٍ مِن إيمانٍ _وَهْوَ اليقين_ لأنَّ الجنَّة محرَّمةٌ عَلَى مَن كَفَر.
          فَصْلٌ: قوله: فِي حَديث أنسٍ ☺: (وَأَسْجَدَ لَكَ مَلاَئِكَتَهُ). قال الدَّاودِيُّ: يحتمل أنْ يأمرهم الله بالسُّجُود إذ خَلَق آدم، ويَكون ذلك أيضًا معنى قوله فِي يُوسُف ◙:{وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} [يوسف:100] أنْ يكونوا سجدوا لله شكرًا عَلَى ما أَوْلَاهم وجمعهم.
          وَقَوْلُ آدم: (وَلَكِنِ ائْتُوا نُوحًا أَوَّلَ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللهُ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ).
          قَالَ الدَّاودِيُّ: واختُلف فِي أمره، جاء فِي بعض الخبر أنَّه أوَّلُ مُرسَلٍ، وجاء أنَّه رسولٌ غير نبيٍّ. وقيل: إنَّه عبدٌ صالحٌ ليس برسولٍ ولا نبيٍّ. وهذا الَّذِي قاله الدَّاودِيُّ فِيْهِ غير صحيحٍ لأنَّ الرسالة متضمِّنَةٌ للنبوَّة؛ فلا يكون الرسول إلَّا نبيًّا، وكذلك قوله في نُوحٍ: (أَوَّلَ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللهُ) هُوَ مِثل قولهِ: أوَّلُ رسولٍ لأنَّ النَّبِيَّ إِذَا بُعث كَاَنَ رسولًا، والنُّبَوَّة أعمُّ والرِّسالة أخصُّ، وكُلُّ رسولٍ نبيٌّ وليس كلُّ نبيٍّ رسولًا.
          فَصْلٌ: وقولُ إبراهيمَ عليه أفضل الصَّلاة والسلام: (وَلَكِنِ ائْتُوا مُوسَى، عَبْدًا آتَاهُ اللهُ التَّوْرَاةَ وَكَلَّمَهُ وَقَرَّبَهُ نَجِيًّا) رُوي عَنْ ابن عبَّاسٍ: أنَّه أُدني حتَّى سَمِع صَرِيف القلم.
          وَقَوْلُهُ فِي عيسى: (رُوحُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ) هُوَ مِن قوله تَعَالَى: {فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا} [مريم:12] نَفَخَ جِبريلُ الرُّوح الأمينُ فِي جَيْبِ مريمَ ثُمَّ توصَّلَتُ النَّفخة إِلَى الرَّحِم وكان منها عيسى ◙، قال تَعَالَى له: كُن، فكان، فسمَّاه كلمةً؛ لأنَّه كَاَنَ لقوله: كُن.
          فَصْلٌ: قَوْلُهُ: (فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي، فَيُؤْذَنُ لِي) يريد: أنَّه ◙ يستأذن وَهْوَ فِي الجنَّة، فنُسبت الجنًّة إِلَى الله كما قيل فِي الكعبة: بيت الله، وسُمِّيت دارًا لأنَّه دوَّرها لأوليائه، ومِثْله رُوح الله عَلَى سبيل التفضيل له عَلَى سائر الأرواح ولا تعلُّق فِيْهِ للمجسِّمة؛ لأنَّ الله تعالى ليس فِي مكانٍ؛ لأنَّ هذه الإضافة _وهي: (دَارِه)_ لله تَعَالَى إضافة فِعْلٍ كسائرِ ما أضافَهُ إِلَى نفسه تَعَالَى مِن أفعاله، ويحتمل أَنْ يكون راجعًا إِلَى نبيِّهِ، تأويله: وأستأذنُ عَلَى ربِّي وأنا فِي داره. لقيام الدَّليل عَلَى استحالةِ حُلُوله تَعَالَى فِي المواضع.
