التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قول الله تعالى{قل أي شيء أكبر شهادة قل الله}

          ░21▒ باب قَوْلِ الله تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً} الآية [الأنعام:19].
          وَسَمَّى اللهُ نَفْسَهُ شَيْئًا. وَسَمَّى النَّبِيُّ صلعم القُرآَنَ شَيْئًا، وَهْوَ صِفَةٌ مِن صِفَاتِ اللهِ. وَقَالَ: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص:88].
          7417- ثُمَّ ذَكر فِيْهِ حَديث أبي حازمٍ سَلْمانَ بن دِينارٍ القاصِّ، مولى بني مَخْزُومٍ عن سهْلِ بن سعْدٍ ☺ قال: قال النَّبِيُّ صلعم لِرَجُلٍ: (أَمَعَكَ مِنَ القُرآَنِ شَيْءٌ؟). قَالَ: نَعَمْ، سُورَةُ كذَا وَسُورَةُ كذَا. لِسُوَرٍ سَمَّاهَا.
          الشَّرْح: ما ذكره ظاهِرٌ لِمَا ترجم له، قال عبد العزيز صاحب كتاب «الحيدة»: إِنَّمَا سمَّى الله نفسه شيئًا إثباتًا للوجود ونفيًا للعَدَم، ولذلك أجرى عَلَى كلامه ما أجراه عَلَى نفسه فلم يُقسم بالشيء ولم يجعله مِن أسمائه، ولكنَّه دلَّ عَلَى نفسِهِ أنَّه شيءٌ أكثر الأشياء إثباتًا للوجود ونفيًا للعَدَم وتكذيبًا للزَّنادقة والدَّهْريَّة ومَن أنكر ربوبيَّتَهُ مِن سائر الأمم، فَقَالَ تعالى لنبيِّه صلعم: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} [الأنعام:19]، فدلَّ عَلَى نفسهِ أنَّه شيءٌ ليس كالأشياء؛ لعِلمه السابق أنَّ جَهْمًا وبِشْرًا ومَن وافقهما سَيُلحدون فِي أسمائه ويشبِّهون عَلَى خَلْقه ويُدخِلُونَهُ وكلامَهُ فِي الأشياء المخلوقة، قال ╡: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] فأخرج نفسَهُ وكلامَهُ وصفاته عن الأشياء المخلوقة بهذا الخبر تكذيبًا لمن ألحدَ فِي كتابه وشبَّهه بخَلْقِه ثُمَّ عدَّد أسماءه فِي كتابه، فلم يُقسم بشيءٍ ولم يَجعله مِن أسمائهِ فِي قوله ◙: (إِنَّ لله تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا) ثُمَّ ذكر كلامه كما ذكرَ نفسه ودلَّ عليه بما دلَّ عليه نفسه ليُعلم الخلق أنَّه صِفةٌ مِن صفات ذاته، فَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ} [الأنعام:91] فذمَّ الله اليَهُود حين نَفَت أَنْ تكون التوراة شيئًا، وَقَالَ: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ} [الأنعام:93] فدلَّ أَنَّ الوحي شيءٌ، فالمعنى: والذمُّ لمن جَحَد أنَّ كلامه شيءٌ وكلُّ صِفةٍ مِن صفاته تسمَّى شيئًا يعني: أنَّها موجودةٌ ولمَّا أظهرَ الله تَعَالَى اسم كلامه لم يظهِرهُ باسم الشيء، وإنَّما أظهرَه باسم الهدى والنُّور والكتاب، ولم يقل: مَن أنزل الكتاب الَّذِي جاء به موسى. قال به غيره، وتسمية الله تَعَالَى لنفسه بشيءٍ يردُّ قول مَن زعَمَ مِن أهل البدع أنَّه لا يجوز أن يُسمَّى الله بشيءٍ، وَهْوَ الناشئُ ونُظراؤه، وقولهم خِلافُ ما نصَّ عليه فِي كتابه وَهْوَ القائل: {شَيءٍ} إثبات الموجود ولا شيءَ نفيٌ، فبان أنَّ المعدوم ليس بشيءٍ خِلافًا لقول المعتزلة مِن أنَّ المعدوماتِ أشياءُ وأعوانٌ عَلَى ما يكون عليه فِي الوجود، وَهَذَا قولٌ يُفضي بقائله إِلَى قِدَم العالم ونفي الحَدَث والمحدِث؛ لأنَّ المعدوماتِ إذَا كَانَت عَلَى ما تكون عليه فِي الوجود أعيانًا لَمْ يكن لقُدرة الله على خلْقِها وحَدَثها تعلُّقٌ، وَهَذَا كفرٌ ممَّن قالَ به.