التوضيح لشرح الجامع البخاري

حديث الخضر مع موسى

          ░27▒ بَابُ: حَدِيثِ الخَضِرِ مَعَ مُوسَى ♂
          3400- 3401- ذكر فيه حديث ابن عبَّاسٍ ☻ مِنْ طريقين في قصَّة موسى والخَضِرِ مطوَّلًا، وقد سلف في العلم أوائل «الصَّحيح» في عدَّة مواضعَ [خ¦74] [خ¦78] [خ¦122].
          والبخاريُّ رواه هنا عن عَمْرِو بن محَمَّدٍ هو النَّاقد الرَّقِّيُّ، وعَلِيِّ بن عبْدِ الله ونَوْف _بفتح النُّون_ البكالِيِّ بكسر الموحدة، ومنهم مَنْ فتحها وشدَّد الكاف، وهو مِنْ بِكَالِ بن دُعيِّ بن سَعْدِ بنِ عَوْفِ بن عَديِّ بن مالكِ بن زيدِ بن سَدَدِ بن زُرْعةَ بن سبأٍ، وأوضحناه هناك.
          وموسى صلعم سلف ذكرُه هناك، وكان هارونُ أطولَ منه وأكثرَ لحمًا وأبيضَ جسمًا، وأغلظَ ألواحًا، وأسنَّ مِن موسى بثلاث سنين، وكان في جبهته شامةٌ، وفي أرنبة أنفِ موسى شامةٌ، وعلى طرف لسانه شامةٌ وهي العقدة الَّتي ذكرها الله، ولا يُعرف قبله ولا بعده على لسانه شامةٌ غيره.
          قال وَهْبٌ: وفرعونُ موسى هو فرعونُ يوسف، واسمُه: الوليدُ بن مُصعب، قال ابن قُتيبة: قال غيره: الأمرُ بخلافه وإنَّ فرعون موسى ليس فرعون يوسف.
          قال ابن خَالَوَيهِ في كتاب «ليس»: كان فرعون موسى على مصر خمسين سنةً، والمساكينُ الَّذين كانوا يعملون في البحر كانوا سبعةً، بكلِّ واحدٍ منهم زَمَانةٌ ليست بالآخر، وقيل: كانوا عشرةً، خمسةٌ زَمْنَى وخمسةٌ يعملون عليها، وكانت تساوي ألف دِينارٍ كما أفاده في «الغرر»، والملِكُ الَّذي كان يأخذ كلَّ سفينةٍ غصبًا اسمه فيما ضبط عن أبي زيدٍ المَرْوَزيِّ عن البخاريِّ: جَيْبُونُ، وفي غير هذه الرِّواية بالحاء، وفيه رواية ثالثة، كما قال السُّهيليُّ: حبيونُ، وفيه أقوال أُخر: جلندا، قال ابن عسكر: وكان بقُرْطُبة مِنْ جزيرة الأندلس، أو هُدَدُ بنُ بُدَدَ، أو مَنْولة بن الجُلُنْديِّ بن سعيدٍ الأَزْديُّ، وسمَّاه الرَّضيُّ الشَّاطبيُّ: فلعَ بن سارق بن ظالم بن عمرو بن شهاب بن مرَّة بن الهلقام بن الجُلُنْديِّ بن المستكير بن الجُلُنْديِّ.
          قال ابن خَالَوَيهِ: ليس أحدٌ يقول بالثَّاني _أعني هُدَدَ بنَ بُدَدَ_ إلَّا ابن مجاهدٍ.
          وقال ابن دريد: هددُ بن العمال ملكٌ مِنْ ملوكِ حِمْيَرَ، زعم علماءُ اليمنِ أنَّ سليمانَ زَوَّجه بلقيسَ.
          وقوله: (بيْنَمَا مُوسَى في مَلَأٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْكَ؟ قَالَ: لَا) قال الدَّاوُديُّ: أُرى هذا المحفوظ وليس فيه أنَّه عتبَ عليه، ورواية سعيد بن جُبيرٍ إثر هذا: ((فسُئل: أيُّ النَّاس أعلمُ؟ قال: أنا، فعتب الله عليه إذ لم يردَّ العلم إليه)) وهذا موضع العِتاب، وقد سلف الكلام عليه في كتاب العلم [خ¦122].
