التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب فضل التهليل

          ░64▒ بابُ فَضْلِ التَّهْلِيلِ.
          6403- ذكر فيه حديث أبي هُرَيْرَةَ ☺ أنَّ رسول الله صلعم قال: (مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ، يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ إِلَّا رَجُلٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْهُ).
          6404- ثمَّ روى بإسناده عن عُمَرَ بن أبي زائدَةَ، عن أبي إسحاقَ، عن عَمْرِو بن ميمونٍ قال: (مَنْ قَال عَشْرًا كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ). قال عُمَرُ بن أبي زَائِدَةَ: وحدَّثنا عبدُ اللهِ بن أبي السَّفَرِ، عن الشَّعْبِيِّ، عن ربيعِ بن خُثَيمٍ مثلَهُ. فقلت للرَّبيع: ممَّن سمعتَهُ؟ قال: من عَمْرِو بن ميمونٍ، فأتيت عَمْرَو بن ميمونٍ فقلتُ: ممَّن سمعتَهُ؟ فقال: مِن ابن أبي ليلى، فأتيتُ ابن أبي ليلى فقلت: ممَّن سمعتَهُ؟ قال: من أبي أيُّوبَ الأنصاريِّ يحدِّثه عن النَّبيِّ صلعم.
          وقال إبراهيمُ بن يُوسُفَ عن أبيه عن أبي إسحاقَ، قال: حدَّثني عَمْرُو بن ميمونٍ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبي أيُّوبَ قوله.
          وقال: حدَّثنا موسى حدَّثنا وُهَيبٌ، عن داودَ، عن عامرٍ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبي أيُّوبَ، عن النَّبيِّ صلعم.
          قلت: أخرجه النَّسائيُّ عن محمَّد بن إسماعيلَ بن إبراهيمَ، عن يزيدَ بن داودَ، عن عامرٍ، ورواه ابن أبي شيبة في «مصنَّفِهِ»، عن يزيدَ بن هَارُونَ عن داودَ.
          قال البخاريُّ: وقال إسماعيلُ عن الشَّعْبِيِّ عن الرَّبيع قوله.
          قلت: (إسْمَاعِيلُ) هو ابن أبي خالدٍ. أخرجه النَّسائيُّ، عن أحمدَ بن سُلَيْمَان، عن يَعْلَى بن عُبَيدٍ، عن إسماعيلَ، عن عامرٍ، عن الرَّبيع بن خُثَيمٍ، عن عَمْرو بن ميمونٍ فلقيت عَمرًا، عن ابن أبي ليلى فلقيت ابن أبي ليلى، عن أبي أيُّوبَ. قال الدَّارَقُطنيُّ: ورواه عن عليِّ بن عاصمٍ، عن إسماعيلَ مرفوعًا، وتابعَ يَعْلَى على وقفِهِ ابنُ عُيَيْنَةَ، ويزيدُ بن عطاءٍ، ومحمَّدُ بن إسحاقَ، ويحيى بن سعيدٍ الأُمَويُّ.
          قال البخاريُّ: وقال آدمُ: حدَّثنا شُعْبَةُ، حدَّثنا عبد الملك بن مَيْسَرةَ، سمعتُ هلال / بن يَسَافٍ، عن الربيع بن خُثَيمٍ وعَمْرو بن ميمونٍ، عن ابن مسعودٍ قولَهُ.
          قلت: رواه النَّسائيُّ عن بُنْدَارٍ، عن غُنْدَرٍ، عن شُعْبَةَ به. ووقع في «علل الدَّارَقُطنيِّ»: أنَّ البخاري قال فيه: حدَّثنا آدم. ولا منافاة بين الرفع والوَقْفِ لأنَّ العالم يقوله ولا يذكر الرِّواية فيه.
          وقال البخاريُّ: وقال الأعمشُ وحُصَينٍ، عن هلالٍ، عن الرَّبيع، عن عبدِ اللهِ قوله.
          قلت: أخرجه النَّسائيُّ عن حاجبِ بن سُلَيْمَانَ، عن وكيعٍ، عن الأعمشٍ، وعن أحمدَ بن حربٍ، عن ابن فُضَيلٍ، عن حُصَينٍ، كِلاهما عن هلالٍ به. ولَمَّا ذكرَ الدَّارَقُطْنيُّ رواية الأعمشِ وحُصَينٍ قال: صحَّت الروايتان جميعًا، وكلُّهم وقفَ الحديث.
