الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب مبعث النبي

          ░28▒ (بَابُ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صلعم): ((مبعث)): بفتحِ الميم والعين المهملة بينهما موحَّدةٌ ساكنةٌ، مصدرٌ ميميٌّ مِن البعثِ وهو الإرسال، ويحتملُ أنَّه اسم زمانٍ، وقال في ((الفتحِ)): المبعث: من البعث، وأصلُه الإثارةُ، ويُطلَق على التَّوجيه في أمرٍ ما رسالة أو حاجة، مِن بعثتُ البعير: أثرته من مكانِه، وبعثْتُ العسكر: إذا وجَّهتهم للقتالِ، وبعثْتُ النَّائم مِن نومه: إذا أيقظته.
          (مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ): بجرِّ ((محمَّد)) عطف بيانٍ لـ((النَّبي))، أو بدلٌ أو نعتٌ، وبالرَّفع على أنَّه خبرٌ لمحذوفٍ، وبالنَّصب على تقدير نحو: أعني، وتقدَّم الكلام على محمَّدٍ وعلى بقيَّة أسمائه عليه السَّلام في بابٍ مستقلٍّ.
          تنبيهٌ: اختُلِف في سبب تسميته بهذا الاسم، فذكر ابن إسحاقَ أنَّ أمَّ النَّبيِّ / عليه السَّلام آمنة بنت وهبٍ حدَّثت أنَّها أُتيت حين حملت برسول الله صلعم فقيل لها: إذا وضعْتِه فسمِّيه محمَّداً؛ فإنَّ اسمه في التَّوراة أحمد، وذكر البيهقيُّ في ((الدَّلائل)) بسندٍ مرسلٍ أنَّ عبد المطَّلب لما وُلد النَّبيِّ صلعم عمل له مأدبةً، فلمَّا أكلُوا سألوا ما سمَّيته؟ قال: محمَّد، قالوا: فما رغبت به عن أسماء أهل بيتِه؟ قال: أردْتُ أن يحمده الله في السَّماء وخلقه في الأرض. انتهى.
          وأقولُ: لا منافاةَ بين السَّببين.
          و((عبد الله)): بالتَّكبير: اسم أبيه، قال في ((الفتحِ)): لم يُختَلف فيه، واختلفَ متى مات؛ فقيلَ: قبل أن يولدَ، وقيل: بعد أن وُلِد، والأوَّل أثبت، واختُلِف في مقدارِ عمره عليه السَّلام لمَّا مات أبوه، والرَّاجح أنَّه دون السَّنة، وقال العينيُّ: قال الواقديُّ: وُلِد عبد الله _أي: والد النَّبيِّ ◙_ في أيَّام كسرى أنوشروان لأربعةٍ وعشرين سنةً خلت من ملكه، وكنيتُه أبو أحمد، وقيل: أبو محمَّدٍ، وقيل: أبو قثم، ولا مانع من اجتماعِها، فتأمَّل.
          واختلفُوا في زمان موتِه؛ فقيل: إنَّه مات ورسول الله صلعم حاملةٌ به أمُّه، وقال عامَّة المؤرِّخين: إنَّه مات قبلَ ولادته بشهرٍ أو بشهرين، وقال مقاتلٌ: بعد ولادتِه بثمانيةٍ وعشرين شهراً، وقيل: بعد ولادته بسبعة أشهرٍ، وقال الواقديُّ: وأثبت الأقاويل عندنا أنَّه مات ورسولُ الله عليه السَّلام حملٌ، وكانت وفاته بالمدينة في دار النَّابغة عند أخوالِه من بني النجَّار، ويُقال: إنَّه دُفن في دار الحارث بن إبراهيمَ بن سراقةَ العدويِّ، وهو من أخوال عبد المطَّلب، وكان أبوه عبد المطَّلب بعثه يمتارُ له تمراً من المدينةِ، وقيل: إنَّه خرج في تجارةٍ إلى الشَّام في عيرٍ لقريش، فمرض بالمدينةِ شهراً ومات، وقال الواقديُّ: توفِّي عبد الله وهو ابن خمسٍ وعشرين سنةً، وقيل: ابن ثلاثين سنةً، وترك أمَّ أيمن وكانت تحضنُ رسول الله صلعم، وعبد الله شقيق طالب.
