التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الدعاء إذا انتبه بالليل

          ░10▒ بابُ الدُّعَاءِ إذا انْتَبَهَ مِن اللَّيْلِ.
          6316- ذكر فيه حديث ابن عبَّاسٍ ☻: (بِتُّ عِنْدَ مَيْمُونَةَ ♦).
          6317- وحديث ابن عبَّاسٍ ☻: (كَانَ صلعم إذا قَامَ مِنَ اللَّيلِ يَتَهَجَّدُ قَال: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ...) إلى آخره.
          وقد سلفا في الصَّلاة [خ¦697] [خ¦1120].
          وكان صلعم يدعو في أوقات ليلهِ ونهارهِ وعند نومه ويقظته بنوعٍ مِن الدُّعاء يصلُحُ لحاله تلك ولوقته ذلك، فمنها أوقاتٌ يدعو فيها ويعيَّنُ له ما يدعو فيه في أوقات الخَلْوةِ وعند فراغ باله، وعلمه بأوقات / الغفلةِ التي يُرجى فيها الإجابة فكان يلحُّ عند ذلك ويجتهدُ في دعائه، أَلَا ترى سؤاله له حين انتبه مِن نومه أن يجعل في قلبه نورًا، وفي بصره نورًا، وفي سمعه نورًا، وجميع جوارحه؟! ومنها أوقاتٌ كان يدعو فيها بجوامع الدُّعاء ويقتصر على المعاني دون تعيينٍ وشرحٍ، فينبغي الاقتداءُ به في دعائه في تلك الأوقات والتأسِّي به في كلِّ الأحوال.
          فَصْلٌ: قوله في آخر حديث ابن عبَّاسٍ ☻ الأوَّل بعد قوله: (وَاجْعَلْ لِي نُورًا): (قَالَ كُرَيْبٌ: وَسَبْعٌ فِي التَّابُوتِ، فَلَقِيتُ رَجُلًا مِنْ وَلَدِ العَبَّاسِ فَحَدَّثَنِي بِهِنَّ، فَذَكَرَ عَصَبِي وَلَحْمِي وَدَمِي وَشَعَرِي وَبَشَرِي، وَذَكَرَ خَصْلَتَيْنِ) يعني أنَّه أُنسيَ سبعَ خصالٍ مِن الحديث على ما يُقال لمن لم يحفظ العلم: عِلْمه في التَّابُوت، وعِلْمه مُستودعٌ في الصُّحف، وليس كُرَيبٌ القائلُ: (فَلَقِيتُ رَجُلًا)، وإنَّما قاله سَلَمَةُ بن كُهَيْلٍ الرَّاوي عن كُرَيبٍ، سأل العباسيَّ عنهنَّ حين نسيهُنَّ كُرَيبٌ، فحفظ سَلَمَةُ منهنَّ خمسًا ونسيَ أيضًا خصلتين، كذا في ابن بطَّالٍ أنَّه سأل العباسِيَّ، والذي في البخاريِّ ما سلف، قال: وقد وجدت الخصلتين مِن رواية داودَ بن عليِّ بن عبد الله بن عبَّاسٍ، عن أبيه وهما: ((اللَّهُمَّ اجعل نورًا في عِظَامي، ونورًا في قبري)).
          وقال الدَّاوديُّ أيضًا: قوله: (وَسَبْعٌ فِي التَّابُوتِ)، يقول: هنَّ في صحيفةٍ في تابوتِ ولدِ العبَّاس وأتى بهنَّ كنايةً جعلهنَّ جوارحَ قال: والخصلتان العَظْمُ والمخُّ، وقيل: يريد: (في تابوتٍ)، أي: في صدرِهِ.