          ثمَّ قال البخاريُّ: ورواهُ أبو محمَّدٍ الحَضْرَميُّ، عن أبي أيُّوبَ، عن رسول الله صلعم. قلت: وأبو محمدٍ هذا ذكره الحاكم وأبو عُمَرَ وغيرهما فيمن لا يُعرف اسمُهُ، وقال أبو زُرعةَ: لا أعلم أحدًا سمَّاهُ، وهو غلامُ أبي أيُّوبَ. وزعم المِزِّيُّ أنَّ اسمَه: أفلحُ وعلَّمَ له علامةً (م) وفيه وقفة لأنَّ أفلحَ مولى أبي أيُّوبَ اسمُ أبيهِ كَثِيرٌ وتوفِّي في الحرَّةِ، روى عنه جماعةٌ منهم محمَّدُ بن سِيرينَ، وعن عُثْمَانَ وغيره، ولم أرَ له كُنيةً، وادَّعى أبو عُمَرَ في «الاستغناء» أنَّهُ روى عن أبي أيُّوبَ حديثين: أحدهما في أعلام النُّبوَّةِ، والثاني: ((أنَّ رجلًا قال خلفَ رسول الله صلعم: الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا))، وأهمل حديث الباب.
          وقال الدَّارَقُطنيُّ: لا يُعرف أبو محمَّدٍ إلَّا في هذا الحديث فقط.
          ثمَّ قال البخاريُّ: قال عَمْرٌو: حدَّثنا عبد الله بن أبي السَّفرِ، عن الشَّعْبِيِّ، عن الرَّبيع بمثله: (كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ) يعني: مثل حديث أبي محمَّدٍ الحَضْرَمِيِّ.
          قلت: أخرجه الدَّارَقُطْنيُّ مِن حديث حمَّادِ بن الحَسَنِ، حدَّثنا حجَّاجُ بن نُصَيرٍ، حدَّثنا شعبة، عن عبد الله بن أبي السَّفَرِ، عن الشَّعْبِيِّ، عن ابن أبي ليلى، عن أبي أيُّوبَ، عن رسول الله صلعم: ((من قال: لا إله إلا الله..)) الحديثَ، وفيه: ((كان كَعْدلِ عشر رقابٍ مِن ولد إسماعيلَ))، رفعه حجَّاجٌ وغيره يُوقِفُهُ.
          ثمَّ ذكر في موضعٍ آخرَ أنَّ عُمَرَ بن أبي زَائِدَةَ رواه عن ابن أبي السَّفرِ عن الشَّعْبِيِّ عن الرَّبيع، إلَّا أنَّه رفعَهُ إلى رسول الله صلعم، ثمَّ من حديث أبي عامرٍ، حدَّثنا عُمَرُ بن أبي زَائِدَةَ، عن أبي إسحاقَ، عن عَمْرِو بن مَيْمُونٍ قال: ((مَن قال: لا إله إلَّا الله وحدَه لا شريك له، له الملْكُ وله الحمدُ، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ، عشرَ مرَّاتٍ كان كمن أعتقَ أربعةَ أنفسٍ مِن ولد إسماعيلَ)). قال: والحديث حديث ابن أبي السَّفَرِ، عن الشَّعْبِيِّ، وهو الذي ضبطَ الإسناد.
          وقال التِّرْمِذيُّ لَمَّا رواه مِن حديث الشَّعْبِيِّ، عن عبد الرَّحمن، قال: ورُوي هذا عن أبي أيُّوبَ موقوفًا.
          وفي بعض نُسخ البخاريِّ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَالصَّحِيحُ قَوْلُ عَمْرٍو في رواية عُمَر، ورواه النَّسائيُّ مِن حديث ابن مَهْدِيٍّ، عن سُفْيَانَ عن مَنْصُورٍ، عن هلالِ بن يَسَافٍ، عن أبي الدَّرداء قوله، فذكره.
