التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الدعاء على المشركين

          ░58▒ بابُ الدُّعَاءِ عَلَى المُشْرِكِينَ.
          وقال ابن مسعودٍ ☺: قال النبي صلعم: (اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ). [النظر:1007].
          وقال: (اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلٍ).
          وَقَالَ ابن عُمَرَ: (دَعَا النَّبِيُّ صلعم فِي الصَّلاَةِ: اللَّهُمَّ العَنْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران:128]). سلف كل ذلك مُتَّصِلًا [خ¦1007] [خ¦240] [خ¦4069].
          ثمَّ أسندَ أحاديثَ:
          6392- أحدها: عن ابن أبي أَوْفى: (دَعَا النَّبيُّ صلعم عَلَى الأَحْزَابِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ سَرِيعَ الحِسَابِ، اهْزِمِ الأَحْزَابَ، اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ).
          6393- ثانيها: حديث أبي هُرَيْرَةَ ☺ (كَانَ ◙ إِذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِنْ صَلاَةِ العِشَاءِ قَنَتَ..) الحديث، إلى قوله: (اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ).
          6394- ثالثها: حديث أنسٍ ☺: (بَعَثَ النَّبِيُّ صلعم سَرِيَّةً يُقَالُ لَهُمْ القُرَّاءُ فَأُصِيبُوا..) الحديث، وفي آخره (يَقُولُ: إِنَّ عُصَيَّةَ عَصَتِ اللهَ وَرَسُولَهُ).
          6395- رابعها: حديث عائِشَةَ ♦: (كَانَت اليَهُودُ يُسَلِّمُونَ عَلَى رسول الله صلعم يَقُولُونَ: السَّامُ عَلَيْكَ..).
          6396- خامسها: حديث عليٍّ ☺ (قال النَّبيُّ صلعم يوم الخندق: مَلَأَ اللهُ بيوتهم وقُبُورَهُمْ نَارًا، كَمَا شَغَلُونَا عَنْ صَلاَةِ الوُسْطَى صَلاَةِ العَصْرِ).
          سلفَت في الاستسقاء والجهاد [خ¦2933] [خ¦1006] [خ¦2801] [خ¦2935] [خ¦2931].
          وإنَّما كان صلعم يدعو على المشركين على حسبِ ذنوبهم وإجرامهم، فكان يبالغ في الدُّعاء على مَن اشتدَّ أذاه على المسلمين أَلَا ترى لَمَّا يئس / مِن قومه قال: ((اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأتَكَ عَلَى مُضَرَ)) الحديثَ، وقال مرَّةً: ((اللَّهُمَّ أَعِنِّي عليهم)) الحديثَ.
          ودعا على أبي جهلٍ بالهلاك، ودعا على الأحزاب بالهزيمة والزلزلة، فأجاب الله دعاءَهُ فيهم، ودعا على الذين قتلوا القرَّاء شهرًا في القُنُوت، ودعا على أهل الأحزاب أن يُحرِّقهم في بيوتهم وقبورهم، فبالغ في الدُّعاء عليهم لشدة إجرامهم، ونهى عائِشَةَ عن اليَهُود باللَّعنة، وأمرها بالرِّفق في المعارضة لهم، والردِّ عليهم مثل قولهم، ولم يُبح لها الزيادة والتصريح، فيمكن أن يكون ذلك منه على وجه التألُّف لهم والطمع في إسلامهم.
          وأمَّا قوله في حديث ابن عُمَرَ ☻ حين لعن رسول الله صلعم المنافقين في الصَّلاة، فأنزل الله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران:128] فذهب بعض أهل التأويل إلى أنَّ هذه الآية ناسخةٌ للعنة المنافقين في الصَّلاة والدعاء عليهم، وأنَّه عُوِّض مِن ذلك القُنُوتَ في الصبح، رواه ابن وَهْبٍ وغيرُهُ.
          وأكثر العلماء على أنَّ الآية ليست ناسخةً ولا منسوخةً، وأنَّ الدعاء على المشركين بالهلاك وغيره جائزٌ، كدعاء الشَّارع في هذه الآثار المتواترة الثابتة.
          فَصْلٌ: فيه حجَّةٌ على أبي حنيفة في قوله: لا يُدعى في الصَّلاة إلَّا بما في القرآن، وإن دعا بغيره بَطَلَت.
          والوَطْأة: الأخذُ بالشَّديدة وقال الدَّاوديُّ: هي الأرضُ.
          وقوله: (اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ) هو عمِّ أبي جهلٍ، كما قاله الدَّاوديُّ، فعلى هذا اسم أبي جهلٍ هِشَامٌ، واسم جدِّه هِشَامٌ أيضًا، قال: والوليد بن الوليد ابن عمِّه.
          فَصْلٌ: وقوله: (عَنْ صَلاَةِ الوُسْطَى وهي صلاة العصر) ظاهرٌ في ذلك، وبه قال أبو حنيفة وابنُ حبيبٍ، ومذهب الشَّافعيِّ ومالكٍ أنَّها الصبح، وانفصل ابن القصَّار عن هذا الحديث، بأنَّهم شغلونا ذلك اليوم عن الظهر والعصر والمغرب، وأنَّ العصرَ وسط هذه الثلاث وقال / ابن القَابِسيِّ: هما وسطان الصبح بالقرآن والعصر بالسُّنَّة، وفيها عدَّة مذاهبَ أُخرَ سلفت الإشارة إليها [خ¦2931].
          فَصْلٌ: فيه القُنُوت في الصبح وبه قال مالكٌ والشَّافعيُّ، واختلفا في محلِّه، وخالف أبو حنيفةَ وأحمدُ ويحيى بن يحيى المالكيُّ.
          فَصْلٌ: قوله: (يُقَالُ لَهُمْ القُرَّاءُ) كانوا سبعين.
          وقوله: (فَفَطِنَتْ عَائِشَةُ) هو بفتح الطَّاء.