          فَصْلٌ: قوله: (فَتَمَطَّيْتُ، كَرَاهِيَةَ أَنْ يَرَى أَنِّي كُنْتُ أَبْقِيهِ)، وذكره ابن بطَّالٍ بلفظ: <أبغيه> بالغين المعجمة، ثمَّ قال: التَّمَطِّي: التمدُّد أي: تمدَّدتُ، يُظهِرُ استيقاظَه حينئذٍ.
          و(أَرتقبُهُ): أرصدُهُ، قال الخليل: يُقال: بغيتُ الشيءَ أَبْغِيهِ: إذا نظرتُ إليه ورَصَدتُهُ.
          وإنَّما فعلَ ابن عبَّاسٍ ذلك ليُريَ رسول الله صلعم أنَّه كان نائمًا، وأنَّه لم يَرْصُده إذ كلُّ أحدٍ إذا خلا في بيته قد يأتي مِن الأفعال ما يحبُّ ألَّا يطَّلعَ عليه أحدٌ، وإنَّما حمل ابن عبَّاسٍ على ذلك الحرصُ على التعليم ومعرفة حركاته صلعم في ليلِهِ، وقد أسلفنا في الصَّلاة أنَّ العبَّاسَ والدَه كان أوصاه بذلك.
          وذكره ابن التِّين بلفظ: <أَبْقيه> كما أسلفناه بالقاف، وقال: قال أبو سُلَيْمَانَ: أي: أرقبُهُ وأنظُرُهُ، قال: يُقال: أبقيتُ الشيءَ أبقيهِ بَقْيًا، قال: وذكره الشيخ أبو الحسن في روايته بالغين مِن بغيتُ الشيءَ إذا طلبْتُهُ.
          فَصْلٌ: فيه: الحرصُ على التعليم، والرِّفق بالعلماء، وتركُ التعرُّض إلى ما يُعلم أنَّه يشقُّ عليهم.
          فائدة: روى الطَّبَرِيُّ عن مَعْقِلِ بن يَسَارٍ، عن أبي بكرٍ الصدِّيق ☺ أنه ◙ قال: ((الشِّرْكُ أَخْفى فيكم مِن دَبِيبِ النَّمْلِ فقلتُ: يا رسولَ الله، فكيفَ المنْجَا أو المخْرَجُ مِن ذلك؟ قال: أَلَا أُعلِّمُكَ شيئًا إذا فعلْتَهُ بَرِئتَ مِن قليلهِ وكثيرهِ وصغيرهِ وكبيرهِ؟ قال: قلتُ: بلى يا رسول الله، قال: قل: اللَّهُمَّ إنِّي أعوذ بك أن أُشركَ بك وأنا أعلم، وأستغفرُكَ لِمَا لا أعلمُ، تقولها ثلاثَ مرَّاتٍ)).
          فَصْلٌ: في ألفاظٍ وَقَعت في الحديث الأوَّل: شِناق القِرْبَة: ما تُشَدُّ به من رِباطٍ أو سَيْرٍ أو خيطٍ ونحوه.
          وقوله: (فَتَتَامَّتْ) قال الدَّاوديُّ: تقول تأمَّلت ورَعَيت، والعصبُ بفتح الصاد جمع عَصَبَةٍ، وهي: أطنابُ المفَاصِلِ.
          فَصْلٌ: قوله في حديثه الثاني: (إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ) أي: يصلِّي، هذا هو المراد، وقال ابن التِّين: أي: يسهرُ، وهو مِن الأضداد يُقال: هَجَدَ وتهجَّد إذا نامَ، وَهَجَدَ وتهجَّد إذا سَهِر قاله الجَوْهَرِيُّ، وقال الهَرَويُّ: تهجَّد إذا سَهِر وألقى الهُجُودَ _وهو النَّوم_ عن نفسِهِ، وهَجَدَ: نامَ، وقال النَّحَّاسُ: التَّهجُّد عند أهل اللُّغةِ: السَّهر، والهُجُود: النَّوم، وقال ابن فارسٍ الهاجِدُ: النائم، والمتهجِّدُ: المصلِّي ليلًا.