التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: {واضرب لهم مثلًا أصحاب القرية}

          ░42▒ باب: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ. إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا} [يس:13-14]
          قَال مُجَاهِدٌ: شَدَدْنَا، وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {طَائِرُكُمْ} [يس:19] مَصَائِبُكُمْ.
          القريةُ فيما ذكره عكرمةُ وغيره أنطاكيَّةُ، قال السُّهيليُّ: نُسبت إلى أنطنفُس، وهو اسم الَّذي بناها، غُيِّرَ لمَّا عُرِّب، وقد اختَلف أهلُ العلمِ في هؤلاء الرُّسل، فعن قَتادةَ أرسلهم عيسى اثنين مِنَ الحواريِّين {فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} [يس:14]، وكذا ذكره ابن عبَّاسٍ ومُقاتلٌ، وقال وَهْبٌ: كان بأنطاكيَّة فرعونٌ مِنَ الفراعنة يُقال له: أنطبجنين يعبد الأصنامَ، فبعث الله إليه ثلاثةً: صَادقٌ وصَدُوقٌ وشلُومٌ حكاه ابن جريرٍ، وقال غيره: اثنين ثمَّ بثالثٍ.
          قال ابن التِّين: وهو قول الجماعة، وقال مقاتلٌ: هم تُومَانُ وبُولُسُ، والآتي ثالثًا شَمْعُونُ، وكان مِنَ الحواريِّين ووصيَّ عيسى صلعم، قال ابن عبَّاسٍ: فجعلهم الله بعد عيسى أنبياءَ، وذكر السُّهيليُّ فيهم: يُوحَنَّا.
          ومعنى: ({اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا}) اذْكُر، وذكر ابنُ التِّين عن الفرَّاء أنَّ الثَّالث أُرسل قبل الاثنين فيه، وفي التِّلاوة كأنَّه أُرسل بعدهما، قال: ومعنى: ({فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ}) فعزَّزنا بتعليم الثَّالث، وفي قراءة ابن مسعودٍ: {فَعَزَّزْنَا بِالثَّالِثِ}، وقرأ عاصمٌ {فَعَزَزْنَا} خفيفةً، قال: وهذا مثلُ شدَّدنا وشَدَدْنَا، قال ابن التِّين: والمعروف في اللُّغة أنَّ عَزَزْنَا قَهَرْنَا وغَلَبْنَا والمستقبل يَعُزُّ بالضَّمِّ.
          قال الطَّبَريُّ: القراءة عندنا التَّشديدُ لإجماع الحُجَّة مِنَ القَرَأَة عليه، ومعناه إذا شُدِّد: فَقَوَّيْنَا، وإذا خُفِّف: فَغَلَبْنَا، وليس لِغَلَبْنَا في هذا الموضع كبيرُ معنًى.
          وقوله: ({طَائِرُكُمْ} مَصَائِبُكُم) وقال ابن عبَّاسٍ: الأرزاقُ والأقدارُ تَتْبَعُكم.
          وأثرُ مجاهدٍ أخرجه الطَّبَريُّ مِنْ طريق ابن أبي نَجيحٍ عنه، وفي رواية عنه: ((زدنا)).
          وأثر ابن عبَّاسٍ أخرجه الطَّبَريُّ أيضًا مِنْ حديث ابن إسحاقَ فيما بلغه عن ابن عبَّاسٍ، وعن كعبٍ ووهْبٍ {طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} أي: أعمالُكم، وروى الضَّحَّاك عن جُوَيبرٍ، عن ابن عبَّاسٍ يعني: شُؤْمُكم مَعَكُم.