التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: يستجاب للعبد ما لم يعجل

          ░22▒ بابٌ يُسْتَجَابُ للعَبْدِ مَا لَمْ يَعْجَلْ.
          6340- ذكر فيه حديث أبي هُرَيْرَةَ ☺ (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: يُسْتَجَابُ للعبد مَا لَمْ يَعْجَلْ، يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي).
          معنى (مَا لَمْ يَعْجَلْ): يسأمُ الدُّعاء ويتركه فيكون كالمانِّ بدعائِهِ، وأنَّه قد أتى مِن الدُّعاء ما كان يستحقُّ به الإجابة فيصير كالمتعجِّلِ لربِّ كريمٍ لا تُعْجِزُهُ الإجابة، ولا يُنْقِصُهُ العَطَاءُ، ولا تضرُّه الذُّنُوبُ.
          وروى ابن وَهْبٍ، عن مُعَاوِيَةَ، عن ربيعةَ بن يزيدَ، عن أبي إدريسٍ الخَوْلَانِّي، عن أبي هُرَيْرَةَ ☺ أنَّ النَّبيَّ صلعم قال: ((لا يزال يُستجابُ للعبد ما لم يدعُ بإثمٍ أو قَطِيعةِ رَحِمٍ، ما لم يستعجل. قيل: يا رسول الله، وما الاستعجالُ؟ قال: يقول: لقد دعوتُ وقد دعوتُ فلم يُستجب لي، فيَسْتَحْسِرُ عند ذلك ويدعُ الدُّعاءَ)).
          وقال أبو هُرَيرةَ ☺: ((يقول: لقد دعوتُ فما استجاب أو ما أغنيتُ شيئًا)).
          ومعنى (يَسْتَحْسِرْ) عند ذلك: ينقطعُ قال تعالى: {وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ} [الأنبياء:19]. وقالت عائِشَةَ ♦ في هذا الحديث: ((ما لم يَعْجَل أو يَقْنَط)).
          وقال بعضُهم: إنَّما يَعْجَلُ العبد إذا كان غرضُهُ مِن الدُّعاء نيلُ ما سألَ، فإذا لم ينل ما يريد ثقُل عليه الدُّعاء، ويجب أن يكون غرضُ العبد مِن الدُّعاء هو الدُّعاء لله والسؤال منه والافتقار إليه أبدًا، ولا يفارقُ سِمَةَ العبودية وعلامَةَ الرِّقِّ والانقيادَ للأمر والنَّهي والاستسلامَ لربَّه تعالى بالذِّلة والخشوع فإنَّ الله تعالى يحبُّ الإلحاح في الدُّعاء، وقال بعض السلف: لأَنَا أشدُّ خشيةً أن أُحرم الدُّعاء مِن أن أُحرم الإجابة، وذلك أنَّ الله تعالى يقول: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] فقد أَمَرَ بالدعاء ووعَدَ بالإجابة وهو لا يخْلِفُ الميعاد.
          ورُوي عن رسول الله صلعم: ((ما مِن داعٍ يدعو إلَّا كان بين إحدى ثلاث: إما أن يُستجاب له، وإما أن يُدَّخَر له، وإما أن يُكفَّر عنه))، وقد سلف، ففي هذا الحديث دليل أنَّ الدُّعاءَ مجابٌ إمَّا معجَّلًا وإمَّا مؤجَّلًا.
          وقد رُوي عن قَتَادَةَ أنَّه قال: إنَّما يُجاب مِن الدُّعاء ما وافَقَ القَدَرَ؛ لأنه صلعم قد دعا أَلَّا يُجعل بأس أمَّته بينهم فمُنعها لِمَا سبق في علمِهِ وقَدَرِهِ مِن كون الاختلاف والبأس بينهم، وقد سلف ذلك أيضًا [خ¦3176].
          وقال ابن الجوزيِّ: اعلمْ أنَّ الله لا يردُّ دعاءَ المؤمنِ مِن غير أنَّه قد تكون المصلحةُ في تأخير الإجابة وقد لا يكون سألَهُ مصلحةً في الجملةِ فيعوِّضُهُ عنه بما يُصْلِحُهُ في الجملة، وربما أخَّر تعويضَهُ إلى يوم القيامة، فينبغي للمؤمن أَلَّا يقطع المسألة لامتناع الإجابة فإنَّه بالدُّعاء متعبَّدٌ، وبالتَّسليم إلى ما يراه الحقُّ تعالى مصلحةً مفوَّضٌ.