التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: ليعزم المسألة فإنه لا مكره له

          ░21▒ بابٌ لِيَعْزِم المَسْأَلَةَ، فإنَّهُ لا مُكْرِهَ لَهُ.
          6338- ذكر فيه حديث أنسٍ ☺ أنَّه صلعم قال: (إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلْيَعْزِمِ المَسْأَلَةَ، وَلاَ يَقُولَنَّ: اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ فَأَعْطِنِي، فَإِنَّهُ لاَ مُكرِهَ لَهُ).
          6339- وحديث أبي هُرَيْرَةَ ☺ أنَّ رسول الله صلعم قال: (لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ، لِيَعْزِمِ المَسْأَلَةَ، فَإِنَّهُ لاَ مُكْرِهَ لَهُ).
          معنى: (لِيَعْزِمِ المَسْأَلَةَ): يجتهدُ في الدُّعاء ويلحُّ، كما قاله الدَّاوديُّ، ولا يقل: إن شئتَ كالمستثني، ولكن دعاءُ البائسِ الفقيرِ، والهاء في قوله: (لاَ مُكْرِهَ لَهُ) يعود على الله تعالى.
          وقوله: (مَا لَمْ يَعْجَلْ) أي: يصير كمن يرى أنَّه محقوقٌ له أن يُجاب، وإذا فعل هذا بطل وجوب الثلاثة السابقة بيانُها، وهي: الإجابة فيما سأل، أو يُكفَّرُ عنه، أو يُدَّخر له.
          ومعنى: (لاَ مُكْرِهَ) أي إنَّه يفعل ما يشاء من غير إكراهِ أحدٍ له على ذلك، فظهر أنَّه / ينبغي للمؤمن أن يجتهد في الدُّعاء ويكون على رجاءٍ مِن الإجابة، ولا يقنطَ مِن رحمة الله لأنه يدعو كريمًا، فبذلك تواترت الآثار عن رسول الله صلعم. روى شُعْبَة عن العلاءِ عن أبيه عن أبي هُرَيْرَةَ ☺، عن رسول الله صلعم قال: ((إذا دعا أحدُكُم فلا يقولنَّ: إن شئتَ أعطني، ولكن لِيُعْظِم رغبتَهُ فإنَّ الله لا يَتَعَاظَمُ عليه شيءٌ أَعْطَاهُ)). قال الله ╡: ((أنا عند ظنِّ عبدي بي وأنا معه إذا دعاني، وإن تقرَّب منِّي شبرًا تقرَّبت منه ذراعًا..)) الحديث.
          وروى أبو عاصمٍ عن ابن جُرَيجٍ عن أبي الزُّبَير، عن جابرٍ ☺، عن النَّبيِّ صلعم قال: ((لا يموتنَّ أحدُكُم إلَّا وهو يُحْسِنُ الظنَّ بالله تعالى)).
          وقال ابن مسعودٍ: واللهِ الذي لا إله إلَّا هو ما أُعطي عبدٌ مؤمنٌ قطُّ خيرًا مِن حُسن الظَّنِّ بالله، والله الذي لا إله إلَّا هو لا يُحْسِنُ عبدٌ الظنَّ إلَّا أعطاه اللهُ الذي ظنَّه وذلك أنَّ الخيرَ في يديه.
          وقال سُفْيَانُ بن عُيَيْنَةَ: لا يمنعنَّ أحدًا مِن الدُّعاء ما يَعْلَمُ مِن نفسه، فإنَّ الله أجاب دعاءُ شرِّ الخَلْقِ إبليسَ: {قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ. قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ} [الحجر:36- 37].