التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قول الله تعالى: {وأيوب إذ نادى ربه أني مسنى الضر}

          ░20▒ بَابُ: قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء:83] {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ} [ص:42] اضْرِبْ، {يَرْكُضُونَ} [الأنبياء:12] يَعْدُون.
          3391- ثمَّ ساق حديث أبي هريرة ☺ في قصَّة أيُّوب.
          وقد سلفتْ في الغُسل مِنَ الطَّهَارة [خ¦279 ]، قيل: كانت خرجت مِنْ جسده خُرَاجاتٌ كالحَلَمِ فإذا طَفِئت واحدةٌ عادت أخرى، وكان مِنْ صبره أنَّهُ كان تسقط منه الدُّودة فيردُّها مِنْ حيثُ سقطت، فلَبِثَ سبعًا كذلك، زاد الحسن: وستَّةَ أشهرٍ، وقال وَهْب: ثلاث سنين لم تزد يومًا واحدًا، وسنذكر حديثًا: ((ثماني عشرة سنةً)).
          قال ابن إسحاق في «المبتدأ»: كان رجلًا مِنْ بني إسرائيلَ، ولم يرفع لنا في نسبه فوق أبيه شيئًا، وهو أيُّوب بن بازخ بن أموص، زاد مقاتلٌ: ابن اليفور بن العيص بن إسحاقَ، وأسقط ابن دُريد في «وشاحه» بازخ وذكر بعد أموص رازحَ، زاد صاحبُ «التَّاريخ الغريب»: بعد أموص زعويل، قبره مشهورٌ بحوران بقريةٍ بقرب نَوى، وكان ينزل البَثَنِيَّة مِنَ الشَّام.
          وروى أحمدُ بن وهْبٍ عن عمِّه عبد الله، أخبرنا نافع بن يزيد، عن عُقَيلٍ، عن ابن شِهابٍ، عن أنسٍ مرفوعًا: ((إنَّ أيُّوب لبث في بلائه ثماني عشرة سنةً)) وعن خالد بن دُرَيكٍ: ((أصابه البلاءُ على رأس ثمانين سنةً مِنْ عمره)) وعن ابن عبَّاسٍ: ((مَكث في البلاء سبعَ سنين، وكان أصابه بعد السَّبعين مِنْ عمره)).
          وفي «التَّاريخ الغريب» زُوِّج ليَّا بنتَ يعقوب وأمُّه ابنة لوطٍ، وعاش مئتي سنةٍ وستَّ عشرة سنةً، قال: وقبره بمصر، وقيل: بالشَّام، وقال ابن خَالَوَيهِ في «ليس»: كنيتُه أبو عبد الله، وامرأتُه أمُّ زيدٍ، وما ذكره عنه القُصَّاص مِنْ تسلُّط إبليسَ عليه غيرُ صحيحٍ كما نبَّه عليه ابن العربيِّ في «سراجه» لأنَّه لا يتسلَّط على المخلَصِين، فكيف مِنْ كبارهم؟
          واخْتُلف لمَ حلفَ ليضربنَّ زوجته، فقال ابنُ عباسٍ: لمَّا أخذه البلاء أخذَ إبليسُ تابوتًا وقعد على الطَّريق يداوي، فجاءته امرأةُ أيُّوب فقالت: أتداوي رجلًا به علَّةُ كذا وكذا؟ / فقال: نعم بشرط أنِّي إذا شفيتُه قال: أَنْتَ شفيتَني، لا أطلبُ منه جزاءً غيرَ هذا، فجاءت إلى أيُّوب فأخبرتْه فقال لها: ذاك الشَّيطان، واللهِ لئن برئتُ لأضربنَّك مئةً، وقيل: إنَّها قالت له: لقد طال بك هذا، لو كان لك عند ربِّك مكانٌ لكشَفَ ما بكَ، فحلف لَيَضْرِبَنَّها مئةَ جلدةٍ، فلمَّا كُشِف ضُرُّه وقد ذهب عنها، نُودي أن ارْكُض برجلك فاغتسلْ، فذَهب ما به، فعاد خَلْقُه أحسنَ ما كان، فأتاها فقالت: لعلَّك رأيتَ نبيَّ الله أيُّوب، وإنَّهُ أشبهُ النَّاسِ بكَ قبل أن يُبتلى، فأخبرها أنَّهُ هو، فأنزل الله: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا} [ص:44] قال مجاهدٌ ومالكٌ وغيرهما: هذا خاصٌّ له، وقال عطاءٌ: هو لجميع النَّاس، وقالت فِرقةٌ: أُمِر أن يضربها بقدر احتمالها، فمَنْ لم يحتمل إلَّا ذلك فُعِلَ به كذلك، قال ابن التِّين: والأَبْيَنُ قولُ مالكٍ لقوله تعالى: {وَلَا تَحْنَثْ} فأُسْقِط عنه الحِنْثُ، فدلَّ أنَّه خاصٌّ، ولا نُسلِّمُ له.
          فصلٌ: وقوله: (خَرَّ عَلَيْهِ رِجْلُ) يُقال: هذا رِجْلٌ مِنْ جَرادٍ، أي: جماعةٌ منهم، كما يُقال: سِرْبٌ مِنَ الظِّباء، وعانةٌ مِنَ الحَمير، وخيطٌ مِنَ النَّعام، وذلك مِنْ أسماء الجماعات الَّتي لا واحد لها مِنْ لفظِها، قال الخطَّابيُّ: وفيه دِلالةٌ على أنَّ مَنْ نُثِر عليه دراهمُ أو نحوُها في إملاكٍ ونحوِه أنَّهُ أحقُّ بما نُثر عليه، وتعقَّبه ابنُ التِّين فقال: ليس كما ذكره لأنَّهُ شيءٌ خَصَّ اللهُ به نبيَّه أيُّوب، وذلك شيءٌ مِنْ فعل الآدميِّ فيُكره فعلُه لأنَّه مِنَ السَّرَفِ، وينازَع في كونه خاصًّا، وبأنَّه جاء عن الشَّارع فلا سَرَفَ فيه.