          وروى ابن أبي شيبَةَ في «مصنَّفهِ» مِن حديث لَيث عن طَلْحَةَ، عن عبد الرَّحمن بن عَوْسَجةَ، عن البراء مرفوعًا: ((مَن قال: لا إله إلَّا الله وحدَه لا شريك له، له الملْكُ وله الحمدُ، بيده الخير، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ، عشرَ مرَّاتٍ كُنَّ له عَدْلَ عَشْرِ رقابٍ)) الحديث.
          فَصْلٌ: روى جابرُ بن عبدِ الله ☻، عن رسول الله صلعم أنَّهُ قال: ((أفضلُ الذِّكْرِ التهليلُ: لا إله إلَّا اللهُ، وأفضلُ الدُّعاء: الحمدُ لله)).
          وقال ◙: ((أفضلُ ما قلتُ أنا والنَّبيُّونَ مِن قبلي لا إله إلَّا الله)) كذا أوردَه ابن بطَّالٍ، وقد قيل: إنَّه اسمُ الله الأعظمُ.
          وذكر الطَّبَرِيُّ مِن حديث سعيدِ بن أبي عَرُوبةَ، عن عبدِ اللهِ بن بابا المكِّيِّ، عن عبدِ اللهِ بن عَمْرِو بن العاصي قال: إنَّ الرجل إذا قال: لا إله إلَّا الله، فهي كلمة الإخلاص التي لا يَقبل الله عملًا حتَّى يقولها فإذا قال: الحمدُ لله فهي كلمة الشُّكر التي لم يشكر اللهَ أحدٌ حتَّى يقولها.
          وروى الأعمشُ، عن مجاهدٍ، عن ابن عباس قال: ((مَن قال: لا إله إلَّا الله فَلْيَقُل على إِثْرها: الحمدُ لله ربِّ العالمين)) وقد روى سعيدُ بن جُبَيرٍ، عن ابن عبَّاسٍ مرفوعًا: ((أوَّلُ مَن يدخلِ الجنَّة الحمَّادُونَ الذين يحمدون الله في السَّراء والضَّرَّاء)).
          وقال ◙: ((مَن قال: أُشهدكَ أنَّ ما أصبحَ بي مِن نعمةٍ فمنك وحدَك لا شريكَ لك، لك الحمد والشكر، فقد أدَّى شكرَ ذلك اليوم)).
          وكان صلعم إذا أتاه أمر يكرهُهُ قال: ((الحمدُ لله على كلِّ حالٍ وإذا رأى أمرًا يسرُّه قال: الحمدُ لله الذي بنعمتهِ تَتِمُّ الصَّالحاتُ)).
          فَصْل: وقوله: (عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ) أي: مثل أجرِها. قال ابن التِّين: وقرأناه بفتح العين، قال الأخفش: العِدل _بالكسر_ المِثْل، وبالفتح أصلُهُ، مصدر قولك: عَدْلَتُ لهذا عَدْلًا حَسَنًا، تجعله اسمًا، فَتُفَرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِدْل المَتاع. وقال الفرَّاء: الفتحُ: ما عَدَلَ الشيءَ مِن غيرِ جِنْسِهِ، والكسرُ المِثْلُ، فإذا أَرَدْتَ قِيْمَتَهُ مِن غيرِ جِنْسِهِ نَصَبْتَ، وربَّما كسرَها بعضُ العربِ، وكأنَّه منهم غَلَطٌ.
          فَصْلٌ: قوله: (إِلَّا رَجُلٌ) هو بالرَّفْع، مثلُ قوله تعالى: {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} [النساء:66] وقرأ ابن عامِرٍ بالنَّصْب على الاستثناء، وهو بعيدٌ في النفي.
          فَصْلٌ: وقوله: (مَنْ قَالَ عَشْرًا، كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ) قيل: يحتمل أن يكون مفسِّرًا للآخر، وتكون العشرة المتقدِّم ذِكرُها مِن ولدِ إسماعيلَ أيضًا، ووجهُ كونها منهم أنَّ عِتْقَ مَن كان مَن ولَدٍ له فضلٌ على عِتْقِ غيرِهِ، وذلك أنَّ محمَّدًا وإسماعيلَ وإبراهيمَ صلوات الله وسلامه عليهم بعضهُم مِن بعضٍ.