التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قول الله: {وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر}

          ░6م▒ بَابُ: قَوْلِ اللهِ تَعَالى: {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ} [الحاقة:6] شَدِيدَةٍ، {عَاتِيَةٍ} [الحاقة:6] قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَتَتْ عَلَى الخُزَّانِ {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا} [الحاقة:7] مُتَتابِعِةً {فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة:7] أُصُولُهَا {فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} [الحاقة:8] بَقِيَّةٍ.
          3343- ذكر فيه حديث ابن عبَّاسٍ: (نُصِرْتُ بِالصَّبَا، وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ).
          3344- وَقَالَ ابنُ كَثِيرٍ: عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابن أَبِي نُعْمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: (بَعَثَ عَلِيٌّ ☺ إِلى رسول الله صلعم بِذُهَيْبَةٍ، فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةٍ: الأَقْرَعِ...) الحديثَ، وفي آخره: (لَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ).
          3345- وحديث عبد الله: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلعم يقْرَأُ: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:15].
          الشَّرح: تفسير ابن عُيينة ذكره في تفسيره بإسناده، وحديث ابن مسعودٍ سلف قريبًا، وحديث ابن عبَّاس سلف في الاستسقاء [خ¦1035] وغيره [خ¦3205].
          وقوله: (وَقَالَ ابنُ كَثِيرٍ) إلى آخره ادَّعى أصحاب الأطراف أنَّ البخاريَّ رواه هنا، وفي سورة براءة عن محمَّد بن كَثيرٍ، وكذا ذكره أبو نُعيم في «مستخرَجه»، ورواه البخاريُّ أيضًا في موضعٍ آخر، عن قَبيصة عن الثَّوريِّ، وفي آخر عَن قُتيبة عن عبد الواحد بن زِيادٍ، عن عُمَارة بن القَعْقَاع، عن عبد الرَّحمن بن أبي نُعْمٍ، وأخرجه مسلمٌ أيضًا، وفي «الأوسط» مِنْ حديث عمَّار بن ياسر وسعد بن أبي وقَّاصٍ: ((يخرج قومٌ مِنْ أمَّتي يمرُقون مِنَ الدِّين مُروقَ السَّهم مِنَ الرَّمِيَّة فيقتلُهم عليُّ بن أبي طالبٍ)).
          إذا تقرَّر ذلك فالكلام عليه مِنْ وجوهٍ:
          أحدها: أَنَّثَ ذُهَيْبَةً على نيَّةِ القطعة مِنَ الذَّهب، وقد يُؤنَّث الذَّهب في بعض اللُّغات، والمؤنَّث الثُّلاثيُّ إذا صُغِّر أُلحق في تصغيره الهاءُ، كفُوَيسِقَةٍ وشُمَيْسَةٍ، وقيل: هو تصغيرٌ على اللَّفظ، حكاه ابن الأَثير، وفي رواية: ((بذَهبةٍ)) بفتح الذَّال.
          ثانيها: قوله (فَسَأَلَهُ رَجُلٌ قَتْلَهُ، أَحْسِبُهُ خَالِدَ بْنَ الوَلِيدِ) كذا هنا على الحُسبان، وجاء في الصَّحيح أنَّه خالدٌ مِن غير حُسبانٍ، وفي أخرى عمر، وكأنَّهما سألا ذلك.
          ثالثها: (الأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ) اسمه فراس، فيما ذكره ابن دُريدٍ، وبخطِّ منصور بن عثمان الخابوريِّ الصَّواب: حُصَينٌ.
