التوضيح لشرح الجامع البخاري

{وإلى مدين أخاهم شعيبًا}

          ░34▒ باب: قول الله تعالى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا} [الأعراف:85]
          وإلى أَهْلِ مَدْينَ لأَنَّ مَدْيَنَ بَلَدٌ، وَمِثْلُهُ: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف:82] {وَسَلِ الْعِيرَ} [يوسف:82] يَعْنِي: أَهْلَ الْقَرْيَةِ وَأَهْلَ الْعِيرِ، {وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا} [هود:92] لَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَيْهِ، يُقَالُ إِذَا لم يَقْضِ حَاجَتَهُ: ظَهَرْتُ بِحَاجَتِي وَجَعَلَتْنِي ظِهْرِيًّا، قَالَ: الظِّهْرِيُّ أَنْ تَأخُذَ مَعَكَ دَابَّةً أَوْ وِعَاءً تَسْتَظْهِرُ بِهِ، مَكَانَتُهُمْ وَمَكَانُهُمْ وَاحِدٌ.
          {يَغْنَوا} [الأعراف:92] يَعِيشُوا {يَيْأَسُ} [يوسف:87] يَحْزَنُ، {آسَى} [الأعراف:93] أي: أَحْزَنُ، وَقَالَ الْحَسَنُ: {إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ} [هود:87] يَسْتَهْزِئُونَ بِهِ.
          وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {لَيْكَةُ} [الشعراء:176] الأَيْكَةُ، {يَوْمِ الظُّلَّةِ} [الشعراء:189] إِظْلَالُ الْعَذَابِ عَلَيْهِمْ.
          الشَّرح: قال غير الحسن: معناه لأنت الحليم الرَّشيد عند نفسك، قاله الضَّحاك.
          (الأَيْكَةُ): الغيْضة ذات الشَّجر، وكذلك هو في اللُّغة، ويُقال للشَّجرة: أَيْكة، وجمعها: أَيْكٌ، وقال: ليكة القرية التي كانوا فيها، والأيكة: البلاد كلُّها، وأُنكِر ذلك.
          ({الظُّلَّةِ}): قال ابن عبَّاسٍ: أصابهم حرٌّ شديدٌ فدخلوا البيوت فأخذتهم، فخرجوا إلى البرِّيَّة لا يسترهم شيءٌ، فأرسل الله إليهم سحابةً، فهربوا إليها يستظلُّون تحتها، ونادى بعضُهم بعضًا، فلمَّا اجتمعوا تحتها أهلكهم الله.
          وقال مجاهدٌ: لمَّا اجتمعوا تحتها صِيح بهم فَهَلَكوا، قال الجوهريُّ: وقولهم: ظهرَ فلانٌ بحاجتي إذا استخَفَّ بها.
          وما ذكره في قوله: {وَإِلَى مَدْيَنَ} أهل مدين إلى آخرِه، فيه نظر، فقد ذكر أهل التَّاريخ: أنَّ مَدْيَن المذكور في الآية هو ابن إبراهيم، وشُعيب: هو ابن صَيْفُونَ، ويُقال: ابن ملكا بن تويتَ بن مَدْيَنَ بن إبراهيمَ، وهو ظاهر التِّلاوة.
          فإن قلت: أصحاب الأيكة هم مَدْيَن، وهم الَّذِينَ أصابهم العذابُ يوم الظُّلَّة، وقدْ قال تعالى: {إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ} [الشعراء:177] ولم يقل: أخوهم، قلتُ: لمَّا عرَّفهم بالنَّسب _وهو أحدهم فيه_ قال: أخوهم، ولمَّا عرَّفهم بالأَيْكة الَّتي أصابتهم فيها النِّقمة لم يقل: أخوهم، وأخرجه عنهم تنويهًا له وتعظيمًا.
          وذكر ابن قُتيبة أنَّ إبراهيم أبو جدِّ شُعيبٍ، وذكر وَهْب أنَّ شُعيبًا كان مِنْ ولد رهطٍ آمنوا لإبراهيم يوم أُحْرِق، وهاجروا إلى الشَّام، فكلُّ نبيٍّ قبل بني إسرائيل وبعدُ فمِنْ ولد أولئك الرَّهط، وجدَّة شعيب بنت لوط بن هاران، وعاش ستَّ مئةٍ واثنتين وخمسين سنةً فيما ذكر أبو المفاخر إسحاق بن جبريل في «تاريخه»، وقيل: كان شُعيبٌ خطيب الأنبياء.
          قال عبد الملك بن مروان: حدَّثني عن الحسن قال: والله ما رُئي قطُّ تاركًا لشيء يَأمر به، ولا فاعلًا لشيءٍ كان يَنهى عنه، قال عبد الملك: والله ما زاد على هذا لو كان العبدَ الصَّالح _يعني شعيبًا_ حيث يقول: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} [هود:88].