التوضيح لشرح الجامع البخاري

{هو الله الخالق البارئ المصور}

          ░18▒ باب قَوْلِ اللهِ ╡: {هُوَ اللهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} [الحشر:24].
          7409- ذكر فِيْهِ حَديث ابن مُحَيْرِيزٍ، عن أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ☺: فِي غَزوَةِ بَنِي المُصْطَلَقِ أَنَّهُمْ أَصَابُوا سَبَايَا... الحَدِيْث، وقد سَلَف فِي بابه [خ¦4138].
          وَقَالَ مُجَاهِدٌ: عَنْ قَزَعَةَ، سألت أبَا سَعيدٍ فَقَالَ: قَالَ: النَّبِيُّ صلعم: (لَيْسَتْ نَفْسٌ مَخْلُوقَةٌ إِلا اللهُ خَالِقُهَا).
          الشَّرْح: (ابن مُحَيريزٍ): اسمه عَبْد اللهِ _وكُنيته أبُو مُحَيريز_ بن مُحَيرِيز بن جُنَادَةَ بن وَهْبِ بن لَوْذَانَ بن سَعْدِ بن جُمَحٍ القُرَشيُّ الجُمَحِيُّ المكِّيُّ ربَّاهُ أبُو مَحْذُورَةَ أوسُ بن مِعْيَر بن لَوْذَانَ بن سعد بن جُمَحٍ، أحد المؤذِّنين كَاَنَ بمكَّة وقُتل أخوه أُنيس بن مِعْيَر كافرًا ببدْرٍ.
          قال رَجَاءُ بن حَيْوَةَ: إن يَفخر علينا أهل المَدِيْنَة بعابدِهم ابن عُمَر ☻ فإنَّا نَفْخَرُ بعابدنا ابن مُحَيريزٍ، إن كنتُ لأعدُّ أنَّ بقاءَهُ أمانٌ لأهل الأرض مات قبل المائة، إمَّا فِي خلافة عُمَر بن عبد العزيز أَوْ فِي خلافة الوليد بن عبد الملك بالشام، أخرجوا له.
          واسم أبي سَعِيدٍ سعَدُ بن مالكِ بن سِنَانَ _ولقبُ سنان الشَّهيدُ_ بن ثَعْلَبةَ بن عُبَيدِ بن الأَبْجَرِ وَهْوَ خُدْرَةَ بن عوف بن الحارثِ بن الخَزْرَجِ، مات سنة أربعٍ وسبعين.
          فَصْلٌ: والسَّبايا جمع سَبِيئةٍ بالهمز وهي المرأة التي تُسْبَى مثل: خَطِيئةٍ وخَطَايا، وكان الأصل سَبَائئ وخَطَائئ عَلَى فَعَائل، فلمَّا اجتمعت الهمزتان قُلبت الثانية ياءً لأنَّ قبلها كسرةٌ ثُمَّ استُثقلت، والجمع ثقيلٌ. وَهْوَ معتلٌّ مَعَ ذَلِكَ فقُلبت الياء ألفًا، ثُمَّ قُلبت الهمزة الأولى بإلحاقها بين الألفين.
          وَقَوْلُهُ: (يَسْتَمْتِعُوا بِهِنَّ وَلاَ يَحْمِلْنَ) يعني: الوطء، وفي روايةٍ: ((وأحبُّوا الأثمان))، وفي روايةٍ أخرى: ((وأَحْبَبنا الفِدَاء))، وفِيْهِ دليلٌ عَلَى داودَ فِي إجازته بيع أُمَّهات الأولاد.
          وَقَوْلُهُ: (مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَفْعَلُوا) وقيل معناه: إباحة العزل، وقيل: النَّهي عنه. وفي مُسلمٍ أنَّه الوأدُ الخفيُّ.
          وفي أخرى زيادةٌ: (({وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ} [التكوير:8])).
          فَصْلٌ: قَالَ الأَصِيليُّ: كَاَنَ سبي بني المُصْطَلِق مِن عَبَدَةِ الأوثان اللَّاتي لا يجوز وطؤهنَّ بمِلْكٍ، وإنَّما أجاز ◙ وطأهنَّ لأصحابِهِ قبل قوله تَعَالَى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة:221] وقيل: إنَّهنَّ أسلمْنَ فلذلك حلَّ وطؤهنَّ.
          وقَالَ ابن أبي زيدٍ: فِي قوله: (مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ) إِلَى آخره، ما يدلُّ عَلَى أنَّ الولد يكون مَعَ العزل، ولهذا قال العلماء: مَن أقرَّ بوطء أَمَتِهِ، وادَّعى العَزْل لَحِق به الولد. وَهْوَ الأصحُّ عندنا فيحرُمُ نفيه لأنَّ الإسباق ومثل هَذَا يكون مَعنى قَوْلُهُ: (لَيْسَتْ نَفْسٌ مَخْلُوقَةٌ إِلَّا اللهُ خَالِقُهَا).
          فَصْلٌ: الخالقُ المبدِعُ والمنشئُ لأعيان المخلوقات، وَهْوَ مَعنى لا يُشاركه فِيْهِ أحدٌ مِن خَلْقه، ولم يزل الله مسمِّيًا لنفسه خالقًا ورازقًا عَلَى مَعنى أنَّه يخلُقُ ويرزُقُ لا عَلَى مَعنى أنَّه خَلَق الخَلْق فِي أزلِهِ، لاستحالة قِدم العالم، والخَلْق أيضًا يكون بمعنى التصوير، وهذا أمرٌ يصحُّ مشاركة الخَلْق فِيْهِ له فالخَلْق المذكور هنا بمعنى الإبداع والاختراع لأعيان السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ، والخَلْق بمعنى: التصوير في قوله تَعَالَى: {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ} [المائدة:110]. أَيْ: تصوِّر لا تَخْتَرِع.
          وَمِنْهُ قول الشاعر:
وَأَنتَ تَفْرِي مَا خَلَقْتَ                     وبَعْضُ القَوْمِ يَخْلُقُ ثمَّ لَا يَفْرِي
          حَدِيثُ الشَّفَاعَةِ