التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قول الله تعالى: {ذكر رحمة ربك عبده زكريا}

          ░43▒ بَابُ: قَوْلِه تَعَالَى: {ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا} [مريم:2] إِلَى قَوْلِهِ: {لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا} [مريم:7].
          قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: مِثْلًا، يُقَالُ: {رَضِيًّا} مَرْضِيًّا، {عُتِيًّا} عَصِيًّا عَتَا يَعْتُو {قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ} إلَى قوله: {عِتِيًّا} [مريم:8] قَوْلِهِ: {ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} [مريم:8- 10] يُقَالُ: صَحِيحًا {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ} [مريم:11] فَأشَارَ، إِلَىْ قَوْلِهِ: {يُبْعَثُ حَيًّا} [مريم:15] {حَفِيًّا} [مريم:47] لَطِيفًا، {عَاقِرًا} [مريم:5] الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى سَوْاءٌ.
          3430- ثمَّ ذكر قطعةً مِنْ حديث الإسراء مِنْ حديث أنسٍ عن مالك بن صَعْصَعة، فيه ذكرُ عيسى ويحيى في السَّمَاء الثَّانية، وهما ابنا خالةٍ، وقد سلف [خ¦3207]، وأثرُ ابن عبَّاسٍ رواه ابنُ إسحاق، عن يوسف بن مِهْران عنه.
          وزكريَّا هو ابن أَوِي بن برخيا بن مسلم بن صدوق بن بخشان بن داودَ بن سلمانَ بن مسلم بن صديقة بن بَرخيا بن صفاينا بن ناحور بن شلوم بن نهشافاط بن أسا بن رُجيعم بن سليمان بن داود.
          قال ابن إسحاق: كان زكريَّا وابنُه آخرَ مَن بُعث في بني إسرائيلَ مِنْ أنبيائهم، قال ابن إسحاقَ: عَدَت بنو إسرائيل عليه ليقتلوه فمرَّ بشجرةٍ فانفلقت له فدخل فيها، فاستطلَّت عليه، فأدركه الشَّيطان فأخذ بهُدبة ثوبه، فبرزت مِنْ ساق الشَّجرة، فلمَّا جاؤوا أراهم إبليسُ إيَّاها، فوضعوا المنشار على الشَّجرة فنشروه حتَّى قطعوه مِنْ وَسطه في جَوفها، قال: وبعض أهل العلم يقول: إنَّ زكريَّا مات موتًا، والَّذي فُعِلَ به ما ذكرنا هو أسعيا الَّذي كان قبل زكريَّا.
          وأما يحيى فذكرَ عبد الله بن الزُّبير أنَّ قَتْلَه كان بأمر بَغِيٍّ اسمُها أزيل بنت إحاب، وكان ملكًا في بني إسرائيل أرادت أن يتزوَّجها أبوها، قال ابن إسحاق: وكان قتلُه قبل رفع عيسى وقبل قتل أبيه، وقَتلَ بُخْتَنَصَّرُ على دمه سبعين ألفًا، فلم يسكن حتَّى جاء الَّذي قتله، فقال: أنا قتلتُه، فقتَله عليه فسكن.
          فصلٌ: قال يونسُ: كان الحسن يرى أن يدعوَ الإمامُ في القُنوت، ويؤمِّنَ مَنْ خلفه مِنْ غير رفع صوتٍ، وتلا يونس: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا} [مريم:3].
          وقوله: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي} [مريم:5] قال أبو صالحٍ: الكَلالة، وقال مجاهدٌ: العَصَبة، وقال أبو عُبيدة: يعني بني العمِّ، قال: وقوله: {مِنْ وَرَائِي} أي: مِن قُدَّامي، وقال أهلُ التَّفسير: مِنْ بَعدي، وقال سعيد بن العاص: أملى عليَّ عثمانُ بن عفَّان {خَفَّتِ الْمَوَالِي} بتشديد الفاء وكسر التَّاء، وقال: معناه: قَلَّتْ.
          وقوله: ({وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا} [مريم:5]) أي: لا تلدُ، كأنَّ بها عَقْرًا يمنعُها مِنَ الولادة.
