الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: لو آمن بي عشرة من اليهود لآمن بي اليهود

          3941- وبالسند قال: (حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ): أي: الفراهِيديُّ، قال: (حَدَّثَنَا قُرَّةُ): بضمِّ القافِ وتشديدِ الرَّاء؛ أي: ابن خالدٍ السَّدوسيُّ، قال القسطلانيُّ: وفي النَّاصريَّة: <حدَّثنا فروة> بالفاءِ والرَّاء والواو، قال: وفي هامِشِها في النُّسخِ المعتمدة: <قُرَّة> يعني: بالقافِ (عَنْ مُحَمَّدٍ): أي: ابن سيرينَ (عَنْ / أَبِي هُرَيْرَةَ ☺): والإسنادُ كلُّه بصريُّون.
          (عَنِ النَّبِيِّ صلعم قَالَ: لَوْ آمَنَ): بمدِّ الهمزةِ (بِي عَشَرَةٌ مِنَ الْيَهُودِ): يعني: معيَّنِين (لآمَنَ بِي الْيَهُودُ): أي: كلُّهُم؛ لروايةِ الإسماعيليِّ: ((لم يبقَ يهودِيٌّ إلَّا أسلَمَ))، وكذا أخرجَهُ أبو سعدٍ في ((شرف المصطفى)) وزادَ في آخرِهِ: ((قال كعبٌ: هم الَّذين سمَّاهُم اللهُ تعالى في سورَةِ المائدَةِ)) واستشكلهُ الكرمانيُّ فقال: ما وجهُ صحَّةِ هذه الملازمَةِ وقد آمنَ به مِن اليهودِ عشرةٌ وأكثرُ، ولم يؤمنِ الجميعُ.
          وأجاب بأنَّ ((لو)) للمضيِّ، فمعناهُ: لو آمنَ بي في الزَّمانِ الماضِي قبلَ قدومِي المدينَةَ أو عَقِبَه عشرةٌ لتابعَهُم الجميعُ، لكن لم يسلِمُوا حينئذٍ، فلم يتابعْهُم البقيَّةُ.
          وقال في ((الفتح)): والَّذي يظهرُ أنَّهم الَّذين كانوا حينئذٍ رؤساءَ ومن عداهُم تبعٌ لهم، فلم يُسلِم منهم إلَّا القليلُ كعبدِ الله بنِ سلام، وكانَ من المشهورينَ بالرِّئاسةِ فيهم عندَ قدومِ النَّبيِّ ◙، ومن بني النَّضيرِ: أبو إياس بن أخط، وأخوهُ حُييُّ بن أخطبٍ، وكعبُ بن الأشرفِ، ورافع بن أبي الحقيقِ، ومن بني قَينُقاع: عبد الله بن حنيفٍ، وفنحاصُ، ورفاعةُ بن زيد، ومن قريظةَ: الزَّبِير بن باطيا، وكعبُ بن أسد، وشمويل بن زيد، قال: فهؤلاء لم يثبتْ إسلامُ أحدٍ منهم، وكان كلٌّ منهم رئيساً، فلو أسلمَ لاتَّبعَه جمَاعةٌ.
          قال: وروى أبو نُعيم في ((الدَّلائل)) من وجهٍ آخرَ الحديثَ بلفظ: ((لو آمنَ بي الزَّبِير بن باطيَا وذووهُ من رؤساءِ يهودَ لأسلَمُوا كلُّهُم)) قال: وأغرب السُّهيليُّ فقال: لم يُسلِم من أحبار اليهودَ إلَّا اثنين؛ يعنِي: عبد الله بن سلامٍ وعبد الله بن صوريا، كذا قالَ، ولم أرَ لعبدِ الله بن صوريا إسلاماً من طريقٍ صحيحةٍ، ثمَّ قال: وروى البيهقيُّ أنَّ يهوديًّا سمعَ النَّبيَّ صلعم يقرأُ سورة يوسُفَ، فجاء ومعه نفرٌ من اليهودِ فأسلموا كلُّهم، لكن يحتملُ أن لا يكونوا أحباراً، ثمَّ قال: وأخرجَ يحيى بن سلامٍ في ((تفسيره)) عن أبي هريرة هذا الحديثَ فقال: قال كعبٌ: إنَّما الحديثُ اثنا عشر؛ لقول الله تعالى: {وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا} [المائدة:12]، فسكتَ أبو هريرةَ، قال ابن سيرينَ: أبو هريرةَ عندنا أولى من كعبٍ، لكن قال يحيى بن سلامٍ: كعبٌ أيضاً صدوقٌ، وجمعَ بينهما أنَّ المعنى عشرةٌ بعدَ الاثنينِ، وهما عبدُ الله بن سلَام ومُخَيريق، كذا قال، انتهى فتأمَّله.