          (ابْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ): بتشديد الطَّاء المهملة المفتوحة وكسر اللَّام الخفيفة هنا، لقبٌ، قال في ((الفتح)): اسمه: شيبة الحمد عند الجمهورِ، وزعم ابنُ قتيبة أنَّ اسمه عامرٌ، وقال العينيُّ: واسمه شيبة الحمد عند الجمهور لجودِه، وقيل: شيبة لقبٌ لُقِّب به لشيبةٍ كانت في رأسه حين وُلد، ويُقال: اسمه عامرٌ، وكنيته أبو الحارثِ، كُني باسم أكبرِ أولاده، وله كنيةٌ أخرى، وهي أبو البطحاء، وأمُّه سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خراش بن عامر بن غنم بن عديِّ بن النجَّار، وهو أوَّل مَن خضب بالسَّواد، وإنَّما قيل له: عبد المطَّلب؛ لأنَّ أباه هاشماً لما مرَّ بالمدينة في تجارته إلى الشَّام نزل على عمرو بن زيدٍ المذكور آنفاً، فأعجبته ابنته سلمى فخطبها من أبيها، فزوَّجها منه، ولمَّا رجع من الشَّام بنى بها وأخذها معه إلى مكَّة، ثمَّ خرج في تجارةٍ فأخذها معه وهي حُبلى وتركَها في المدينةِ _أي: عند أهلها_ ودخل الشَّام ومات بغزَّة، فوضعت ولداً فسمَّته شيبة، فأقامَ عند أخواله بني النجَّار سبع سنين، ثمَّ جاء عمُّه المطَّلبُ بن عبد منافٍ فأخذه خفيةً من أُمِّه، فذهب به إلى مكَّة، فلمَّا رآه الناس وراءه على الرَّاحلة قالوا: مَن هذا معك؟ / فقال: عبدي؛ أي: وإنَّما قال ذلك حياءً؛ لأنَّه كان بثيابٍ رثَّةٍ، فلمَّا كساه قال: هذا ابن أخي، ثمَّ جاؤوا فهنَّؤوه به، وجعلُوا يقولون له: عبد المطَّلب لذلك، فغلب عليه.
          قال: وحكى الواقديُّ أنَّه توفِّي عبد المطَّلب في السَّنة الثامنة من مولد النَّبيِّ صلعم، ودُفِن في الحجونِ، واختلفوا في سنِّه؛ فقيل: ثمانون سنةً، وقيل: مائةٌ وعشرة أشهرٍ، وقال هشامٌ: مائةٌ وعشرون سنةً. انتهى.
          وقال في ((المواهبِ)): وعاش مائةً وأربعين سنةً، ونقل شيخ مشايخنا الشِّبراملسي في ((حواشيها)) أقوالاً أُخَر، فقيل: عاش خمساً وثمانين، وقيل: اثنين وثمانين، وقيل: مائة وعشرة، وقيل: مائة وأربعة وأربعين، وقيل: خمسة وتسعين.
          (ابْنِ هَاشِمِ): بكسر الشِّين المعجمة، واسمه: عمرٌو، وهاشمٌ لقبٌ له؛ لأنَّه كانَ يهشمُ الثَّريد لقومه في زمن مجاعةٍ، كما قال الشاعر:
عَمرٌو الَّذِي هَشَمَ الثَّرِيدَ لِقَومِهِ                     ورِجَالُ مَكَّةَ مُسْنِتُونَ عِجَافُ
          وكان أكبر أولاد أبيه، وعن ابن جريرٍ: أنَّه كان توأم أخيه عبد شمسٍ، وأنَّ هاشماً خرج ورجلُه ملتصقةٌ برأس عبد شمسٍ، فما تخلَّصَتْ حتَّى سال بينهما دمٌ، فتفاءل النَّاس بذلك أن يكون بين أولادهما حروبٌ، فكانت وقعةُ بني العبَّاس مع بني أميَّة بن عبد شمسٍ سنة ثلاثٍ وثلاثين ومائةٍ مِن الهجرة، وشقيقهم الثَّالث المطَّلب وكان أصغرهم، وأمُّهم عاتكة بنت مرَّة بن هلالٍ، ورابعهم نوفلٌ من أمِّ أخرى، وهي واقدة بنت عمرٍو المازنيَّةُ، وتقدَّم أنَّ هاشماً مات بغزَّة.
          (ابْنِ عَبْدِ مَنَافِ): اسمه: المغيرةُ، وكنيته: أبو عبد شمسٍ، وكان يُقال له: قمر البطحاء لجمالِه، ولقَّبته أمُّه بعبد منافٍ _بفتح الميم وتخفيف النُّون_ اسم صنمٍ عظيمٍ كان لهم؛ لأنَّها أخدمته للصَّنم، واسمها: حبي بنت خليلِ بن حبشيَّة بن سلول بن خزاعةَ.