          وقال أبو يوسف في كتاب «لطائف المعارف»: كان أصمَّ مع قَرعِه وعَوره، وفي «الكامل» كان في صدر الإسلام سيد خِنْدِفَ، وكان محلُّه فيها محلَّ عُيَينة بن حِصْن في قيسٍ، وقال المَرْزُبان: هو أوَّل مَنْ حرَّم القِمار وكان يحكم في كلِّ موسمٍ، ولمَّا ذكره الكلبيُّ في كتاب «أئمَّة العرب» قال: كان آخرَ مَنْ قضى مِنْ تميمٍ، وعليه قام الإسلام، وقال الجاحظ في كتاب «العُرْجان»: إنَّهُ مِنْ أشرافِهم وأحدُ الفُرسان الأشراف، سايرَ رسولَ الله صلعم مَرْجِعَه مِن فتح مكَّة، وقال أبو عُبَيدة: هو أوَّل مَنْ جَلَدَ في الجاهليَّة لأنَّه نَفَّرَ جريرًا على الفرافصة حين وجدَه أقربَ إلى مُضَر، وكان سَنُوطًا أعرجَ الرِّجل اليسرى، قُتل باليرموك سنة ثلاث عشرة مع عشرةٍ مِنْ بنيه.
          وذكر أبو عُبيدة في كتابه «أنساب العجم» أنَّ المُكَعْبر الضَّبِّيَّ أدخل جماعةً في المجوسيَّة منهم الأقرعُ.
          وقال ابن دريدٍ: استعمله عبد الله بن عامر بن كُريزٍ على جيشٍ أنفذه إلى خُراسان فأُصيب بالجوزجان.
          رابعها: (عُيَيْنَةَ) اسمُه حُذَيفةُ بن حِصْن بن حذيفة بن بدرٍ، ولُقِّب عُيَينة لأنَّه طُعن في عينه فشُترت، وكنيتُه أبو مالكٍ، أسلم قبل الفتح، وارتدَّ مع طُليحةَ بن خُويلِدٍ وقاتل معه وكان مِنَ الجرَّارين، يقود عشرة آلافٍ، وتزوَّج عثمانُ بابنته، وهو عريقٌ في الرِّئاسة، ابنُه وابنُ ابنِه وهو وأبوه وجدُّه وجدُّ أبيه كلُّهم جرَّار ربعٍ، وهو المقول فيه: الأحمق المطاع.
          (وَعَلْقَمَةَ بْنِ عُلاَثَةَ) هو ابن عَوف بن الأَحْوص بن جعفرِ بن كِلاب بن ربيعةَ بن عامرِ بن صَعْصعة، كان مِنْ أشراف قومه، حليمًا عاقلًا، ولم يكن فيه ذاك الكرمُ، فتنافر هو وعامرُ بن الطُّفَيل فنفر عليه عامرٌ، وفيه يقول الأعشى:
عَلْقَمَ مَا أَنْتَ إِلَى عَامِرِ                     النَّاقِضِ الأَوْتَارِ وَالوَاتِرِ
          وهو مِنَ الشِّعر الَّذي نُهي عن روايته، ارتدَّ لمَّا رجع رسول الله صلعم إلى الطَّائف، ثمَّ أسلم أيَّام الصِّدِّيق وحسُنَ إسلامُه، واستعمله عمرُ ☺ على حَوران فمات بها.
          خامسها: زيْدُ الخَيْر، بهذا سمَّاه رسول الله صلعم وكان يُعرف بزيدِ الخيلِ لأنَّه لم يكن في العرب أكثرُ مِنْ خيلِه، قال أبو عُبَيْدٍ البَكْريُّ في «فصل المقال»: كانت له ستَّة أَفراسٍ، يُكنى أبا مِكْنَفٍ، وكان له شِعرٌ وخطابةٌ وشجاعةٌ وكرمٌ ولِينٌ، وكان بينه وبين كعب بن زهيرٍ مهاجَرةٌ، توفِّي لمَّا انصرف مِنْ عند رسول الله صلعم بالحُمَّى.
          وقيل: توفِّي في آخر خلافة عمر، يدلُّ على ذلك ما ذكره الواقديُّ مِنْ ثلاثةٍ في بني حَنيفة: هو وعديُّ بن حاتمٍ، وفي «الرِّدَّة» لوَثِيمة: أرسله رسول الله صلعم هو وعديُّ بن حاتمٍ على صدقات بني أسدٍ وطيِّئٍ.
