التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قوله: {يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم}

          ░47▒ بَابُ: قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ} إلى {وَكِيلًا} [النساء:171]
          قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: {كَلِمَتُهُ} كُنْ فَكَانَ، وَقَالَ غَيْرُهُ: {وَرُوحٌ مِنْهُ} أَحْيَاهُ الله فَجَعَلَهُ رُوحًا {وَلا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ}.
          3435- ثمَّ ساق حديث عُبَادَةَ ☺، عَنِ النَّبِيِّ صلعم قَالَ: (مَنْ شَهِدَ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، / وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللهُ الجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ العَمَلِ) قَالَ الوَلِيدُ: وَحَدَّثَنِي ابْنُ جَابِرٍ، عَنْ عُمَيْرٍ عَنْ جُنَادَةَ وَزَادَ: ((مِنْ أَبْوَابِ الجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ مِنْ أَيَّهَا شَاءَ)).
          مسلمٌ في الإيمان، وهذا أسنده في «التَّفسير»، وأخرجه التِّرْمِذيُّ مختصرًا، وقال: حسنٌ صحيحٌ غريبٌ مِنْ هذا الوجه، وأخرجه النَّسائيُّ في «اليوم واللَّيلة».
          و(ابْنُ جَابِرٍ): هو عبد الرَّحمن بن يزيد بن جابرٍ الأَزْديُّ، أخو يزيد بن يزيد، مات سنة ثلاث وخمسين ومئةٍ.
          قال التِّرْمِذيُّ: رُوِيَ عن الزُّهريِّ أنَّه قال: كان هذا في أوَّل الإسلام قبل نزول الفرائض، قال: ووجه هذا الحديث عند بعض أهل العلم أنَّ أهل التَّوحيد سيدخلون الجنَّة وإن عُذِّبوا بذنوبهم، فإنَّهم لا يخلدون في النَّار، وقد رُوي عن ابن مسعودٍ وأبي ذرٍّ وعِمرانَ بن حُصينٍ وجابرٍ وأبي سعيدٍ وأنسٍ مرفوعًا: ((سيخرج مِنَ النَّار أهلُ التَّوحيد ويدخلون الجنَّة)).
          ورُوي عن سعيد بن جُبيرٍ والنَّخَعيِّ وغيرِ واحدٍ مِنَ التَّابعين في تفسير هذه الآية: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} [الحجر:2] قالوا: ((إذا خرج أهل التَّوحيد مِنَ النَّار وأُدخلوا الجنَّة يودُّ الَّذِينَ كفروا لو كانوا مسلمين)).
          وذَكر ابن العربيِّ أنَّ معناه أن يكون كافرًا فيؤمن ويموت قبل أن يُذنِب، أو يكون مذنبًا فيتوب، أو يُقْتَل في سبيل الله تعالى، أو يقول إذا عُدَّتْ لا إله إلَّا الله في الوزن فلا يرجِّحها شيءٌ كما في حديث البطاقة، قال: وليست تُوزن لكلِّ أحدٍ، وإنَّما تُوزن لمخصوصٍ، أو يقول كما قال وَهْبٌ: لا إله إلَّا الله مفتاحٌ له أسنانٌ، إن جئت بمفتاحٍ وأسنانِه فُتح لك وإلَّا فلا، قال: وقولُ ابن شِهابٍ لا وجه له وقول وَهْبٍ صحيحٌ، قلت: تخصيصه بما ذُكر يُنازَع فيه، وقول الزُّهْريِّ حمْلٌ منه.
          فصلٌ: مقصود الحديث التَّنبيه على ما وقع للنَّصارى في عيسى وأمِّه، ويُستفاد منه أيضًا ما يُلَقَّنُه النَّصرانيُّ إذا أسلم، ولأصحابنا فيه تفصيلٌ محلُّه كتبُ الفروع، ولم يُذْكر في الحديث الإقرارُ بكتاب الله وملائكته وسائر أنبيائه ورسله، واكتُفِيَ بقوله: وأنَّ محمَّدًا عبده ورسوله، فإذا أقرَّ برسالة محمَّدٍ فقد أقرَّ بجميع ما جاء به، وهو يشتمل على ذلك كلِّه، قال الدَّاوُديُّ: ويعارضه قوله: وأنَّ عيسى عبد الله ورسوله إلى آخره، فذلك أيضًا يشتمل على الإقرار بمحمَّدٍ ورسالته.
          فصلٌ: قوله (مِنْ أَبْوَابِ الجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ أَيَّهَا شَاءَ) وفي الحديث السَّالف: ((مَنْ كان مِنْ أهلِ الصَّلاة دُعي مِنْ باب الصَّلاة، ومَنْ كان مِنْ أهل الصِّيام دُعي مِنْ باب الرَّيَّان)) فأهل الإسلام جميعًا مِنْ أهل تلك الأعمال، فمَنْ ترك شيئًا منها لم يُدْعَ مِنْ باب ذلك الشَّيء.