التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قول الله تعالى: {وصل عليهم}

          ░19▒ بابُ قَوْلِهِ ╡: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة:103]
          ومَن خَصَّ أَخَاهُ بالدُّعَاءِ دُوْنَ نَفْسِهِ.
          وقال أبو مُوسَى: قال النَّبيُّ صلعم: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ). وقد سلف مسندًا في الجهاد [خ¦2884].
          ذكر فيه أحاديث:
          6331- أحدها: حديث سَلَمَةَ بن الأَكْوَعِ ☺: (خَرَجْنَا مَعَ رسول الله صلعم إِلَى خَيْبَرَ، فقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: أَيَ عَامِرُ لَوْ أَسْمَعْتَنَا مِنْ هُنَيَّاتِكَ، فَنَزَلَ يَحْدُو بِهِمْ يُذَكِّرُ:
تَاللهِ لَوْلاَ اللهُ مَا اهْتَدَيْنَا
          وَذَكَرَ شِعْرًا غَيْرَ هَذَا، ولكنَّه لَمْ أَحْفَظْهُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم: مَنْ هَذَا السَّائِقُ قَالُوا: عَامِرُ بْنُ الأَكْوَعِ، قَالَ: يَرْحَمُهُ اللهُ) سلف [خ¦4196].
          6332- ثانيها: حديث ابن أبي أَوْفَى ☻: (كَانَ النَّبِيُّ صلعم إِذَا أَتَاهُ رَجُلٌ بِصَدَقَته قَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ فُلاَنٍ فَأَتَاهُ أَبِي فَقَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى).
          6333- الثالث: حديث جريرٍ ☺ (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي لاَ أَثْبُتُ عَلَى الخَيْلِ، فَصَكَّ فِي صَدْرِي، فَقَالَ: اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا)، وقد سلف [خ¦3020].
          6334- الرابع: حديث أنسٍ ☺: (قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ لرسول الله صلعم: أَنَسٌ خَادِمُكَ، قَالَ: اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتَهُ).
          6335- الخامس: حديث عائِشَةَ ♦: (سَمِعَ النَّبِيُّ صلعم رَجُلًا يَقْرَأُ فِي المَسْجِدِ، فَقَالَ: ☼ لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَةً أَسْقَطْتُهَا مِنْ سُورَةِ كَذَا وَكَذَا).
          6336- السادس: حديث أبي وائلٍ، عن عبدِ اللهِ ☺ قال: (قَسَمَ رسول الله صلعم قَسْمًا، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللهِ) الحديثَ. سلف [خ¦3150].
          وكلُّها دالةٌ على دعاء المسلم لأخيه دونَ نَفْسِهِ كما ترجم.
          وقد صحَّ عن رسول الله أنَّ دعاءَ المرء لأخيه مجابٌ روى مسلمٌ عن أبي الدَّرداء مرفوعًا: ((دعوةُ المرءِ المسلمِ بظهرِ الغيبِ مستجابةٌ عند رأسه مَلَك موكَّلٌ كلَّما دعا لأخيه قال الملَك الموكَّلُ به: آمين ولك بمثلٍ)).
          وفي أبي داودَ والتِّرْمِذيِّ وابنِ ماجه مِن حديث أبي هُرَيْرَةَ مرفوعًا: ((إنَّ أسرع الدُّعاء إجابةُ دعوةِ غائبٍ لغائبٍ)). قال التِّرْمِذيُّ: غريبٌ لا نعرفه إلَّا مِن هذا الوجه، وفي إسناده الأفريقيُّ وهو يُضعَّفُ في الحديث.
          وروى سعيدُ بن جُبَيرٍ عن ابن عبَّاسٍ ☻ مرفوعًا: ((خمسُ دعواتٍ مستجاباتٍ: دعوةُ المظلومِ حتَّى ينتصرَ، ودعوةُ الحاجِّ حتَّى يَصْدُر، ودعوةُ المجاهد حتَّى يَقْفُلَ، ودعوةُ المريض حتَّى يبرأَ، ودعوةُ الأخِ لأخيهِ))، وقد رُوي عن بعض السلف أنَّه إذا دعا المرء لأخيه فليبدأ بنفسه.
          قال سعيدُ بن يَسَارٍ: ذكرتُ رجلًا عند ابن عُمَرَ ☻ فتراحمتُ عليه، فلَهَزَ في صَدْرِي، وقال لي: ابدأ بنفسك، وقال إبراهيمُ: كان يُقال: إذا دعوتَ فابدأ بنفسكَ فإنَّك لا تدري في أيِّ دعاءٍ يُستجاب لك.
          فَصْلٌ: معنى: {صَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة:103]: ادعُ لهم واستغفِرْ، ومعنى: {إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة:103] أي: دعاؤك تثبيتٌ لهم وطمأنينةٌ.
          فَصْلٌ: (آلِ أَبِي أَوْفَى) هنا نفسه، وقال ابن التِّين: يعني: عليه وعلى آله، قال: وفيه (آل) الرَّجل يقع عليه أهله وأتباعه، الأهل أهل الدَّار خاصَّةً، قال: وعن مالكٍ: لا يُقال لفظ الصَّلاة في غير الأنبياء.
          فَصْلٌ: (الخَلَصة): بفتح الخاء واللام: نُصُبٌ يُعبد مِن دُوْنِ الله، والنصب بضمِّ النُّون والصَّاد الساكنة، وفتح النُّون أيضًا، وقال القُتَبِيُّ: هو صَنَمٌ أو حَجَرٌ كانت الجاهليَّةُ تَنْصِبُهُ وتَذْبَحُ عِنْدَهُ.
          وقوله: (يُسَمَّى كَعْبَةَ اليَمَانِيَةِ) هو بتخفيف الياء وأصله بتشديدها فخفَّفوا ياء النِّسْبة كقولهم: تَهَامُون وأَشْعَرُون، وفي «الصِّحاح»: ذو الخَلَصة: بيتٌ لِخَثْعَمَ كان يُدعى الكعبةَ اليَمَانيَةَ وكان فيه بيتٌ يُدعى الخَلَصة فهُدِمَ.
          و(صَكَّ): ضربَ، ومنه {فَصَكَّتْ وَجْهَهَا} [الذاريات:29].
          والعُصْبةُ مِن الرِّجال: ما بين العشرة إلى الأربعين، وقال ابن فارسٍ: نحو العشرة.
          فَصْلٌ: في حديث أنسٍ ☺ جواز الدُّعاء بكثرة المال والولد، قال الدَّاوديُّ: ورُوي مِن طريقٍ لا يثبتُ عنه: ((اللَّهُمَّ مَن آمنَ بي وصدَّق ما جئتُ به فأقللْ له مِن المال والولد))، قال: ولا يصحُّ ذلك، كيف والشَّارع حضَّ على النِّكاح والتماس الولد.
          فَصْلٌ: قوله: (أَذْكَرَنِي)، يُقال ذَكَرْتُ الشيءَ بعد النِّسيان وتذكَّرته وذكَّرتُهُ غيري وذَكَرْتُهُ بمعنًى.