          وفي «كتاب أبي الفرج» قال أبو عمرٍو: كانت لتغلب رئيسٌ يُقال له الجرَّار، امتنع مِنَ الإسلام، يُقال أنَّه صلعم بعث إليه زيدًا فقتله زيدٌ، وذكر أيضًا أنَّهُ لمَّا احتضر قال: والله لا أقاتل مسلمًا حتَّى ألقى الله، وتوفِّي بماءٍ لِجَرْم يُقال له فرْدَة، ولمَّا جيء براحلته إلى زوجته وفيها كتاب رسول الله صلعم، وكانت على الشِّرك، أضرمتها بالنَّار فيُقال: إنَّ رسول الله صلعم لمَّا بلغه ذلك قال: ((بؤسًا لبني نَبْهَان)).
          وكان زيدٌ لمَّا دخل على رسول الله صلعم طرح له متَّكأً، فأعظمَ أن يتَّكئ بين يدي رسول الله صلعم فردَّه فأعاده عليه ثلاثًا، وعلَّمه دعواتٍ كان يدعو بها فيَعرف بها الإجابةَ ويَستسقي فيُسقى، وقال: يا رسول الله، أعطِني مئة فرسٍ أعبرْ بهم على الرُّوم، فلم يلبث بعد انصرافه إلَّا قليلًا حتَّى حُمَّ ومات.
          وكان في الجاهليَّة أسرَ عامرَ بن الطُّفيل وجزَّ ناصيتَه ثمَّ أعتقه، وفي «الوِشاح» لابن دُريدٍ: كان مِنَ الخطَّاطة، وكذا أبو زُبَيدٍ الطَّائيُّ وعديُّ بن حاتمٍ ومالكٌ الأشترُ وعامرُ بن الطُّفيل وعُيَينة بن حِصْنٍ وقيس بن سَلَمة / بن شراحيل وقيس بن سعد بن عُبادة.
          وكان زيدٌ لا يدخل مكَّة إلَّا معتمًّا مِنْ خِيفة النِّساء عليه، وكذا قيسُ بن سَلمة بن شراحيل، وامرؤ القيس بن حُجرٍ وذو الكَلَاع وجَرير بن عبد الله وسُبيعٌ والطُّهَويُّ وأُعَيْفِر اليَرْبوعيُّ وحَنْظَلة بن فَاتِكٍ الأسديُّ وقيس بن حسَّان بن مَرْثَدٍ والزِّبْرِقانُ بنُ بَدْرٍ.
          سادسها: الصَّناديْد: الرُّؤساء، واحدهم: صِنْدِيد، و(غَائِرُ العَيْنَيْنِ): أي غارت عيناه فدخلتا، وهو ضدُّ الجاحظ، و(مُشْرِفُ الوَجْنَتَيْنِ): أي ليس بسهلِ الخدِّ، وقد أشرفت وجنتاه أي: عَلَتا، وأصله مِنَ الشَّرف، وهو العلوُّ، والوَجْنَتان: العظمان المشرِفان على الخدَّين، وقيل: لحمُ الخدِّ، وكلُّ واحدةٍ وَجْنةٌ، فإذا عَظُمتا فهو موجِنٌ، والوجنة مثلَّثة الواو، حكاها يعقوب، وبالألف بدل الواو، فهذِه أربع لغات.
          قال ابن جِنِّي: أرى الرَّابعة على البدل، وفي الجيم لغتان: فتحها وكسرها حكاهما في «الباهر» عن كراعٍ، والإسكان هو الشَّائع، فصار ثلاث لغاتٍ في الجيم، وقال ثابتٌ: هما فوق الخدَّين والمَدْمَعِ، إذا وضعت يدك وجدت حجم العظم تحسها وحجمُه نتوءُه، وقال أبو حاتمٍ: هو ما نتأ مِنْ لحم الخدَّين بين الصُّدغين وكنفَي الأنف.
          ومعنى (نَاتِئُ الجَبِينِ) مرتفعٌ على ما حوله، و(كَثُّ اللِّحْيَةِ): كثيرُ شعرِها غير مسبَلةٍ.
          وقوله: (مَحْلُوقٌ) كانوا يَفْرِقون رؤوسهم ولا يحلقون.
