التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب ذكر إدريس

          ░5▒ بَابُ: ذِكْرِ إِدْرِيسَ وَقَوْلِ الله تَعَالَى: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} [مريم:57]
          3342- ثمَّ ساق حديث ابن شِهَابٍ قَالَ: قَالَ أنَسٌ ☺: (كَانَ أَبُو ذَرٍّ ☺ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ الله صلعم قَالَ: فُرِجَ سَقْفُ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ، فَفَرَجَ صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ) الحديث بطوله.
          هذا الحديث سلف في كتاب الصَّلاة واضحًا [خ¦349]، وسلف الكلام على الإسراء قريبًا [خ¦3207]، وذكر هنا أنَّ إبراهيم في السَّادسة، وسلف قبل هذا أنَّهُ في السَّابعة مِنْ حديث أنسٍ عن مالكِ بن صَعْصَعة.
          وقوله: (ثُمَّ مَرَرْتُ بِمُوسَى... ثُمَّ بِعِيْسَى) المشهور أنَّ عيسى في الثَّانية، وكذا يحيى كما سلف في الحديث المشار إليه، وقد سلف تفسير {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} [مريم:57]، وروى ابن وهْبٍ أنَّهُ كان يعمل مثلَ عمل جميع أهل الأرض، يعني يومئذٍ، وقد أسلفنا الكلام على إدريس في كتاب الصَّلاة [خ¦349].
          قال وَهْبٌ فيما حكاه ابن قُتَيبة: كان طُوالًا ضخمَ البطنِ والصَّدر، قليلَ شعر الجسد، كثيرَ شعر الرأس، وكانت إحدى أذنيه أكبرَ مِنَ الأخرى، وكانت في جسده نكتةٌ بيضاءُ مِنْ غير بَرَصٍ، وكان رقيقَ الصَّوت والمنطق، قريبَ الخَطْو، واستجاب له ألفَا إنسانٍ ممَّنْ كان يدعوهم، فلمَّا رفعه الله اختلفوا بعده، وأحدثوا الأحداث، ورُفِع وهو ابن ثلاث مئة سنةٍ وخمسٍ وستِّين سنةً، وقد أسلفنا هذا أيضًا هناك.
          وقال ابن عبَّاسٍ ☻ فيما حكاه الطَّبَريُّ في «تاريخه»: كان بينه وبين نوحٍ ألفُ سنةٍ، وخطَّ بالقلم بعد آدم وتنبَّأ، وقد مضى مِنْ عمرِ آدم ستُّ مئة سنةٍ واثنتان وعشرون سنةً، وأُنزلت عليه ثلاثون صحيفةً، وهو أوَّل مَنْ سَبى مِنْ ولد قابيلَ واسترقَّ منهم، ودعا خنوخُ قومَه وأمرهم بطاعة الله فلم يقبلوا منه.
          وحديث أبي ذرٍّ مرفوعًا: ((أربعةٌ مِنَ المرسلين سُريانيُّون: آدمُ وشِيثٌ وخَنُوخُ وهو أوَّل مَنْ خطَّ بالقلم)) وسلف هناك.
          وروى ابن أبي شَيبة عن عِكرمة قال: سألت كعبًا عن رفع إدريسَ فقال: كان عبدًا تقيًّا يُرفع له مِنَ العمل الصَّالحِ ما يُرفع لأهل الأرض في زمانه، فعجب الملَكُ الذي كان يصعَد بعمله، فقال: ربِّ ائذن لي أزورُه، فلمَّا جاءه قال: يا إدريسُ أبشرْ فإنَّهُ يُرفع لك مِنَ العمل الصَّالح ما يُرفع لأهل الأرض، فسأله أنْ يشفع له عند ملَك الموت في تأخير أجله ليزداد عبادةً، فقال الملَك: إنَّ الله لا يؤخِّر نفسًا إذا جاء أجلُها، قال: قد علمتُ ولكنَّه أطيَبُ لنفسي، فصعِد به الملَكُ وسأل ملَك الموتِ في أمره، فنظر في كتابٍ معه فقال: والله ما بقي مِنْ أجَلِ إدريسَ شيءٌ، فمات مكانه وهو في السَّماء الرَّابعة.
          ولا يلزم مِنْ هذا كونُ غيرِه أرفعَ مكانًا منه، لأنَّه لم يُذْكَر أنَّهُ أعلى مِنْ كلٍّ أحدٍ، وادَّعى بعضهم أنَّهُ لم يُرفع إلى السَّماء مَنْ هو حيٌّ غيره، ويُنتقَض بعيسى.