التوضيح لشرح الجامع البخاري

حديث: لا تقتل نفس ظلمًا إلا كانَ على ابن آدم الأول كفل من دمها

          الحديث العاشر:
          3335- حديث عبد الله: (لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا، لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ القَتْلَ) هذا الحديث يأتي في الدِّيات والاعتصام [خ¦6867] [خ¦7321]، وأخرجه مسلم أيضًا.
          الكِفْل _بكسر الكاف وإسْكان الفاء_: النَّصيب والجزء، وقال الخليل: الكِفْلُ مِنَ الأجر والإثم: هو الضِّعفُ.
          وفي التَّنزيل: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا} [النساء:85] وأمَّا قوله تعالى: {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ} [الحديد:28] فلعلَّه مِنْ تغليب الخير.
          وقوله: (أوَّلُ مَنْ سَنَّ القَتْلَ) جاز في الخير والشَّرِّ كما في «الصَّحيح»: ((مَنْ سَنَّ في الإسلام سُنَّة حسنةً كان له أجرُها وأجرُ مَنْ عَمِلَ بها إلى يوم القيامة، ومَنْ سَنَّ سُنَّةً سيِّئَةً كان عليه وزرُها ووزرُ مَنْ عَمِلَ بها إلى يوم القيامة)) وهذا _والله أعلم_ ما لم يتبْ ذلك الفاعلُ الأوَّل مِنْ تلك المعصية، لأنَّ التَّائب مِنَ الذَّنْب كمَنْ لا ذنبَ له.
          فصلٌ: ابنُ آدم المذكورُ هنا هو قابيلُ إذ قتل أخاه هابيلَ لمَّا تنازعا في تزويج إقليما، وقصَّتُهما مشهورةٌ، قال الطَّبَريُّ: أهل العلم يختلفون في اسم القاتل فبعضُهم يقول: هو قَيْنُ بن آدم، وبعضهم يقول: هو قَايِنُ بن آدم، وبعضهم يقول: هو قابيلُ.
          واختلفوا أيضًا في سبب قتله هابيلَ فقال عبد الله بن عمرٍو: إنَّ الله أمر ابنَيْ آدم أن يقرِّبا قربانًا، وإنَّ صاحب الغنم قرَّب أكرم غنمه، وصاحب الحرث قرَّب شرَّ حرثه، فتقبَّل الله قربان الأوَّل، وقال ابن عبَّاسٍ: كان مِنْ شأنهما أنَّهُ لم يكن مسكينٌ يُتَصدَّق عليه، وإنَّما كان القربان يُقرِّبه الرَّجل، فبينا ابنا آدم قاعدان إذ قالا: لو قرَّبنا قربانًا، فقرَّبا فتُقبِّلَ مِنْ أحدهما.
          وقال الحسن: لم يكن الرَّجلان اللَّذان قال الله فيهما: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ} [المائدة:27] كانا مِنْ بني إسرائيلَ ولم يكونا ابنَيْ آدم لصُلبه، وإنِّما كان القربان في بني إسرائيل، وكان آدم أوَّلَ مَنْ مات.
          قال ابن جَريرٍ: وذُكر لي أنَّ في التَّوراة أنَّ هابيلَ قُتل وله عشرون سنةً، وأنَّ أخاه الَّذي قتله كان ابنَ خمسٍ وعشرين سنةً، وقال معاوية بن عمَّارٍ فيما حكاه الثَّعلبيُّ: سألت الصَّادق أكان آدم يُزوِّج ابنته مِنِ ابنه؟ فقال: معاذ الله، وإنِّمَا هو لمَّا أُهبِطَ إلى الأرض ولدت حواء بنتًا فسمَّاها عناقًا، وهي أوَّل مَنْ بغى على وجه الأرض، فسلَّط الله عليها مَنْ قتلها، فوُلد له على إثرها قابيلُ فلمَّا أدرك أظهرَ الله له جِنِّيَّةً يُقال لها: جمانة، وأوحى الله إليه زوِّجها منه، فلمَّا أدرك هابيلُ أهبط الله إليه مِن الجَنَّةِ حوراءَ اسمها: بذلة وأوحى الله إليه أن زوِّجها منه، فعتب قابيل على أبيه، وقال: أنا أسنُّ منه وكنتُ أحقَّ بها، قال: يا بنيَّ إنَّ الله أوحى إليَّ بذلك، فقرِّبا قربانًا، قال ابن عبَّاسٍ: فقتله عند نود، قال غيره: عند عقبة الجزاء، وقيل: عند المسجد الأعظم بالبصرة، وقال ابن عبَّاسٍ: مَن قال إنَّ آدم قال شعرًا فقد كذب على الله وعلى رسوله، إنَّ الأنبياء كلَّهم في النَّهي سواءٌ، نبيُّنا فمَنْ قبلَه.
          فائدةٌ: تفسير هابيل: هبة الله، كما قاله السُّهيليُّ، فلمَّا قُتل ووُلد شِيث سمَّاه بذلك، ومعناه عطيَّة الله بدلًا مِنَ الهِبة، وفي «تاريخ ابن واصلٍ» الَّذي على السنين: ذكر بعض المؤرِّخين أنَّ المقتول قابيلُ بن آدم، واشتُقَّ اسمُه مِنْ قَبول قربانه.