التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قول الله تعالى: {وآتينا داود زبورًا}

          ░37▒ بَابُ: قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} [النساء:163]
          الزُّبُرُ: الكُتُبُ، وَاحِدُهَا زَبُورٌ، زَبَرْتُ: كَتَبْتُ {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ} [سبأ:10] قَالَ مُجَاهِدٌ: سَبِّحِي مَعَهُ {وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ. أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ} [سبأ:10-11] الدُّرُوعَ، {وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} [سبأ:11] المَسَامِيرِ وَالحَلَقِ، لَا يُدِقَّ المِسْمَارَ فَيَتَسَلْسَلَ، وَلَا يُعَظِمْ فَيَفْصِمَ.
          الشَّرح: (دَاودَ): هو ابن إيشى بن عازر بن باعر بن سلمان بن بخشان بن عتيدات بن رام بن حضرون بن تارص بن يهوذا بن يعقوب، كان بعد أشمويل، وكان أصغر إخوته السَّبعة، وكان لقمانُ في زمانه، وعاش مئةً وسبعين سنةً، وقبرُه بالقدس، ولم يصحِّح العلماء ما تذكرُه القُصَّاص مِنْ أمر أُوريا.
          وروى ابن أبي حاتمٍ عن الرَّبيع بن أنسٍ قال: الزَّبور ثناءُ الله ودعاؤه وتسبيحُه، وقال قَتادة: كنَّا نتحدَّث أنَّه دعاءٌ عُلِّمَهُ، وتحميدٌ وتمجيدٌ لله ليس فيه حلالٌ ولا حرامٌ ولا فرائضُ ولا حدودٌ، وهو مئةٌ وخمسون سورةً.
          وكان حمزة يضمُّ الزَّاي، وغيرُه مِنَ القرَّاء يفتحُها، قال الكسائيُّ: مَنْ قرأ بالفتح فهو عنده واحدٌ، وقيل: هو فَعُولٌ بمعنى مفعولٍ، مثل حَلوبٍ، أي: زَبَرْتُهُ فهو مَزْبُورٌ، أي: مكتوبٌ، ومَنْ ضمَّ فهو عنده جمعُ زَبْرٍ، وهو بمعنى العَطاء لداود كُتُبًا، وقيل: أراد به العقل والسَّداد، وقيل: خُصَّ داودُ بالذِّكر لأنَّه كان مَلِكًا، فلم يُذَكِّرهُ ما آتاه مِنَ المُلك، وذكر ما أعطاه مِنَ الكتاب تنبيهًا على فضله، وقيل: كان في الزَّبور: محمَّدٌ خاتم الأنبياء وإنَّ أمَّته ترثُ الأرض، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ} الآية [الأنبياء:105] وولدُه سليمانُ ملك أربعين سنةً: عشرين قبل الفتنة وعشرين بعدها، وهو الأكثر، وقيل: أربعًا وعشرين، وعاش ثنتين وخمسين سنةً، وقبرُه عند بحيرة طبريَّة، قال ابن قُتيبة: لم يزَل المُلك والنُّبوَّة في ولده وولد ولده إلى الأعرج.
          وأثرُ مجاهدٍ في {أَوِّبِي} رُوي عنه، وعن قَتادة والضَّحَّاك: سِيري، وقيل: سبِّحي بلسان الحَبشة، وقيل: معناه سِيري نهارًا، وقيل: سبِّحي نهارَك كلَّه كتأويب السَّائر نهارَه كلَّه، وحكى ابنُ فارس عن قومٍ أنَّهم يقولون: أُبتُ إلى بني فلانٍ إذا أتيتَهم ليلًا، وتأوَّبتُهم كذلك.
          قوله: ({وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ}) قال قَتادة: ألانَ اللهُ له الحديدَ فكان يعمل فيه بغير نارٍ، قال الأعمش: أُلِينَ له حتَّى صار مثل الخيوط.
          وقوله: ({سَابِغَاتٍ}) أي: تَوَامَّ، يُقال: سَبَغَ الثَّوبُ إذا غطَّى ما عليه وفضلَ، واقتصر قَتادةُ في السَّرد على المسامير، وأبو زيدٍ على الحَلَق.