          وَقَوْلُهُ: (فَإِذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَدَعَنِي، فَيَقُولُ: مُحَمَّدُ؛ ارْفَعْ). ذكر الإسماعيليُّ أنَّ هذه السَّجْدة مقدار جُمعةٍ مِن جُمَع الدُّنيا، والمقام المحمود، قيل: هَذَا. وقيل: أنْ يكون النَّبِيُّ أقربَ مِن جِبْريل، وفي الأصل: (قال قَتَادَةُ: سَمِعته. يعني أنسًا: حَتَّى مَا يَبقَى في النَّار إلَّا مَن حَبَسَه القرآن. أي وَجَب عليه الخلود، قال: ثُمَّ تلا هذه الآيَة: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء:79] قَالَ: وَهَذَا المقَامُ المَحمُودُ الَّذِي وُعِدَه نبيُّكُم).
          فَصْلٌ: وَقَوْلُهُ فِي حَديث أنسٍ ☺: (فَإِنِّي عَلَى الحَوْضِ) فِيْهِ: إثباتُ حوضِهِ الكريم خِلافًا لمنكريه مِن المعتزلة وغيرهم ممَّن يدفع أخبار الآحاد، وجمهور الأمَّة عَلَى خِلافهم يُؤمِنون بالحوض عَلَى ما ثبتَ فِي السُّنن الصِّحاح.
          فَصْلٌ: والتهجُّد فِي حَديث ابن عبَّاسٍ سلف الكلام عليه فِي موضعِهِ [خ¦112]، وحاصل ما فِيْهِ ثلاثة أقوالٍ: السَّهر، الصَّلاة ليلًا، الإيقاظ مِن النوم، وَهْوَ ظاهر الحَدِيْث.
          فَصْلٌ: قد أسلفنا الكلام أيضًا عَلَى القَيُّوم، ويُروى عَنْ ابن عبَّاسٍ أنَّه الَّذِي لا يموتُ. وقرأ عَلْقَمَةُ: {القيِّم} فهذا مَعَ ما ذكره البُخَارِيُّ فِي الأصل ثلاث قراءاتٍ، قال ابن كَيْسَانَ: القَيُّوم: فَيْعُولٌ مِن القيام، وليس بفعولٍ؛ لأنَّه ليس فِي الكلام فعولٌ مِن ذوات الواو، وأصل القَيُّوم عند البصريِّين: قَيْوِمٌ. وقال الكوفيُّون: قَوِيمٌ. وقال ابن كَيْسَانَ: لو كَاَنَ ذا فِي الأصل ما جاز التغيير، كما لا يجوز فِي طَويلٍ وسَوِيقٍ.
          فَصْلٌ: التَّرجمان الَّذِي فِي حَديث عَدِيِّ بن حاتمٍ ☺ بفتح التاء وضمِّها والجمع تراجم، وَهْوَ: الَّذِي يفسِّر الكلام بلسانٍ آخرَ.
          وفيه إثبات الرُّؤية / له تَعَالَى وإثبات كلامه لعباده ورفْع الحِجَاب بينه تَعَالَى وبين خلْقِهِ، وَهْوَ تجلِّيه لهم، وليس ذَلِكَ بمعنى الظُّهور والخُرُوج مِن سَواترٍ وحُجُبٍ حائلةٍ بينه وبين عبادِه؛ لأنَّ ذاك مِن أوصاف الأجسام، وَهْوَ مستحيلٌ عَلَى الله تَعَالَى، وإنَّما رفْع الحِجَاب بمعنى: إزالته الآفات مِنْ أبصار خَلْقه المانعة لهم مِن رُؤيته، فيرونه لارتفاعها عنهم بخلْقِ ضدِّها فيهم، وهو الرُّؤية، وبخِلاف هَذَا وصف الله تَعَالَى الكفَّار فقال: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15]، فالحِجَاب هنا الآلة المانعة لهم مِن رُؤيته التي لو فَعَل تَعَالَى ضدَّها فيهم لرأوه، وهي التي فعلَ فِي المؤمنين.