          (ابْنِ قُصَيِّ): بالقاف والصَّاد المهملة، مصغَّر قَصِيٍّ؛ أي: بعيدٍ، وأصلُه ثلاثُ ياءاتٍ، فحذفوا ياءً فقيل تخفيفاً، لُقِّبَ به لأنَّه بعُدَ عن عشيرته في بلاد قضاعةَ في قصَّةٍ طويلةٍ ذكرها ابن إسحاق، وحاصلها أنَّ أمَّه تزوَّجت بعد أبيه بربيعةَ بن حزام بن عذرة، فسافر بها إلى بلادِه وابنها صغيرٌ، بقي في بني عذرة مع أخيه لأمِّه، ثمَّ عادَ إلى مكَّة وهو كبيرٌ، وأمُّه فاطمةُ بنت سعد بن سيل بن جمالةَ، ثمَّ إنَّ قصيًّا حازَ شرف مكَّة وأمرَها، فكان سيِّداً مُطَاعاً معَظَّماً، وبنى داراً لإزاحَةِ الظَّلامات وفصل الخصُومات، سمَّاها: دار النَّدوة، واسمه: مجَمِّع _بتشديد الميم الثَّانية المكسورة بعد الجيم المفتوحة_ قال الشَّاعر:
أبُوكُمُ قُصَيٌّ كَانَ يُدعَى مجَمِّعاً                     بهِ جَمَعَ اللهُ القَبَائلَ مِنْ فِهْر
          وقيل: اسمه زيدٌ، وقيل: يزيدُ، قال في ((الفتح)): روى السِّراج في ((تاريخه)) مِن طريق أحمد بن حنبل قال: سمعتُ الشافعيَّ يقولُ: اسم عبد المطَّلب: شيبة، واسم هاشمٍ: عمرٌو، واسم عبد منافٍ: المغيرةُ، واسم قصيٍّ: يزيدُ.
          (ابْنِ كِلَابِ): بكسر الكافِ وتخفيف اللَّام، قال السُّهيلي كما في ((الفتح)): هو منقولٌ من المصدر الَّذي في معنى المكالبة، تقولُ: كالبْتُ فلاناً / مكالبةً وكلاباً، أو هو بلفظ جمع كلب، كما تسمِّي العرب بسباعٍ وأنمارٍ وغير ذلك؛ لأنَّهم يريدون الكثرة، وسُئل أعرابيٌّ: لِم تسمُّون أبناءكم بشرِّ الأسماء نحو: كلب وذئب، وعبيدكم بأحسن الأسماء نحو مرزوق ورباح؟ فقال: إنَّما نسمِّي أبناءنا لأعدائِنا، وعبيدنا لأنفسِنا؛ يريدُون أنَّ الأبناء سهامٌ في نحورِ الأعداء، ولُقِّب كلاباً لمحبَّتِه الصَّيد بالكلاب، واسمه: عروة، وزعم محمَّد بن سعد أنَّ اسمه حكيمٌ، ويُقال: الحكم، وقال في ((الفتح)): ذكر ابنُ سعدٍ أنَّ اسمه المهذَّب، وأمُّه هند بنت سُوَيد بن ثعلبة بن الحارث بن فهرٍ.
          (ابْنِ مُرَّةَ): بضمِّ الميم وتشديد الرَّاء فهاء تأنيث، منقولٌ مِن وصف الحنظلةِ، أو الهاء للمبالغة فيكون منقولاً من وصف الرَّجل بالمرارة، وقيل: هو مأخوذٌ مِن القوَّة والشدَّة، والمراد: أنَّه قويٌّ، وأمُّه محشية، وقيل: وحشيَّة بنت شيبان بن محارب بن فهرٍ.
