التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب فضل التسبيح

          ░65▒ بابُ فَضْلِ التَّسْبِيحِ.
          6405- ذكر فيه حديث أبي هُرَيْرَةَ ☺ أنَّ رسول الله صلعم قال: (مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ).
          6406- وحديث أبي هُرَيْرَةَ أيضًا: عن النَّبيِّ صلعم قال: (كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ، سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللهِ العَظِيمِ).
          هذا الحديث يأتي خاتمة «الصَّحيح»، ومعنى (التَّسبيح) في لغة العرب: التنزيهُ ممَّا نُسب إليه، ممَّا لا ينبغي مِن صاحبةٍ وولدٍ وشَريكٍ.
          قال وَهْبُ بن منبِّهٍ: ما مِن عبدٍ يقول: سبحان الله وبحمده إلَّا قال الله تبارك وتعالى: ((صدقَ عبدي سُبحاني وبحمدي)) فإن سأل أُعطي ما يسأل، وإن سكتَ غُفر له ما لا يُحصى.
          ورُوي عن رسول الله صلعم: ((صلاةُ الملائكة التَّسبيح، فأهلُ السَّماء الدُّنيا سجودٌ إلى يوم القيامة، يقولون: سُبحانَ ذي الملْكِ والملَكُوتِ، وأهلُ السماء الثانية قِيامٌ إلى يوم القيامة، يقولون: سُبحانَ ذي العزَّة والجبروتِ، وأهلُ السماء الثالثة قيامٌ إلى يوم القيامة، يقولون: سبحانَ الملك القُدُّوس. ورُوي عن ابن عبَّاسٍ ☻ في قوله تعالى: {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ} [الكهف:46] سبحانَ الله، والحمد لله، ولا إله إلَّا الله، والله أكبر، وهو قول سعيدِ بن المسيَّبِ ومجاهدٍ)). فإن قلت: هل ينوبُ شيءٌ عن تكرار التسبيح والتحميد؟ قيل: قد رُوي عن صَفيَّةَ ♦ قالت: مرَّ بي النَّبيُّ صلعم وأنا أسبِّحُ بأربعة آلاف نَوَاةٍ فقال: ((لقد قلتُ كلمةً هي أفضلُ مِن تسبيحكِ قلت: وما قلتَ؟ قال: قلتُ: سبحانَ الله عدَدَ ما خَلَقَ)).
          وعن كُرَيبٍ، عن ابن عبَّاسٍ ☻ أنَّ النَّبيَّ صلعم مرَّ على جُوَيريَّةَ في مُصَلَّاها باكرًا تُسبِّح وتذكرُ الله، فمضى لحاجته ورجع إليها بعد ما ارتفعَ النهار، فقال لها: ما زلتِ في مكانك هذا؟ قالت: نعم، فقال ◙: ((لقد تكلَّمْتُ بكلماتٍ لو وُزنت بما قلتِ لرجَحَتْ: سبحانَ اللهِ عددَ ما خَلَق، سبحان الله رِضَا نفسِهِ، سبحان الله زِنَةَ عَرْشِهِ، سبحانَ الله مِدَادَ كلماتِهِ، والحمدُ لله مثل ذلك)).
          وقال بعضُهم: هذه الفضائل التي جاءت عن رسول الله صلعم: ((مَن قال: سبحان الله وبحمده مئةَ مرَّةٍ غُفِر له)) وما شاكلَها إنَّما هي لأهل الشَّرف في الدَّين والكمال والطهارة مِن الجرائم العِظَام، ولا يظنَّ أنَّ مَن فعل هذا وأصرَّ على ما شاء مِن شهواته وانتهك دينَ الله وحُرماتِهِ، أنَّه يلحق السَّابقين المُطَهَّرِين، وينالُ منزلتهم في ذلك بحكايةِ أحرفٍ ليس معها تُقًى ولا إخلاصٌ ولا عملٌ، ما أظلمَه لنفسِهِ مِن تأوَّلَ دين الله على هواه!