التوضيح لشرح الجامع البخاري

قول الله تعالى: {قل لو كانَ البحر مدادًا لكلمات ربي}

          ░30▒ باب قَوْلِ اللهِ ╡: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي} الآية [الكهف:109].
          وَقَوْلُهُ: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ} الآيَة.[لقمان:27]، وَقَوْلُهُ: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} الآيَة. [الأعراف:54].
          7463- ثُمَّ ساق حَديث أبِي هُرَيْرَةَ ☺ السالف فِي باب: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا}: (تَكَفَّلَ اللهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيْلِهِ). الحَدِيْث [خ¦7457].
          قال مُجَاهِدٌ: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا} للقلم يُستمدُّ مِنْهُ للكتاب {لِكَلِمَاتِ رَبِّي} أَيْ: لعِلْم ربِّي، وقال قَتَادَةُ: لنَفَد ماءُ البحر قبل أَنْ ينفَدَ كلام الله وحكمه.
          وَقَوْلُهُ: {وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف:109] يعني: مِدَادًا، وقيل: هُوَ مِن نحو قوله: نحن مَدَدٌ له، وقرأ ابن عبَّاسٍ ☻: {مِدَادًا}.
          وربَّما قال: كلماتٌ عَلَى سيبل التَّعظيم وإنَّما هُوَ فِي الحقيقة كلامٌ واحدٌ.
          والآية الثالثة قوله: ({فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ}) خلقَ الأرضَ فِي يومين الأحد والإثنين، وخلَقَ السماوات فِي يومين، وأوحى فِي كلِّ سماءٍ أَمْرها فِي ذَيْنك اليومين، ودَحَا الأرض بعد ذَلِكَ فِي يومين، فانقضى الخَلْق / يوم الجُمُعة.
          وَقَوْلُهُ: ({يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ} [الأعراف:54]) أَيْ: ويُغشي النَّهار اللَّيل ثُمَّ حُذف لعِلم السامع، أَيْ: يُدخل هَذَا فِي هَذَا وهَذَا فِي هَذَا.
          وَقَوْلُهُ: ({أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف:54]) ففرَّق بينهما، فدلَّ أنَّ كلامَهُ غير مخلوقٍ، وَهْوَ قوله: كن، وقيل: هُوَ مِثل قوله تَعَالَى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن:68]، وهذا ليس مذهب أهل السُّنَّة وَهْوَ قول المعتزلة.
          وقيل المعنى: وتصريفُ الأمر ثُمَّ حُذف، وقال النَّقَّاش: الخلَقْ كلُّ مخلوقٍ، والأمر قضاؤه فِي الخَلْق الَّذِي فِي اللَّوح المحفوظ، وقيل: الخَلْق والأمر الآخرة، ومعناه لله تَعَالَى الدُّنيا والآخرة.
          ومعنى هَذَا الباب: الكلام لله تَعَالَى صِفةٌ لذاته وأنَّه لَمْ يزل متكلِّمًا ولا يزال، كمعنى الباب الَّذِي قبله، وإن كَاَنَ قد وصف الله تَعَالَى كلامه بأنَّه كلماتٌ فإنَّه شيءٌ واحدٌ لا يتجزَّأ ولا ينقسِمُ، ولذلك يُعبَّر عنه بعباراتٍ مختلفةٍ تارةً عربيَّةً وتارةً سِرْيَانيَّةً، وبجميع الألسنة التي أنزلها الله تَعَالَى عَلَى أنبيائه جعلها عبارةً عَنْ كلامه القديم الَّذِي لا يُشبه كلام المخلوقين، ولو كَانَت كلماته مخلوقةً لنَفَدت كما ينَفَدُ البحر والأشجار وجميع المحدَثات. فكما لا يُحاط بوصفِهِ تَعَالَى كذلك لا يُحاط بكلماتِهِ وجميع صِفاتِهِ.