          و(السِّرْب): المسلك والمذهب، و(يقُصَّان آثَارَهمُا): يتبعان ويجوز بالسِّين، ومعناه: رجعا مِنَ الطَّريق الَّذي سلكاه، و(النَّوْل) _بفتح النُّون وسكون الواو_: العطاء والأجر.
          ({إِمْرًا}): منكرًا قاله مجاهدٌ، وقد أخرجه ابن المنذر مِنْ حديث ابن جُريجٍ عنه، وقال الكسائيُّ: شديدًا، مِنْ قولك: أَمِرَ القومُ إذا كثروا واشتدَّ أمرُهم، وقيل: الإمر العَجَب، وقيل: الدَّاهية.
          وقوله: (وَأَوْمَأَ سُفْيَانُ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ) كذا في الأصل بالهمز، وقال ابن التِّين: كتب بالياء، وصوابه الهمز، وقوله: ({أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَاكِيَةً}) هي قراءة أهل الكوفة، قال الفرَّاء والكسائيُّ وأبو حاتم: زاكية وزكيَّة بمعنًى، مثل عالمٍ عليمٍ، وفرَّقَ أبو عمرٍو بينهما فاختار زاكية، وزعم أنَّ الزَّاكية الَّتي لا ذنب لها، والَّذي قتله الخَضِرُ كان طفلًا، وأنكر هذه التَّفرقةَ بعض أهلُ اللُّغة، وقال أبو عمرٍو: الصَّواب {زَكِيَّةً} في الحال و(زاكيةً) في غدٍ.
          وقيل: {زَكِيَّةً} زِنتُه فَيعلةٌ مثل مَيِّتةٍ، فاجتمع حرفا علَّةٍ سبقَ أوَّلُهما بالسُّكون فقُلبت ياء، وأُدغمت الياء في الياء، ونُقلت حركة الأولى إلى الكاف، وهذا غير صحيحٍ لأنَّ {زَكِيَّةً} ليس وزنه فيعلةً، وإنَّما وزنه فعيلةٌ.
          وقوله: (وَدِدْنَا أنَّ مُوسَى صَبَرَ حَتَّى يَقُصَّ عَلَيْنَا مِنْ خَبَرِهِمَا) استدلَّ به بعضُهم على وفاة الخَضِرِ، إذ لو كان حيًّا لمضى إليه واطَّلع على علمه، ولا يلزم، والخضر لم يمت على المختار.
          وقوله: (ثُمَّ قَالَ لِي سُفْيَانُ: سَمِعْتُهُ مِنْهُ مَرَّتَيْنِ، وَحَفِظْتُهُ مِنْهُ، قِيلَ لِسُفْيَانَ: أَحَفِظْتَهُ قَبْلَ أَنْ تَسْمَعَهُ مِنْ عَمْرٍو، أَوْ تَحفَظْتَه مِنْ إِنْسَانٍ؟ فَقَالَ: مِمَّنْ أَتَحَفَّظُهُ؟ وَرَوَاهُ أَحَدٌ عَنْ / عَمْرٍو غَيْرِي؟ سَمِعْتُهُ مِنْهُ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلاَثًا وَحَفِظْتُهُ مِنْهُ).
          وهذا رواه أبو ذرٍّ الهَرَويُّ، حدَّثنا أبو إسحاقَ المُسْتَمْلِي، حدَّثنا الفَرَبْرِيُّ، حدَّثنا عليُّ بن خَشْرَم، عن سفيان، فذكره.
          فصلٌ:
          3402- ثمَّ ساق حديث أَبِي هُرَيْرَةَ ☺، عَنِ النَّبِيِّ صلعم قَالَ: (إِنَّمَا سُمِّيَ الخَضِرَ لِأَنَّهُ جَلَسَ عَلَى فَرْوَةٍ بَيْضَاءَ، فَإِذَا هِيَ تَهْتَزُّ مِنْ تَحْتِهِ خَضْرَاءَ) وقد سلف الكلامُ عليه في العلم [خ¦74].