          وقوله: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} [مريم:6] قال أبو صالحٍ: يكون نبيًّا كما كانوا أنبياءَ، قال مجاهدٌ: كانت وِراثتُه علمًا، وكان زكريَّا مِنْ آل يعقوبَ، وقال الحسنُ: {يَرِثُنِي} أي: يرث مالي {وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} النُّبوَّة، وأنكره أبو إسحاقَ وقال: يبعُد أنْ يكون نبيٌّ يشفق أن يورَثَ مالُه لحديث: ((إنَّا _معشرَ الأنبياءِ_ لا نورِثُ ما تركنا)).
          وما ذكره عن ابن عبَّاسٍ في قوله: ({سَمِيًّا} مِثْلًا) رُوي عنه أيضًا: لم نُسَمِّ أحدًا قبله بيحيى.
          وقوله: (عَتَا يَعْتُو) قال مجاهدٌ: هو نحول العَظم، ويُروى أنَّ ابن مسعودٍ قرأ {عَتِيًّا} وقال: عَتَا يَعْتُو، وعَسَا يَعْسُو إذا بلغ النِّهاية في الشِّدَة والكبر، قال قَتادة: كان ابن بضعٍ وسبعين سنةً، وأصل (عَتَا يَعْتُو) بالواو، فجُعل بالياء لاعتدال رؤوس الآي، وقالَ الجوهريُّ: لمَّا توالَت ضَمَّتان كُسِرت الثَّانيةُ وانْقلبَت الواوُ ياءً.
          وقوله: ({سَوِيًّا} يُقال: صحيحًا)، قال عِكرمة وقَتادة والضَّحَّاك: أي مِنْ غير خَرَسٍ.
          و ({الْمِحْرَابِ}) قال أهل التَّفسير: كان موضعًا مرتفعًا، / وما ذكره في (أَوْحَى) قاله قَتادة، ورُوي عن الضَّحَّاك قال: كَتب لهم، بذلك الوحي، ومعنى: {سَبِّحُوا} صلُّوا {بِقُوَّةٍ} بجدٍّ وعونٍ مِنَ الله.
          وقوله: {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} قال مَعْمَرٌ: بلغَنا أنَّ الصِّبيان قالوا ليحيى وهو صبيٌّ: تعالَ نلعبْ فقال: ما لِلَّعبِ خُلقنا، قال عِكرمة: {الْحُكْمَ} اللُّبُّ، قال قتادة: كان ابنَ سنتين أو ثلاثٍ.
          {وَحَنَانًا} قال عكرمة: الرَّحمة، وأصله عند أهل اللُّغة مِنْ حَنين النَّاقة.
          {وَزَكَاةً} قال قَتادة: العقل الزَّاكي الصَّالح، وقال قَتادة: الصَّدقة.
          وقوله: {وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ} قال الحسن: لمَّا لقي يحيى عيسى قال له يحيى: أنت خيرٌ منِّي، قال له عيسى: بل أنت خيرٌ منِّي: سلامُ الله عليك وسلَّمت على نفسي، وقيل: كانت أمُّ عيسى إذا لقيت أمَّ يحيى وهما حاملتان بهما يسجد يحيى لعيسى في البطن، ويُقال: إنَّ يحيى سأل عيسى أن يريَه إبليسَ في الصُّورة الَّتي خلقه الله فيها، فأراه إيَّاه وقد غشي إبرته مِنْ رأسه إلى قدمِه، فقال: ما هذه؟ قال: الَّتي أُصيب بها النَّاس، قال له: بالَّذي جعل عليك اللَّعنة هل أصبتني بشيءٍ منها؟ فأومأ إليه إلى شيءٍ عند ظُفرٍ مِنْ أصابع رجليه، قال: ما هذا؟ قال: أنت تصوم فإذا أفطرتَ حبَّبتُ إليك الطَّعامَ فتثقلُ عن الصَّلاة، قال: والَّذي جعلَ عليك اللَّعنةَ لا أطعمُ شيئًا ممَّا تعمَل أيدي النَّاسِ، فكان يأكل بقْل البَرِّيَّة ويُقال: إنَّه يلقى الله بغير ذنبٍ، وفيه حديثٌ.
          وقوله: ({حَفِيًّا} لطيفًا) زاد غيره: بارًّا، أي: كان يجيبني إذا دعوتُه، وقيل: حفيت به: بالغتُ في إكرامي إيَّاه، والمعنى واحدٌ.