التوضيح لشرح الجامع البخاري

قول الله تعالى: {إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا}

          ░26▒ باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا} [فاطر:41]
          7451- ذكر فِيْهِ حَديث عَلْقَمةَ عَنْ عَبْد اللهِ ☺ قَالَ: (جَاَءَ حَبْرٌ إِلَى رَسُوْل اللهِ صلعم) الحَدِيْث.
          سلف قريبًا فِي باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:75]، والحَبر بفتح الحاء وقيل: بكسرها [خ¦7414].
          قال ابن التِّين: هُوَ ما رُوِّيناه. فإن قلت: فما وجه هَذَا الحَدِيْث هنا مَعَ الآيَة، فإنَّ ظاهرها وعمومها يقتضي أنَّ السَّموات والأرض ممسكَةٌ بغير آلةٍ يُعتَمد عليها، والخبر أنَّ الله يُمسك السَّماوات عَلَى إصبعٍ والأرض عَلَى إصبعٍ، فدلَّ أنَّ حَديث الحَبْر وتفسيره للإمساك بالأصابع بيان المجمَلِ مِن الإمساك فِي الآيَة؟
          قيل: ليس المراد كما توهَّمتَ، وتفسيرُ النَّبِيِّ صلعم ورَدُّهُ عَلَى الحَبْر، وَقَوْلُهُ: {وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام:91]. هُوَ ردٌّ لِمَا توهَّم الحَبر مِن الأصابع، أَيْ: إنَّ الله أجلُّ ممَّا قدَّرت، وذلك أنَّ اليَهُود تعتقد التجسيم، فَنَفى الشارع ذَلِكَ عنه بقوله: {وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام:91].
          فإن قلت: فإنَّ تصديقَهُ للحَبْر وتَعجُّبَه مِن قوله يدلُّ أنَّه لَمْ ينكر قوله كلَّ الإنكار، ولو لَمْ يكن لقوله بذكر الأصابع وجهٌ لأعلن بإبطاله !
          فالجواب: أنَّه لو كَانَت السَّماوات وغيرها مفتقرةً إِلَى الأصابع كَانَت الأصابع تفتقر إِلَى أمثالها تعتمِدُ عليها، وأمثال أمثالها إِلَى مِثلها ثُمَّ كذلك إِلَى ما لا نهاية له، وهذا فاسِدٌ، وقد تقدَّم قول الأَشْعَرِيِّ وابن فُورَك في أنَّ الإصبع يجوز أَنْ يكون صِفة ذاتٍ لله تَعَالَى، ويجوز أَنْ يكون صِفة خلْقٍ له تَعَالَى مِن بعض ملائكته، كلَّفهم حملَ الخلائق وتعبَّدَهم بِذَلِكَ مِن غير حاجةٍ إليهم فِي حمْلِها بل الباري تَعَالَى ممسكُهم وممسِكُ ما يحمِلُونَهُ بقُدْرتهِ تَعَالَى، وتصديقُ هَذَا التأويل قوله تَعَالَى:{وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة:17].