التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الاستعاذة من أرذل العمر ومن فتنة الدنيا وفتنة النار

          ░44▒ بابُ الاسْتِعَاذَةِ مِنْ أَرْذَلِ العُمُرِ، وَفِتْنَةِ الدُّنيا، وَفِتْنَةِ النَّارِ.
          6374- ذكر فيه حديث مُصْعَبٍ، عن أبيه قال: (تَعَوَّذُوا بِكَلِمَاتٍ كَانَ النَّبِيُّ صلعم يَتَعَوَّذُ بِهِنَّ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ البُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَرْذَلِ العُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَعَذَابِ القَبْرِ).
          6375- وحديث عائِشَةَ ♦ أنَّ النَّبيَّ صلعم كان يقول: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الكَسَلِ وَالهَرَمِ، وَالمَغْرَمِ وَالمَأْثَمِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ النَّار وَفِتْنَةِ النَّار، وَفِتْنَةِ القَبْرِ وَعَذَابِ القَبْرِ، وَشَرِّ فِتْنَةِ الغِنَى، وَشَرِّ فِتْنَةِ الفَقْرِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ..) الحديثَ، وقد سلف [خ¦832]، ثمَّ قال:
          ░45▒ بابُ الاسْتِعَاذَةِ مِن فِتْنَةِ الغِنَى.
          6376- وذكر فيه حديث عائِشَةَ ♦ المذكور بلفظ: (أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ النَّار). وكذا ما بعده.
          ثمَّ ترجم عليه:
          ░46▒ بابُ التَّعَوُّذِ مِن فِتْنَةِ الفَقْرِ.
          6377- وساقه فيه أيضًا، وفي آخره: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الكَسَلِ، وَالمَأْثَمِ وَالمَغْرَمِ).
          ░47▒ باب الدُّعَاءِ بِكَثْرَةِ المَالِ مَعَ البَرَكَةِ
          6378- 6379- ساق فيه حديث أنسٍ ☺، وقد أسلفناه [خ¦1982].
          ثمَّ ترجم له:
          بابُ الدُّعَاءِ بِكَثْرَةِ الوَلَدِ مَع البَرَكَةِ.
          6380- 6381- فراجعْهُ.
          ░48▒ بابُ الدُّعَاءِ عِنْدَ الاسْتِخَارَةِ.
          6382- ذكر فيه حديث جابرٍ ☺: كَانَ النَّبِيُّ صلعم يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا، كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ: إِذَا هَمَّ أحدكم بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَقُولُ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي _أَوْ قَالَ: فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ_ فَاقْدُرْهُ لِي، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي _أَوْ قَالَ: فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ_ فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ، وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ).
          الشَّرح: (اقْدُرْهُ لِي) الخَيْرَ: يسِّره، يُقال: تَقدَّرَ له الشيءَ، أي: تَهيَّأ.
          قال الدَّاوديُّ: الخَيَرةُ مِن الاستخارة، بفتح الخاء والياء، والخيْرة بسكون الياء: الموتُ. وفي «الصِّحاح»: الِخيْرَةُ: الاسم مِن قولك: خارَ الله لك في هذا الأمر. والخِيَرَةُ مثل العِنَبةِ: الاسم مِن قولك: اختاره الله، يُقال: محمَّدٌ خِيَرَةُ الله من خلقهِ، وخِيْرةُ الله أيضًا بالتَّسكين.
          وفقه هذا الحديث: أنَّه يجبُ على المؤمنين ردُّ الأُّمور كلِّها إلى الله، وصرفُ أزمَّتِها والتبرُّؤُ من الحول والقوَّةِ إليه، وينبغي له ألَّا يروم شيئًا مِن دقيق الأمور / وجليلها حتَّى يستخير الله تعالى فيه أن يحمله فيه على الخير ويصرفَ عنه الشرَّ، إذعانًا بالافتقار إليه في كلٍّ أمر بالذلَّة والعبودية له، وتبرُّكًا باتِّباع سنَّة نَبِيِّهِ في الاستخارة، ولذلك كان صلعم يعلِّمهم هذا الدُّعاء كما يعلِّمهم السورة لشدَّة حاجتهم إلى الاستخارة في الحاجات كلِّها كشدَّةِ حاجتهم إلى القراءة في كلِّ الصلوات.
          وفيه حُجَّةٌ على القَدَريَّةِ الذين يزعُمُون أنَّ الله تعالى لا يخلق الشرَّ، تعالى الله عمَّا يفترون، وقد أبان صلعم في هذا الحديث أنَّ الله تعالى هو المالكُ للشرِّ والخالقُ له إذ هو المدعوُّ لصرفهِ عن العبد، ومحالٌ أن يسأله العبد أن يصرف عنه ما يملكُهُ العبد مِن نفسه وما قَدِر على اختراعه دون تقدير الله عليه، وسيأتي أيضًا في كتاب القدر [خ¦7390].