التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قول الله تعالى: {واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت}

          ░44▒ باب: قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا} [مريم:16]
          و{إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ} [آل عمران:45] وقولِه ╡: {إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} [آل عمران:33] إِلَى قَوْلِهِ: {بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران:37] قَالَ ابن عَبَّاسٍ: وَآلُ عِمْرَانَ المُؤمِنُونَ، وَآل إِبْرَاهِيمَ، وَآل عِمْرَانَ، وَآل يَاسِينَ، وَآل مُحَمَّدٍ، يَقُولُ: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ} [آل عمران:68] وَهُمْ المُؤْمِنُونَ، وَيُقَالُ: آلُ يَعْقُوبَ: أَهْلُ يَعْقُوبَ، إِذَا صَغَّرُوا الآلَ رَدُّوهُ إِلَى الأَصْلِ فَقَالُوا: أُهَيْلٌ.
          3431- ثمَّ ذكر حديث أبي هريرة ☺ السَّالفَ: (مَا مِنْ بَنِي آدَمَ مَوْلُودٌ إِلَّا يَمَسُّهُ الشَّيْطَانُ حِينَ يُولَدُ، غَيْرَ مَرْيَمَ وَابْنِهَا...) الحديثَ.
          و(مَرْيَمَ): هي بنت عِمرانَ بن نَاشِي بن أموز بن ينشي بن حزقيا بن أحرى بن عوزتا بن أمضيا بن ياوش بن يارم بن نهياشاط بن أسا بن رجيعم بن سليمانَ، واختُلف في نبوَّتها كما سَلف، وهي صِدِّيقةٌ بنصِّ القرآن، قال الحسن: ليس مِن الجنِّ نبيٌّ ولا مِنَ النِّساء نَبِيَّةٌ، وقال ابن وَهْبٍ وجماعةٌ: إنَّها نبِيَّةٌ.
          ومعنى: ({اصْطَفَى آدَمَ}) إلى آخره اختارهم، وهذا تمثيلٌ لأنَّ الشَّيءَ الصَّافيَ هو النَّقيُّ مِنَ الكَدر، وصفوة الله الأنقياءُ مِنَ الدَّنَس.
          ({عَلَى الْعَالَمِينَ}): أي: عالَمِيْ زمانِهم، قاله المفسِّرون.
          ({مُحَرَّرًا}): خالصًا لله لا يشوبُه شيءٌ مِنْ أمر الدُّنيا، قاله مجاهدٌ وعكرمة، وقيل: معتقًا مِنْ خدمة أبويه بخدمة بيت الله، ({وَآلَ إِبْرَاهِيمَ}): إبراهيم، ({وَآلَ عِمْرَانَ}): مريم وأختها أمُّ يحيى وعيسى ويحيى، وآل يعقوبَ: هو إسرائيل، بنو إسرائيل جميعًا.
          وقوله: ({وَضَعْتُهَا أُنْثَى}) قال ابن عبَّاسٍ: إنَّما قالت هذا لأنَّه لم يُقبل في النَّذر إلَّا الذُّكورُ، فَقَبِلَ الله مريم.
          ({وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ}): في الكلام تقديمٌ وتأخيرٌ، حقيقتُه: إنِّي وضعتُها أنثى وليس الذَّكر كالأنثى، قال الله: وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ، ومَن ضمَّ تاء {وَضَعْتُ} فالكلام عنده متَّسقٌ لا تقديم فيه ولا تأخيرٌ.
          وقول البخاريِّ: (وَآلِ إِبْرَاهِيمَ، وَآلِ عِمْرَانَ، وَآلِ يَاسِينَ، وَآلِ مُحَمَّدٍ) ظاهره أنَّ آل ياسين غيرُ آل محمَّدٍ، وقال ابن عُزيرٍ: مَنْ قرأ: {سَلَامٌ عَلَى آلِ يَاسِينَ} أي: على آل محمَّدٍ، ومَنْ قَرأ {إِلْيَاسِينَ} قيل: هو إلياس وأهل دينه، وقيل: إِلْيَاسُ وَإِلْيَاسِينُ واحدٌ مثلُ مِيكَالَ ومِيكائيلَ.
          وقوله: (تصْغِيْرهُ أُهَيْلٌ) قال النَّحَّاس: ولذلك إذا كنَّيت لم تقل إلَّا أهْلَه، وأنكر ذلك مَنْ قال: يجوز آلُه وأهلُه.
          والرِّزق: فاكهة الشِّتاء في الصَّيف وعكسُه.
          وقوله: ({أَنَّى لَكِ هَذَا}) قال أبو عُبيدة: المعنى مِنْ أينَ لك، وأُنكِرَ ذلك عليه لأنَّ أين سؤالٌ عن موضعٍ، و(أنَّى) سؤالٌ عن المذاهب والجهات، والمعنى: مِنْ أيِّ الجهات والمذاهب لكِ هذا؟