          (ابْنِ كَعبِ): قيل: منقولٌ من الكعب الَّذي هو قطعةٌ من السمن، وهي الكثبة الجامدة في الزِّقِّ مثلاً، وقال ابن دريدٍ: مِن كعب القناة، وقيل: مِن كعب القدم، وهو الأشبه فقد قال السُّهيليُّ: قيل: سُمِّيَ بذلك لستره على قومه ولين جانبِه لهم، أو لارتفاعِهِ على قومه وشرفه فيهم، ولذلك كانوا يخضعُون له حتَّى أرَّخوا بموتِه، وهو أوَّل مَن جمع قومه يوم الجمعةِ، قيل: وهو أوَّل مَن سمَّاه بذلك، وصحَّحه بعضُهم، لكن الذي صحَّحه ابن حزمٍ وكثيرون أنَّه اسمٌ إسلاميٌّ، وأنَّ اسمه في الجاهليَّة العروبة حتى جاء الإسلام، وقيل: أوَّل مَن سمَّاه بذلك أهل المدينة لصلاتهم الجمعة قبل قدوم النَّبيِّ عليه السَّلام المدينة، وكان كعبٌ تجتمع إليه العرب في هذا اليوم ويذكِّرهم بمبعث النَّبيِّ صلعم ويعلمهم بأنَّه مِن ولده، ويأمرهم باتِّباعه والإيمان به، وينشدهم في ذلك أبياتاً منها قوله:
يَا لَيْتَنِي شَاهِدٌ فَحَواءَ دَعْوَتِهِ                     إِذَا قُرَيشٌ تَبْغِي الحَقَّ خُذْلَاناً
          (ابْنِ لُؤَيِّ): بضمِّ اللام وفتح الهمزة _وقد تُبدَل واواً على غير القياس_ وتشديد الياء، تصغير لأي بوزن رَمي، أو تصغير لأًى كعصا، وهو الثَّور الوحشيُّ، وقيل: البقرة، وقيل: منقولٌ من تصغير لواء الجيش، وقال السُّهيليُّ: منقولٌ مِن تصغير لَأْيٌ بوزن عَبْد، وهو البطُّ، قال في ((الفتح)): ويؤيِّدُه قول الشَّاعر:
فَدُونَكُمْ بَنِي لَأْيٍ أَخَاكُمْ                     ودُوْنَكِ مَالِكاً يَا أمَّ عَمْرٍو
          وأمُّه: عاتكةُ بنت مخلد بن النَّضر بن كنانة، وهي إحدى العواتكِ اللَّاتي ولدن رسول الله صلعم وقيل: أمُّه سلمى بنت عمرِو بن ربيعةَ الخزاعيَّة.
          (ابْنِ غالِبِ): بالغينِ المعجمة، منقولٌ من اسم الفاعلِ، وكنيته أبو تيمٍ بأحد ولديه، وليسَ له غيرهما: لؤي وتيم _وتَيم بالفوقيَّة_ وأمُّه: ليلى بنت الحارث بن تيمِ بن سعد بن هذيل بن مدركةَ.
          (ابْنِ فِهْرِ): بكسرِ الفاء وسكون الهاء، منقولٌ من فهر: الحجر الطَّويل أو الأملس مطلقاً أو ملأ الكفِّ، وهو مؤنَّثٌ، وقال أبو ذرٍّ الهرويُّ: يذكَّرُ / ويؤنَّثُ، قال في ((الفتحِ)): قيل: هو قريش، سمَّته أمُّه به، وسمَّاه أبوه فهراً، وقيل: فهر لقبٌ، وقيل: بالعكسِ، والفهر: الحجر الصَّغير.
          وقال القسطلانيُّ في ((المواهب)): واسمه: قريش، وإليه تُنسَب قريش، فما كان فوقه فهو كنانيٌّ لا قرشيٌّ على الصَّحيح، ومثله هنا وزاد وقال آخرون: أصل قريش: النَّضر محتجِّين بحديث الأشعث بن قيسٍ الكنديِّ، قال: قدمتُ على رسولِ الله صلعم في وفد كندةَ، فقلت: ألستُم منَّا يا رسولَ الله؟ قالَ: ((لا، نحنُ بنو النَّضرِ بن كنانةَ، لا تنفُوا منَّا ولا ننتفي مِن أبينا)) فقال الأشعثُ: والله لا أسمع أحداً نفى قريشاً من النَّضر إلَّا جلدته.
          (ابْنِ مَالِكِ): منقولٌ عن اسم الفاعل، وكنيته: أبو الحارث، وأمُّه: عاتكة بنت عدوان (ابْنِ النَّضْرِ): بفتح النُّون وسكون الضَّاد المعجمة، في الأصل اسم الذَّهب الأحمر، وهو النَّضار أيضاً، أو مصدرُ نضَّر بمعنى حسَّن، وسُمِّي به لنضَارتِه وإشراق وجههِ، واسمه: قيسٌ، وأمُّه: برَّة بنت مر بن أدِّ بن طابخة بن إلياس بن مضرٍ، وكنية النَّضر: أبو يخلد، باسم ابنٍ له.
