التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب التعوذ من غلبة الرجال

          ░36▒ بابُ التَّعُوُّذِ مِن غَلَبَةِ الرِّجَالِ.
          6363- ذكر فيه حديث أنسٍ ☺ قال: (قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم لِأَبِي طَلْحَةَ: التَمِسْ لَنَا غُلاَمًا مِنْ غِلْمَانِكُمْ يَخْدُمُنِي، فَخَرَجَ بِي أَبُو طَلْحَةَ يُرْدِفُنِي وَرَاءَهُ، فَكُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللهِ صلعم كُلَّمَا نَزَلَ، فَكُنْتُ أَسْمَعُهُ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ وَالحَزَنِ، وَالعَجْزِ وَالكَسَلِ، وَالبُخْلِ، وَالجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ فَلَمْ أَزَلْ أَخْدُمُهُ حَتَّى أَقْبَلْنَا مِنْ خَيْبَرَ، وَأَقْبَلَ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ قَدْ حَازَهَا، فَكُنْتُ أَرَاهُ يُحَوِّي لها وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ...) الحديث، وقد سلف [خ¦371].
          ومعنى (يُحَوِّي وَرَاءَهُ) أي: يجعل لها حَوِيَّةً، خيفةَ أن تسقطَ، وهي التي تُعمل حولَ سَنَامِ البعير.
          قال القاضي: كذا رُوِّيناه (يُحَوِّي): بضمِّ الياء وفتح الحاء وتشديد الواو، وذكر ثابتٌ والخطَّابيُّ بفتح الياء وإسكان الحاء وتخفيف الواو، ورُوِّيناه كذلك عن بعض رواة البخاريِّ، وكِلاهما صحيحٌ، وهي أن يجعل لها حَوِيَّةٌ، وهي كِسَاءٌ محشوٌّ بليفٍ يُدار حول سَنَامِ الرَّاحلةِ، وهي مَرْكَبٌ مِن مراكبِ النِّساء، وقد رواه ثابتٌ <يحول> باللام، وفسَّره: يصلحُ لها عليه مَرْكَبًا.
          أمَّا تعوُّذه مِن (الهمِّ) فهو: الغمُّ والحزنُ، قال القزَّاز: ويحتمل أن يكون مِن همَّه المرض أي أذابَهُ وأنحلَهُ، مأخوذ مِن همَّ الشَّحْم إذا أذابه، فيكون تعوُّذه مِن المرض الذي يَنْحَلُ جسمَهُ.
          و(البُخْل): بفتح الباء والخاء وبضمِّ الباء وسكون الخاء كما سيأتي [خ¦4383].
          و(الجُبْن): بضمِّ الجيم والباء وسكونها.
          و(ضَلَع الدَّيْن): ثقلُهُ بفتح الضَّاد واللام، وقد تؤدِّي ضرورته إلى أن يُحدِّث فيكذبَ، ويَعِدَ فيُخْلِفَ.
          ويُقال: ما دخل همَّ الدَّيْن قلبَ أحدٍ إلَّا ذهبَ مِن عقلِهِ ما لا يعودُ إليه أبدًا، وهذا في الدَّيْن الفادح.
          فَصْلٌ: قوله: (فَلَمْ أَزَلْ أَخْدُمُهُ) يعني: إلى موتهِ، ثمَّ ابتدأ فقال: (حَتَّى إِذَا أَقْبَلْنَا)، يقول: فلمَّا أقبلنا.
          فَصْلٌ: العباءة بالمدِّ: ضَرْبٌ مِن الأَكْسِية، و(الصَّهْبَاء): مِن أدنى خيبرَ إلى جهة المدينةِ.
          الحَيْس: تمر يُخلط بسمنٍ وأَقِطٍ قال الرَّاجز:
التَّمْرُ والسَّمْنُ معًا ثمَّ الأَقِط                     الحَيْسُ إلّا أنَّهُ لم يَخْتَلِطْ
          وقال الدَّاوديُّ: هو شيءٌ يُصنع مِن التَّمر والسَّويق والسَّمن أو الزَّيت، وربَّما كان مع ذلك أَقِطٌ.
          وقوله: (وَكَانَ ذَلِكَ بِنَاءَهُ بِهَا) فيه حجَّةٌ على مَن أنكرَ أن يُقال: بنى الرجل بأهلِهِ، وقال: إنَّما يقال: بنى عليها.
          وقوله: (بَارِكْ لَهُمْ فِي مُدِّهِمْ وَصَاعِهِمْ) أي: فيما يُكال بهما.