التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قول الله تعالى: {واتخذ الله إبراهيم خليلًا}

          ░8▒ بَابُ: قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء:125 / وَقَوْلِهِ: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا} [النحل:120]، وَقَولِهِ: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة:114]
          وَقَالَ أَبُو مَيْسَرَةَ: الرَّحِيمُ بِلِسَانِ الحَبَشَةِ.
          وهذا رواه ابنُ المنذِر مِنْ حديث إبراهيم بن سعدٍ عنه، يعني: الأوَّاه، وقيل: الأوَّاه: الدَّعَّاءُ، وقيل: هو الكثير التَّأوُّه، أي: التَّوجُّع شَفَقًا وفَرَقًا، وقيل: هو البَكَّاء، وقيل: هو الموفَّق، قاله ابن عبَّاسٍ، وقال ابن مجاهدٍ: هو الفقيهُ، وقال كعب: كان إذا ذَكر البأسَ تأوَّه، وحكى ابن فارس عن قومٍ أنَّهُ المؤمن بلغة الحَبشة.
          وقوله: ({كَانَ أُمَّةً}) قال ابن مسعودٍ: هو الَّذي يُعلِّم النَّاس الخيرَ، وقال مجاهدٌ: كان مؤمنًا وحدَه والنَّاس كلُّهم كُفَّارٌ، ويقوِّي هذا حديث: ((كان زيدُ بنُ عمرِو بنِ نُفيلٍ أمَّةً وحدَه)).
          والقَانِت: المُطيع، قاله ابن مسعودٌ، والحَنِيف: المسلِم، وقيل: المختون والنَّاسك، وسُمِّي إبراهيمُ حنيفًا لأنَّهُ حَنيفٌ عمَّا كان يعبُدُ أبوه وقومه، أي: مال عنه إلى الإسلام، وأصلُ الحَنَفِ مَيْلٌ مِنْ إبهامِ القدمين كلِّ واحدةٍ على صاحبتها، وقال ابن فارس: ويُقال هو الَّذي يمشي على ظهور قدميه، وقال الدَّاوُديُّ: هو المُعْوَجُّ السَّاقين.
          فائدة: (أَبُو مَيْسَرَةَ) عمرُو بن شُرَحْبِيل الهَمْدانيُّ الوادِعيُّ الكوفيُّ، سمع ابنَ مسعود، وعنه أبو وائلٍ شَقِيْقُ بنُ سَلَمَةَ، مات قبل أبي جُحَيفة في ولاية عُبيد الله بن زِيادٍ، وقد أسلفنا الكلامَ على إبراهيم صلعم في أوَّل كتاب الصَّلاة [خ¦349].
          قال محمَّد بن أسعدَ الجَوَّانيُّ: روي عن ابن عبَّاسٍ وعن علماء الإسلام وأهل الكتاب أنَّ النَّسب فيما بين آدمَ وإسماعيلَ صحيحٌ على ما سنوردُه، وهو: إبراهيم بن تَارَحَ، وهو آزَرُ بن نَاحُورَ بن ساروح بن راغو بن فالغَ بن عَيبرَ بن شَالخَ بن أَرْفَخْشَذَ بن سَامِ بن نُوحِ بن يرد بن مهليل بن قَتين بن يانشَ بن شِيثِ بن آدمَ، قال: لا خلاف في هذا بينهم، ولا خلاف إلَّا في أسماء الآباء لأجل ثِقَلِ الألسنة، وإنَّمَا الخلاف فيما بين إسماعيل وعدنان.
          قلت: فيما ذكره نظرٌ، قال ابن حبَّان في «سيره»: اختُلف فيما فوق إبراهيم، فمنهم من قال: آزَرُ بن النَّاحر بن سارعَ بن الرَّاح بنِ القاسم _الَّذي قسم الأرض_ ابن يعبر بن السائخ بن الرَّافد بن البالخ وهو سامٌ، ومنهم مَنْ قال: آزَرُ بن صارُوحَ بن أرغو بن فالخَ بن أَرْفَخْشَذَ، ومنهم مَنْ ذكر شيخا بين عَيبرَ وأَرْفَخْشَذَ، ثمَّ اختلفوا فيما تقدَّمَ نوح: فمنهم مَنْ قال: نوحُ بن ملكانَ بن مَتُّوشَلَخَ بن إدريسَ بن الرَّافد بن مِهْلِيلَ بن قَينانَ بن الطَّاهر بن شِيثٍ، ومنهم مَنْ قال: نوحُ بن لامكَ بن مَتُّوشَلَخَ بن خَنُوخَ.
          فائدة: قال ابن الجَواليقيِّ: هو إِبْرَاهِيمُ وإِبْرَاهِمُ وإِبْرَاهَمُ وإِبْرَاهَامُ، قال الزَّجاج في «تفسيره»: أبٌ راحمٌ لرحمته الأطفال، وكذلك جُعل هو وسارةُ كافلين لأطفال المؤمنين الَّذين يموتون إلى يوم القيامة، وسيأتي في الحديث الثَّاني مِنَ الباب عن ابن دُريدٍ ما يتعلَّق بذلك.