التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب {أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم}

          ░52▒ بَابُ: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الكَهْفِ وَالرَّقِيمِ} [الكهف:9]
          الكَهْفُ: الفَتْحُ فِي الجَبَلِ، وَالرَّقِيمُ: الكِتَابُ، {مَرْقُومٌ} [المطففين:9] مَكْتُوبٌ مِنَ الرَّقْمِ، {رَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ} [الكهف:14] أَلْهَمْنَاهُمْ صَبْرًا، {شَطَطًا} [الكهف:14] إِفْرَاطًا، الوَصِيدُ: الفِنَاءُ، وَجَمْعُهُ وَصَائِدُ وَوُصُدٌ، وَيُقَالُ: الوَصِيدُ: البَابُ، {مُؤْصَدَةٌ} [البلد:20] مُطْبَقَةٌ، آصَدَ البَابَ وَأَوْصَدَهُ، {بَعَثْنَاهُمْ} [الكهف:12] أَحْيَيْنَاهُمْ، {أَزْكَى} [البقرة:232] أَكْثَرُ رَيْعًا، فَضَرَبَ اللهُ عَلَى آذَانِهِمْ فَنَامُوا، {رَجْمًا بِالْغَيْبِ} [الكهف:22] لَمْ يَسْتَبِنْ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {تَقْرِضُهُمْ} [الكهف:17] تَتْرُكُهُمْ.
          الشَّرح: قول مجاهدٍ أخرجه ابن أبي حاتمٍ مِنْ حديث ابن أبي نَجيحٍ عنه.
          وما ذكره في الكهف هو أحد الأقوال، وقيل: الغار، وقيل: الجبل، وفي «غرر التِّبيان» أنَّه قُربَ مدينة طَرْسُوسَ، وكانت قبلُ تُسمَّى أقسوس، وقيل: بين أَيْلَة وفلسطين، وكان بابه إلى الشَّمال.
          وما ذكره في الرَّقيم ({مَرْقُومٌ} مَكْتُوبُ)، يريد مثلَ قَتيلٍ بمعنى مقتول، وقيل: {مَرْقُومٌ} بنيت حروفه / بعلاماتها مِنَ النَّقط، وقال أبو عُبيدة وقَتادة: هو الوادي الَّذي فيه الكهف، وقال أنسٌ: هو الكلب، وقال كعبٌ: هو اسم القرية الَّتي خرجوا منها، وقال عِكرمة: الدَّواة، وقال السُّدِّيُّ: الصَّخرة، وقال الفرَّاء: اللَّوح مِنْ رصاصٍ كُتبت فيه أسماؤُهم وأنسابهم ودينُهم وممَّن هربوا.
          وعن ابن عبَّاسٍ: كلَّ القرآنِ أعلمُ إلَّا أربعةً، إلَّا غِسْلِينًا، {وَحَنَانًا}، والأوَّاهَ، {والرَّقِيمَ}.
          وقوله في ({شَطَطًا} إِفْرَاطًا) خالف قتادةُ فقال: كذبًا، وقيل: جورًا، وقيل: هو التَّجاوز فيه.
          وما ذكره في الوصيد هو قول ابن عبَّاسٍ وغيره، وقيل: العَتَبة، وقيل: هو فِناء الكهف عند عتبته، وقيل: الوصيد: عتبة الباب.
          وما ذكره في {أَزْكَى} أحد الأقوال، وقيل: أرخص، وقيل: أحلى.
          وما ذكره في ({رَجْمًا} لَمْ يَسْتَبِنْ) أي: قذفًا بالظَّنِّ.
          وقال ابن عبَّاسٍ في {تَقْرِضُهُم} لو أنَّ الشَّمس تطلع عليهم وتغرب لاحترقوا، ولولا أنَّهم يُقلَّبون لأكلتهم الأرض، وقال القُتَيبيُّ: كان باب الكهف حِذاء بنات نَعْشٍ، فكانت الشَّمس تَزاورُ عنهم إذا طلعت وتتركهم إذا غربت، وأنكره أبو إسحاق قال: وإنَّما جعلهم الله آيةً، ألا ترى أنَّه قال: {ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللهِ} وقيل: تقرضهم: تجاوزهم.
          فائدة: ذكر ابن مَرْدَوَيهِ في «تفسيره» مِنْ حديث حجَّاج بن أَرْطَأة عن الحَكم بن عُتَيْبة، عن مِقْسَمٍ، عن ابن عبَّاسٍ مرفوعًا: ((أصحاب الكهف أعوان المهديِّ)) وروى الضَّحَّاك عن ابن عبَّاسٍ: {وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ} [الكهف:18] قال: ستَّة أشهر على كلِّ جنبٍ.
          وقال مقاتل في «تفسيره»: اسم الكهف بانجلوس، والرَّقيم كنية رجلين قاضيين صالحين أحدهما مانوس والآخر أسطوس، كانا يكتمان إيمانهما مِنْ دقينوس الجبَّار، وهو الملك الَّذي فرَّ منه الفِتية فكتبا أمرهما في لوحٍ مِنْ رصاصٍ وجعلاه في تابوتٍ مِنْ نحاسٍ ثمَّ صيَّراه في البناء الذي سدُّوا به باب الكهف.
          وقال ابن إسحاق في «المبتدأ»: كانت الرُّوم تعبد الأصنام وتذبح للطَّواغيت قبل تنصُّرهم، وكان فيهم دقينوس، وكان يقتل مَنْ خالفه ممَّن تَبِعَ عيسى، فلمَّا نزل أقسوسَ وهي مدينة أصحاب الكهف كبر عليهم فهربوا منه فتبعهم يخيِّرهم بين دينه والقتل فلمَّا رآى ذلك الفتية وكانوا أحرارًا أَخْدانًا عبَّادًا مِنْ أبناء الأشراف عظُم عليهم وحزنوا حزنًا شديدًا، وكانوا ثمانيةً: مكسلمينا وهو أكبرُهم ومخسلمينا وتمليخا ومرطوس وكسطوس وبيروس ودنيموس وبرطليس، والصَّالحان اللَّذان كتبا اسماهما اسم الواحد بيدروسُ والآخر روناس، وذُكر أنَّ مانوس وأسطوس هما اللَّذان أدركا حياتهما ودخلا عليهما مع تُبَّاع عيسى.
          وفي «تفسير» ابن عبَّاسٍ اسم الكلب: كيميل، ويُقال: دين، ويُقال: قطمير، وقيل: زيَّان، وقيل: صهبا، وقيل: تور وكان أنمر، وقيل: أصفر، وفي كتاب «ليس»: اسمه قطمور، وقيل: حمران، فهذه ثمانية أقوالٍ، وفي لونه قولان.