التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قول الله تعالى: {ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله}

          ░41▒ بَابُ: قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ} [لقمان:12] إِلَى قَوْلِهِ: {فَخُورٍ} [لقمان:18] {تُصَعِّرْ} [لقمان:18] الإِعْرَاضُ بِالوَجْهِ.
          3428- ثمَّ ذكر حديث عبد الله ☺: لمَّا نزلت {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام:82] الحديث مِنْ طريقين، وقد سلف قريبًا [خ¦3360]، وأنَّه سلف في الإيمان [خ¦32].
          وشيخُه في الثَّاني (إِسْحَاقُ) هو ابن إبراهيم كما صرَّح به أصحابُ الأطراف.
          و({لُقْمَانَ}): قيل: هو ابن باعورَ بن ناحرَ بن تارحَ وهو آزَرُ أبو إبراهيمَ، وقيل: ابن عنقا بن شرونَ، ذكره السُّهيليُّ، عاش ألف سنةٍ، وأدرك داود وأخذ عنه العلم، وكان يفتي قبل مبعث داود، فلمَّا بُعث داود قطعها، وكان مِن أهل أَيْلَةَ، وقيل: كان تلمذ ألف نبيٍّ.
          واخْتُلِفَ في نبوَّته، فقال ابن المسيِّب: كان مِنْ سودان مصرَ ذو مَشافرَ وكان نبيًّا، وعنه: أعطاه الله الحكمة ومنعه النُّبوَّة، وعنه أنَّه كان خيَّاطًا، وعن عكرمة _فيما ذكره الحَوْفيُّ_: كان نبيًّا، وقيل: كان عبدًا صالحًا مملوكًا لبني الحَسْحَاس مِنَ الأَزْد، وعند ابن أبي حاتمٍ عن مجاهدٍ: كان عبدًا أسودَ عظيمَ الشَّفتَين مشقَّق القدمين، وقال ابن عبَّاسٍ: كان عبدًا حبشيًّا نجَّارًا، وفي «المعاني» للزَّجَّاج: نجَّادًا بالدَّال المهملة.
          وقيل: كان راعيًا، ووقف عليه إنسانٌ وهو في مجلسه، فقال له: ألستَ الَّذي كنتَ ترعى في مكان كذا وكذا؟ قال: بلى، قال: فما بلغ بك ما أرى؟ قال: صدقُ الحديث، والصَّمتُ عمَّا لا يعنيني، وقال جابر بن عبد الله: كان قصيرًا أفطسَ مِنَ النُّوبة، وقيل: كان نُوبيًّا لرجلٍ مِنْ بني إسرائيلَ فأعتقَه، وقال ابن قُتَيبة: لم يكن نبيًّا في قول أكثر النَّاس، أي: بل كان عبدًا صالحًا، وقال الواقديُّ: كان يحكم ويقضي في بني إسرائيلَ، وزمنُه ما بين عيسى ومحمَّد صلعم، وقال وَهْبٌ: كان ابنَ أخت أيُّوب.
          وقال مُقاتلٌ: زعموا أنَّه ابنُ خالته، وكان في زمن داودَ، ومرَّ يومًا وداودُ يصنع درعًا، وكانت للدُّروع قبل ذلك صفائحُ، فلم يدرِ لُقمانُ ما يصنع، فوقف حتَّى أتمَّ داودُ الدِّرع ولَبِسَها، عرف لُقمانُ ما يُراد به.
          فقال له: الصَّمت حكمةٌ وقليلٌ فاعلُه، وقالوا له: ما بلغ بك ما نرى؟ يريدون الفضلَ، قال: صدقُ الحديث، وأداءُ الأمانة، وتركُ ما لا يعنيني، وقال وَهْبٌ: قرأتُ مِنْ حكمتِه أرجحَ مِنْ عشرة آلاف بابٍ.
          وقال مجاهدٌ: الحِكمة الذي أُوتيَها العقلُ والفِقهُ والصَّوابُ مِنَ الكلامِ مِنْ غير نبوَّةٍ.
          ويُذكر أنَّه قال لابنه _واسمُ ابنِه دارانُ_: يا بنيَّ إذا نزل بك ما تحبُّ أو تكره فليكن المضمَر مِنْ نفسك أنَّ الَّذي نزل خيرٌ، فكان ابنه يقول له: قد ينزل كذا، فيقول: هو ما أقول لك، فسافرَ مرَّةً مع قومٍ، فلمَّا كانوا بفلاةٍ مِنَ الأرض فَنِيَ زادُ لقمان وعُطِبَ ظهرُه وانكسرت رجلُ ابنِه، وذهبَ القومُ وتركوه، فجعلَ لقمانُ يُنكِر على ابنه، فقال: يا أبتِ ألم تكن تقول: لا ينزل بك مِنَ الأمر ما تحبُّ أو تكره إلَّا كان المضمَرُ مِنْ نفسك أنَّ الَّذي نزل خيرٌ؟ قال: نعم هو كذلك، قال: ألا ترى ما نحن فيه؟ فَنُودِي لقمانُ، وابنه يسمع: يا لقمانُ إنَّ الله إنَّما فعل بك هذا / لأنَّه يريد عذابَ القومِ الَّذِينَ أردتَهم فأراد نجاتَك، أو نحو هذا، قال أسمعتَ يا بنيَّ؟ قال: بلى، قال: وأيقنْتَ؟ قال: بلى.
          وقوله: ({إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13]) أصلُ الظُّلم وضعُ الشَّيء في غير موضعِه، قاله الأصمعيُّ وغيره، قال غيره: المشركُ ينسبُ نعمة الله إلى غيره، وقيل: هو ظالمٌ لنفسه.
          وقوله: ({وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ}) الآية فيها تقديمٌ وتأخيرٌ، والمعنى: ووصَّينا الإنسان أن اشكر لي ولوالديك ثمَّ قال: ({وَإِنْ جَاهَدَاكَ} [لقمان:15]) قيل: نزلت في سعد بن أبي وقَّاصٍ.
          3429- وقوله: ({يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ} [لقمان:16]) هذا على التَّمثيل كما قال: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة:7] قال سفيان: بلغني أنَّها الصَّخرة الَّتي عليها الأرَضُونَ، ويُروى أنَّ لُقمان سأله عن حَبَّةٍ وقعت في مغاص البحر فأجابه بذلك، قال مالكٌ: ({يَأْتِ بِهَا اللهُ} [لقمان:16]) أي: يعلمُها فإنَّه لطيفٌ خبيرٌ، قال أبو العالية: لطيفٌ باستخراجها خبيرٌ بمكانها.
          وقوله: ({وَلَا تُصْعِرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} [لقمان:18]) هي قراءة الجَحْدَريِّ، أي: لا تُكسِّر أو تشدِّق، قال أبو الجوزاء: يقول بوجهه هكذا ازدراءً بالنَّاس، وأصلُه مِنَ الصَّعَر، وهو داءٌ يأخذ الإبلَ تَلوي منه أعناقها.