          والضِّئْضِئُ هنا: النَّسل والعَقِبُ، وحُكِيَ إهمالُهما عن بعض رواة مسلمٍ فيما حكاه القاضي، وهو سائغٌ في اللُّغة، قال ابن سِيدَهْ في «محكَمه»: في المعجَمة الضِّئْضِئ، والضُّؤضؤ: الأصل والمعدِن، وقيل: هو كثرة النَّسل، وقال في المهمَلة: الصِّئصئُ والسِّئصئ كلاهما: الأصل، عن يعقوب، قال: والهمز أعرَفُ، وحكى بعضهم: صِئْصِين بوزن قِنديل، حكاه ابن الأَثير.
          سابعها: هذا الرَّجل مِنْ بني تميمٍ يُقال له: ذو الخُوَيْصِرة، واسمه: حُرقوص بن زهيرٍ، وفي «كامل المبرِّد» رجلٌ مضطرب الخَلق أسودُ، وفيه: إنَّه يكون لهذا ولأصحابه نبأٌ، وفي الحديث: ((أنَّه لا يدخل النَّارَ مَنْ شهد بدرًا والحُدَيبية، حاشا رجلًا معروفًا منهم)).
          قيل: هو حُرقوص بن زهيرٍ السَّعديُّ، ذكره شيخُنا اليَعْمريُّ، وفي الثَّعلبيِّ: إنَّه أصول الخوارج، أعني: ذا الخُوَيصرة، قيل: ولقبه ذو الثُّدَيَّة، وسمَّاه أبو داود: نافعًا، قال السُّهَيليُّ: وهو أصحُّ.
          ثامنها: اختُلف في هذا الإعطاء على أقوالٍ:
          أحدها: أنَّه مِنْ خُمس الخُمس وَرُدَّ بأنَّه ملكه.
          ثانيها: مِنْ رأس الغنيمة وأنَّه خاصٌّ به لقوله: {قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال:1] وَرُدَّ بأنَّ الآية منسوخةٌ، واحتجَّ له بأنَّ الأنصار انهزموا يوم حُنينٍ، فأيَّد الله رسولَه صلعم وأمدَّه بالملائكة، فلم يرجعوا حتَّى كان الفتح، ردَّ الله الغنائم إلى رسوله مِنْ أجل ذلك، فلم يعطِهم منها شيئًا، وطيَّب نفوسَهم بقوله: ((وترجعون برسول الله صلعم إلى رحالكم بعدما فَعل ما أُمِرَ به)).
          ثالثها: وهو مختار أبي عُبيدٍ أنَّهُ كان مِنَ الخُمس لا مِنْ خُمس الخُمس ولا مِنْ رأس الغنيمة، وأنَّهُ جائزٌ للإمام أن يضرب للأصناف المذكورة في آية الخمس حيث يرى أنَّ فيه مصلحةً للمسلمين، لكن ينبغي أن يُعلم أوَّلًا أنَّ هذا الذَّهب ليس مِنْ غنيمة حُنينٍ ولا خيبرَ ولا مِنَ الخُمس، وقد فرَّقها كلَّها.
          تاسعها: قوله (لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ) أي: لا يُرفع في الأعْمَال الصَّالحة، قاله ابن التِّين، وقَال عِياضٌ يعني: لا تفقهُ قلوبُهم ولا ينتفعون بما يتلون منه، ولا لهم حظٌّ سِوى تلاوة الفم، قال: وقيل معناه لا يصعد لهم عملٌ ولا تلاوةٌ ولا يُتقبَّل، والحَنْجَرَة: الغَلْصَمَةُ حيث تراه بائنًا مِنْ خارج الحلق، والجمع: الحَنَاجر.
          وقوله: (يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ) وفي رواية: ((مِنَ الإسلام)) أي: يخرجون منه خروجَ السَّهم إذا نَفَذَ مِنَ الصَّيد مِنْ جهةٍ أخرى، ولم يتعلَّق بالسَّهم مِنْ دمِه شيءٌ، وبهذا سُمِّيت طائفةُ الخوارجِ المُرَّاقَ، والدِّين هنا: الطَّاعة، يريد أنَّهم يخرجون مِنْ طاعة الأئمَّة كخروج السَّهم مِنَ الرَّميَّة، وهذا صفات الخوارج الَّذين لا يدينون الأئمَّة ويخرجون النَّاس يستعرضونهم بالسَّيف.
