التوضيح لشرح الجامع البخاري

حديث: أما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس

          الحديث الرَّابع:
          3329- حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ: (أَنَّهُ بَلَغَهُ مَقْدَمُ النَّبِيِّ صلعم الْمَدِينَةَ فَأَتَاهُ، فَقَالَ: إِنِي سَائِلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا نَبِيٌّ: مَا أَوَّلُ أشْرَاطِ السَّاعَةِ؟ وَمَا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ؟ وَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ يَنْزِعُ الْوَلَدُ إِلَى أَبِيهِ، وَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ يَنْزِعُ الوَلَدُ إِلَى أَخْوَالِهِ؟ فأجابه بأنَّ أوَّل أشراطها أنْ يُحشر النَّاس مِنَ المشرق إلى المغرب، والطَّعام زيادة كبد حوتٍ، والشَّبه بالسَّبق، فأسلم...) الحديث بطوله، وهو مِنْ أفراده وأخرجه مطوَّلًا في الهجرة [خ¦3911].
          وفي «دلائل النبوَّة» للبَيْهَقيِّ: سأله عن السَّوادِ الَّذي في القمر، بدل أشراط الساعة، وفي آخره: لمَّا قالت اليهود ما قالوا في ابن سلامٍ ثانيًا بعد الأوَّل، فقال ◙: ((أجزنا الشَّهادة الأولى، وأمَّا هذه فلا)).
          ولمسلمٍ: ((أنَّ يهوديًّا قال: يا رسول الله أين النَّاسُ يوم تبدَّل الأرضُ غيرَ الأرض والسَّماوات؟ فقال ◙: في الظُّلمة دون الجسر، قال: فمَنْ أوَّلُ النَّاسِ إجازةً؟ قال: فقراءُ المهاجرين)).
          ثمَّ سأله عدَّة مسائل، وللبَيْهَقيِّ مِنْ حديث أبي ظَبْيانَ عن أصحابه مِنَ الصَّحابة: ((أمَّا نُطفة الرَّجل فبيضاءُ غليظةٌ، منها العظام والعَصَب، وأمَّا نُطفة المرأة فحمراءُ رقيقةٌ منها اللَّحم والدَّم))، فقال: أشهد أنَّك رسول الله.
          وللبخاريِّ مِنْ حديث / أبي سعيدٍ نحوُ ما سلف، وعن أبي هريرة ☺: ((يُحشر النَّاس على ثلاث طرائق راغبين راهبين واثنان على بعيرٍ، ويحشر بقيَّتهم النَّار)) الحديث.
          وهذا هو الحشر الثَّاني كما قاله قَتادة، وهو قبل السَّاعة، وهو آخرُ أشراطها كما صرَّح به في مسلمٍ، يؤيِّده قولُه: (تَقِيل معهم حيث قالوا) وفي روايةٍ: ((إذا سمعتم بها فاخرجوا إلى الشَّام)).
          وأمَّا الحَلِيميُّ في «منهاجه» فحمل حديث أبي هريرة: ((يُحشر النَّاس على ثلاث طرائق)) على الآخرة، وأنَّهَا الأبرار، والمخلَصون، والكفَّار، فالأبرار على النجائب، والمخلَصون على الأَبْعِرة، والكفَّار تُبعث إليهم ملائكةٌ تقيِّض لهم نارًا يسوقونهم.
          قال: وفي حديث أبي هريرة عند التِّرْمِذيِّ: ((يُحشر النَّاس ثلاثةَ أصناف: صنفٌ مُشاةٌ، وصنفٌ ركبانٌ، وصنفٌ على وجوههم)) وفيه: ((أَمَا إنَّهُم يتَّقون بوجوههم كلَّ حدبٍ وشوكٍ)) وعند الغزاليِّ: ((قيل: يا رسول الله كيف يُحشر النَّاس؟ قال: اثنان على بعيرٍ وخمسةٌ على بعيرٍ وعشرةٌ على بعيرٍ)).
          وللنَّسائيِّ عن أبي ذرٍّ: ((يحشرون ثلاثة أفواجٍ: فوجٍ راكبين طاعمين كاسين، وفوجٍ تسحبهم الملائكة على وجوههم، وفوجٍ يمشون ويسعَون)).
          ولابن الجوزيِّ مِنْ حديث الضَّحَّاك عن ابن عبَّاسٍ: ((إذا اجتمع أهل الجَنَّة تحت شجرة طُوبى، أرسل الله إليهم الحوتَ الَّذي قرارُ الأرض عليه، والثَّورَ الَّذي تحت الأرَضِينَ، فينطح الثَّورُ الحوتَ بقرنَيه فيذكِّيه لأهل الجَنَّة، فيأكلون فيجدون فيه ريح كلِّ طِيبٍ، وطعمَ كلِّ ثمرةٍ)).
          وقال كعبٌ: ((يقول الله لأهل الجَنَّة: إنَّ لكلِّ ضيفٍ جَزورًا وإنِّي أُجْزِرُكم اليوم...)) الحديثَ، قال: فكأنَّهُم أُعلموا أنَّ الدُّنيا ذهبت وذهب ما كان يحملها، فلا رجوع إليها، وهذه الدَّار هي دار الإقامة، وسيأتي لهذا تتمَّةٌ في الرِّقاق [خ¦6520].
          فائدةٌ: (أَشْرَاطُ السَّاعَةِ) علاماتها، واحدها: شَرَطٌ، يُقال: أَشْرَط للأمر إذا جعل نفسه علمًا فيه، وبه سُمِّي أصْحابُ الشُّرَط، لِلُبْسِهم لِباسًا يكون علامةً لهم.
          وقوله: (آنِفًا) أي السَّاعة، أي: في أقرب الأوقات إلى قوله.
          وقوله: (اليَهُودُ قومٌ بُهْتٌ) أي: كذَّابون مُمَارُون ولا يرجِعون إلى الحقِّ.