          فَصْلٌ: قوله فِي حَديث أبي مُوسَى ☺: (وَمَا بَيْنَ القَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الكِبْرِ، عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ) لا تعلُّق فِيْهِ للمجسِّمة فِي إثبات الجسم والمكان لِمَا تقدَّم مِن استحالة كونه جسمًا أَوْ حالًّا فِي مكانٍ، فوجب أَنْ يكون تأويل الرِّداء مصروفًا إِلَى أنَّ المراد به الآفة المانعة لهم مِن رؤيته تَعَالَى الموجودة بأبصارهم، وذلك فعْلٌ مِن أفعاله تَعَالَى يَفعله فِي محلِّ رُؤيتهم له بدلًا مِن فِعله الرُّؤية، فلا يرونه ما دام ذَلِكَ المانع المسمَّى رداءً موجودًا بمحلِّ رُؤيتهم له، فإِذَا فعل الرُّؤية انتفى ذَلِكَ المانع لهم مِن رُؤيته، وسمَّاه رِدَاءً مجازًا واتِّساعًا إذ منزلته فِي المنع مِن رؤيته منزلة الرِّداء وسائر ما يحتجِبُ به، والله تَعَالَى لا تَلِيق به الحُجُب والأستار إذ ذَلِكَ مِن صفات الأجسام.
          وَقَوْلُهُ: (عَلَى وَجْهِهِ) المراد به أنَّ الآفة المانعة لهم مِن رُؤية وجهه تَعَالَى الَّذِي هُوَ صِفةٌ مِن صِفات ذاته كأنَّها عَلَى وجهه؛ لكونها فِي أبصارهم ومانعةً لهم مِن رؤيته فعبَّر عَنْ هَذَا المعنى بهذا اللفظ، والمراد به غير ظاهرهِ إذ يستحيلُ كون وجهه محجوبًا برِدَاءٍ أَوْ غيره مِن الحُجُب إذ ذاك مِن صِفَات الأجسام.
          وَقَوْلُهُ: (فِي جَنَّةِ عَدْنٍ) ليس بمكانٍ له تَعَالَى وإنَّما هُوَ راجعٌ إِلَى القوم، كأنَّه قال: وما بين القوم وبين أَنْ ينظروا إِلَى ربِّهم وهم فِي جنَّة عدْنٍ إلَّا المانع _المخلوق فِي محلِّ رؤيتهم له_ مِن رُؤيته، فلا حُجَّة لهم فِيْهِ.
          فَصْلٌ: معنى استدارة الزَّمان فِي حَديث أبي بَكْرةَ ☺: استدارة الحجِّ إِلَى أَنْ صار فِي ذي الحَجَّة، وكانوا حملوه فجعلوا يحجُّون عامين فِي ذي القِعْدة وعامين فِي ذي الحَجَّة، كذا ذكر الدَّاودِيُّ، وذكر عَنْ بكْرٍ أنَّهم نقلوا الحجَّ إِلَى سائر أشهُر السَّنة.
          وقيل: أراد هيئته فِي تحريم المحرَّم عادَ كهيئته، وذلك أنَّهم كانوا يؤخِّرونه إِلَى صَفَر لأنَّه كَاَنَ يشقُّ عليهم توالي ثلاثة أشهُرٍ حُرمٍ، فيؤخِّرون المحرَّم إِلَى صَفَر ويُحِلُّون المحرَّم.
          وقوله فِيْهِ: (رَجَبُ مُضَرَ، الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ) هُوَ تأكيدٌ له وبيانٌ، يريد أنَّ غَيْر مضر، تَنقل رَجَبًا إِلَى غيره مِن الشُّهور، وإن لَمْ يكن تَنْقلُهُ مُضَرُ نَقَلتْهُ رَبِيعةُ إِلَى رَمَضانَ فجعلوا رمضانَ رَجَبًا، وكانت مُضَرُ تُعَظِّمُهُ دون غيرها، والغرض المذكور فِيْهِ، قَالَ الدَّاودِيُّ: يقع عَلَى السِّنين والآباد عَلَى ما يُصاب به الإنسان فِي جسدِهِ وما يُصاب مِن الكلام.