          وقال الدَّاوُديُّ: لا يجاوز حناجرهم، يعني: أسفل الحلق، وهو المَنْحَر، ليس في الصَّدر منه شيءٌ، لا يَعتبر معناه بقلبه إنَّما يتلوه بلسانه، و(الرَّمِيَّة): الصَّيد المرميُّ، فَعِيلةٌ بمعنى مفعولةٍ.
          وقوله: (يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ) كذلك فعلت الخوارجُ وهم على ذلك.
          قوله: (وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ) قيل: لمَّا خرج إليهم عبد الله بن خبَّابٍ رسولًا مِنْ عند عليٍّ جعل يَعِظُهم، فمرَّ أحدُهم بتمرةٍ لمعاهِدٍ فوضعها في فيه، فقال له بعض أصحابه: تمرة معاهدٍ استحللتها؟ قال لهم عبد الله بن خبَّابٍ: أنا أدلُّكم على ما هو أعظمُ منها حرمةً، رجلٌ مسلمٌ، يعني نفسَه، فقتلوه، فأرسل إليهم عليٌّ أنْ أقيدونا به، قالوا: وكيف نقيدُك به وكلُّنا قَتَلَهُ؟ فقاتلهم فقتلَ أكثرَهم، قيل: كانوا خمسة آلافٍ، وقيل: كانوا عشرة آلافٍ.
          ولمَّا مات معاوية خرجوا فلم يزالوا على ذلك إلى أن قُتِل ابن الزُّبير، وأجمع النَّاس على عبد الملك، خرج إليهم المهلَّب بن أبي صُفْرة فشرَّد بهم وقتلهم، إلَّا أنَّهم كلَّما كانت فترةٌ وَثَبُوا، إلى أن ولي عمرُ بن عبد العزيز فخرجوا فأرسل إليهم عَنْبَسة بن سعيدٍ فقال لهم: كنتم تقاتلون النَّاس حتَّى يعملوا بعمل هذا الرَّجل، فلمَ خرجتم عليه؟ قالوا: لم يُبِرَّنا مِنْ عدوِّنا، يَعْنُون مَنْ وَلِيَ قبله، قال: وكيف يُبِرُّكم؟ قالوا: لم يلعنهم، قال: فما عهدكم بلعن فرعون وهامان وقارون؟ قالوا: ما لنا بذلك مِنْ عهدٍ، قال: أفتلومون مَنْ لم يلعن مَنْ هو على الإسلام وأنتم لا عهد لكم بلعن فرعون وهامان وقارون؟! فرجَعوا.
          واختلف العلماء في تكفير الخوارج كما قال المازَريُّ، قال القُرْطُبيُّ: حَكم بتكفيرهم جماعةٌ مِنْ أئمَّتنا، وتوقَّف في تكفيرهم كثيرٌ مِنَ العلماء.
          فإن قلت: أليس قال: (لَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُهُمْ) وكيف لم يدعْ خالدًا أن يقتله وقد أدركه؟ قيل: إنَّما أراد إدراك زمن خروجِهم إذا كثُروا وامتنعوا بالسِّلاح واعترضوا النَّاس بالسَّيف، ولم تكن هذه المعاني مجتمعةٌ إذ ذاك فيوجد به الشَّرط الَّذي عَلَّق به الحُكمَ، وإنَّما أُقدر أن يكون ذلك في الزَّمان المستقبل، وقد كان كما نبَّه عليه الخطَّابيُّ.
          وقوله: (قَتْلَ عَادٍ) وفي رواية: ((ثمودَ)) يحتمل التَّعدُّد بحسب المجالس أو المجلس، إذ مِنْ شأنه التَّأكيدُ والتَّكرار، يريد: قتلهم قتلًا عامًّا بحيث لا يبقى منهم أحدٌ في وقت واحدٍ كما فُعل بهذين القبيلتين، حيث أهلك كلَّ واحد منهم في وقتٍ واحد.
          واسْتُدِلَّ على كفرهم بهذا لأنَّ عادًا قُتلوا على الكفر، وسيأتي له مزيدُ إيضاح في قتل المرتدِّين إن شاء الله تعالى [خ¦6930].