التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب دعوة النبي لخادمه بطول العمر وبكثرة ماله

          ░26▒ بابُ دَعْوةِ النَّبيِّ صلعم لخَادِمِهِ بِطُولِ العُمُرِ وبِكَثْرةِ مَالهِ.
          6344- ذكر فيه حديث أنسٍ ☺ قال: (قَالَتْ أُمِّي: يَا رَسُولَ اللهِ، خَادِمُكَ أنسٌ، ادْعُ اللهَ لَهُ، قَالَ: اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتَهُ).
          وترجم عليه فيما سيأتي باب: الدُّعاء بكثرة المال مع الولد والبَرَكَة، ثم ترجم عليه: باب: الدُّعاء بكثرة الولد مع البركة.
          فأمَّا ما ترجم له فهو ظاهرٌ خَلَا طولَ العمر فلم يذكر فيه هنا وإن كان ورد، ويُؤخذ أيضًا مِن دعوته بكثرة الولد لأنَّه لا يكون إلَّا في كثيرٍ مِن السنين، فدعاؤه له بكثرة الولد دعاءٌ له بطول العمر، ويدخل أيضًا في قوله: (وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتَهُ) والعُمُر ممَّا أعطاه.
          وأمَّا كثرة مالِهِ فكانت نخلُه تطرح في السنَّة مرَّتين، وأمَّا كثرة ولدِهِ فهو أحدُ الصَّحابة الذين لم يموتوا حتَّى رُئي مِن صُلبهم مئةَ ولدٍ ذكرٍ، وقد قال عن نفسه: أحصيتُ أنَّه دخل مِن بطني الأرضَ إلى مَقْدَمِ الحجَّاج البصرةَ بِضْعٌ وعشرون ومئة نسمةٍ، وكان دخوله إيَّاها في سنة خمس وسبعين، ووُلد له بعد قدومه أولادٌ ببركته ودعائه ◙، وأمَّا عمرُهُ فجاوز المئة كما سلف في الإيمان [خ¦1982].
          ودعا له برابعةٍ وهي المغفرةُ، وتُرجى له.
          فإن قلت: فما معنى دعائه له بطول العُمُر وقد علم أنَّ الآجال لا يُزاد فيها ولا يُنقص منها على ما كُتب في بطنِ أمِّه؟ قيل: معناه _والله أعلم_ أنَّ الله تعالى يكتبُ أجلَ عبده إن أطاعه واتَّقاه كذا وإلَّا كان أقلَّ منه. يوضِّحه قوله تعالى في قِصَّةِ نوحٍ حين قال لقومه: {اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ. يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [نوح:3-4]، أي قَضَى به لكم إذا أطعتم، فإن عصيتم لم يؤخِّركم إلى ذلك الأجل، وكلٌّ قد سبق في عِلْمِهِ مقدارُ آخِره على ما يكون مِن فعله.
          قال ابن قُتَيبةَ: ومثلُهُ ما رُوي أنَّ الصَّدَقَةَ تدفع القضاءَ المبرمَ وأنَّ الدُّعاء يدفع البلاء، وقد ثبتَ أن لا رادَّ لقضاء الله، ومعنى ذلك أنَّ المرء قد يستحقُّ بالذنوب قِصَاص العُقُوبة، فإن هو تصدَّق دفَعَ عن نفسه ما استحقَّ مِن ذلك، يوضِّحه قوله: ((إنَّ صدقة السِّرِّ تُطفِئُ غضب الربِّ)).
          أفلا ترى أنَّ مَن غضِبَ الله عليه فقد تعرَّض لعقابه فإذا زال ذلك الغضبُ بالصَّدَقة زال العقاب، وكذلك الدعاء يُرفع إلى الله فيوافقُ البلاء / نازلًا مِن السماء فَيُزيله ويصرفُهُ، وكلُّ ذلك قد جرى به القلمُ في عِلْم الله إن تصدَّقَ أو دَعَا صُرف الله عنه غضب الله وبلاءه.
          وفي هذا الحديث حجَّةٌ لمن فضَّل الغنيَّ على الفقير، وسيكون لنا عودةٌ إليها في كتاب الرِّقَاق [خ¦6443].