التوضيح لشرح الجامع البخاري

حديث: لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم

          الحديث الخامس:
          3330- حديث همَّام بن مُنَبِّهٍ، عن أَبِي هُرَيْرَةَ ☺، عَنِ النَّبيِّ صلعم نَحْوَهُ، يَعْنِي: (لَوْلَا بَنُو إِسْرَائِيلَ لَمْ يَخْنَزِ اللَّحْمُ، وَلَوْلَا حَوَّاءُ لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَهَا).
          ويأتي في أحاديث الأنبياء [خ¦3399]، وذكر الطَّرْقيُّ أنَّهُ أخرجه في التَّفسير، ولم يذكر أبو مسعودٍ أنَّ مسلمًا أخرجه، وذكره خلفٌ: قال الحُمَيديُّ في حديث همَّامٍ عن أبي هريرة: جعله أبو مسعودٍ مِنْ أفراد البخاريِّ وهمًا منه لأنَّ مسلمًا أخرجه في النِّكاح مِن حديث همَّامٍ، عن أبي هريرة.
          وهو في مسلمٍ عن محمَّد بن رافعٍ عن أبي هريرة، وأخرجه مسلمٌ أيضًا مِنْ حديث أبي يونس مولى أبي هريرة عن أبي هريرة رفعه: ((لولا حوَّاءُ لم تخن أنثى زوجها)).
          الشَّرح: يُقال: خَنِزَ اللَّحمُ _بالكسر_ يَخْنَزَ _بفتحها_ خَنَزًا: أَنْتَنَ، وخَزَنَ يَخْزُنُ _على القلب مثل جَبَذَ وجَذَبَ_ قال ابن سِيدَهْ: خَنِزَ اللَّحمُ والتَّمرُ والجوزُ خُنوزًا فهوَ خَنِزٌ وخَنَزٌ: فَسَدَ، الفتح عن يعقوب، وادَّعَى القُرْطُبيُّ أنَّ خَنَزَ بفتح النُّون في الماضي وقد تُكسر.
          فصلٌ: روى أبو نُعيم في «الحلية» عن وَهْب بن منبِّه قال: وجدت في بعض الكتب عن الله تعالى: لولا أنَّي كتبتُ الفناء على الميِّت لحبسَه أهلَهُ في بيوتهم، ولولا أنِّي كتبتُ الفساد على الطَّعام لخزنته الأغنياء عن الفقراء.
          فصلٌ: كان المنُّ والسَّلوى يسقط على بني إسرائيل مِنْ طُلوع الفجر إلى طلوع الشَّمسِ كسقوط الثَّلج، فيُؤخذ منه بقدر ما يغني ذلك اليوم إلَّا يومَ الجمعة، فإنَّهم يأخذون له وللسَّبت، فإن تعدَّوا به أكثرَ مِنْ ذلك فَسَدَ ما ادَّخروا، فكان ادِّخارُهم فسادًا للأطعمة عليهم وعلى غيرهم، قاله قَتَادة، وقال بعضهم: لمَّا نزلت المائدة عليهم أُمروا ألَّا يدَّخروا فادَّخروا، وقيل: يحتمل أن يكون مِنِ اعتدائهم في السَّبت.
          فصلٌ: (حَوَّاءُ) _بالمدِّ_ سُمِّيت بذلك لأنَّها أمُّ كلِّ حيٍّ، أو لأنَّها خُلقت مِنْ ضلعِ آدمَ القصرى الأيسر، وهو حيٌّ قبل دخوله الجَنَّة، وقيل: فيها، ومعنى: (خُلِقَتْ) أُخرجت كما تُخرج النَّخْلَة مِنَ النَّواة.
          ويحتمل كما قال القاضي أن يكون قصد بهذا المثل أي فهي كالضِّلع، يوضحه قوله في حديث أبي هريرة: ((لن تستقيمَ لك على طريقة، فإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عِوَجٌ، فإن ذهبتَ تقيمها كَسَرتَها، وكسرُها طلاقها)).
          والعوَجُ: بالفتح في الأجسام المحسوسة، وبالكسر في المعاني، وقال ثعلب: هو عند العرب بكسر العين في كلِّ ما لا يُحاط به، وبفتحها في كلِّ ما يُتحصَّل، فيُقال في الأرض عِوَجٌ، وفي الدِّين عِوَجٌ، لأنَّ هؤلاء لا يتَّسعان ولا يُدركان، وفي العصا عَوَجٌ، وفي السِّنِّ عَوَجٌ لأنَّهما يُحاط بهما ويبلغ بكنههما.
          فصلٌ: قوله: (وَلَوْلَا حَوَّاءُ لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَهَا) يريد أنَّها دعت آدم إلى الأكل مِنْ تلك، وذكر الماوَرْديُّ أنَّهَا البُرُّ، وقيل: التِّين، وقيل: الكافور، وقيل: الكَرْم، وقيل: العِلْمُ، وهو عِلْمُ كلِّ شيءٍ، وقيل: ما لم يُعلَم، وقيل: شجرة الخلد، الَّتي كانت تأكل منها الملائكة.