          (ابْنِ كِنَانَةَ): بكسر الكافِ وتخفيف النُّونين، منقول عن كنانةَ السِّهام، وهي جعبتُها، وكنيته: أبو النَّضر، وأمُّه: عواية بنت سعد بن قيسٍ، قال ابن دريد: نُقل عن أبي عامرٍ العدويِّ أنَّه قال: رأيتُ كنانة شيخاً مسنًّا عظيمَ القدر، تحجُّ إليه العرب لعلمِه وفضلهِ بينهم.
          (ابْنِ خُزَيْمَةَ): بالخاء والزَّاي المعجمتين، تصغير خَزَمة _بفتحتين_ واحدة الخزَم _بالتَّحريك_ وهو شجرٌ يُتَّخذ مِن لحائه الحبالُ، وقال في ((الفتح)): مِن الخزم، وهو شدُّ الشَّيء وإصلاحه، وقال الزجَّاجيُّ: يجوز أن يكون مِن الخَزْم _بفتحٍ فسكون_ تقولُ: خزمته فهو مخزومٌ؛ إذا أدخلت في أنفِه الخزام. انتهى، وانظر هل يجوز أن يكونَ منقولاً من تصغير الخزامى المعروفة.
          (ابْنِ مُدْرِكَةَ): منقولٌ من اسم فاعل أدركَ الشَّيء، واسمه: عمرٌو، عند الجمهور، وقال ابن إسحاقَ: عامرٌ، قال العينيُّ: واسمُ أخيه: طابخة، اصطادا صيداً فبينما هما يطبخانِه إذ تفرَّقت الإبلُ، فذهب عامرٌ في طلبها حتَّى أدركها وجلسَ الآخر يطبخ، فلمَّا راحا على أبيهما ذكرا له ذلك، فقال لعامرٍ: أنت مدركة، وقال لأخيهِ واسمه عمرٌو: أنت طابخة.
          (ابْنِ إِلْيَاسَ): بكسر الهمزةِ مقطوعة وسكون اللام، مِن قولهم: ألْيَسُ للشُّجاع الَّذي لا يفرُّ قال الشَّاعر:
ألْيَسُ كالنَّشْوَانِ وهُوَ صَاحِي
          قاله ابن الأنباريِّ، وقال غيره: هو بهمزة وصلٍ وبهمزةٍ ساكنةٍ بعد التحتيَّة، وهو ضدُّ الرَّجاء، واللَّام فيه للَّمح، وأنشدوا قول قصيٍّ:
أُمَّهَتِي خِنْدَفُ وإِليَاسُ أَبِي
          وقال السُّهيليُّ: رُوي عن النبيِّ عليه السلامُ أنَّه قال: ((لا تسبُّوا إلياسَ فإنَّه كانَ مؤمناً))، وذكر أنَّه كان يسمعُ تلبيةَ النبيِّ عليه السَّلام في صلبه بالحجِّ، ويُقال: إلياسُ لقبٌ له، واسمُه حسين، وهو أوَّل مَن لُقِّب به، وقال الواقديُّ: ويُقال: إلناس _بالنُّون_، وهو وهمٌ، وأمُّه: الرَّباب بنت حيدة بن معدِّ بن عدنان، ويُقال: هو أوَّل من وضع الرُّكن في البيت بعد الطُّوفان، وكانت بنو إسماعيل أوَّل مَن غيَّرت معالم إبراهيم عليه السَّلام لمَّا طال الزَّمان، / فرفعوا الرُّكن _يعني: الحجر_ من البيت وجعلوه في أبي قبيسٍ، فردَّه إلياسُ إلى موضعه.
          (ابْنِ مُضَرَ): بضمِّ الميم وفتح الضاد المعجمة والمنعِ من الصَّرفِ، مِن المضيرةِ؛ وهو شيءٌ يُطبخ باللَّبن، قيل: سُمِّيَ بذلك؛ لأنَّه كان يحبُّ شرب اللَّبن الماضر، وهو الحامضُ، وقيل: سُمِّيَ بذلك لبياضِه، وقيل: لأنَّه كانَ يمضر القلوبَ لحسنِهِ وجمالهِ، ويُسمَّى مضر الحمراء؛ لبياضِهِ، والعربُ تسمِّي الأبيض: أحمر، وفي ((التَّنقيح)): ويُقال له: مضر الحمراء، ولأخيه ربيعةُ الفرس؛ لأنَّ أباهما أوصى لمضرَ بقبَّةٍ حمراء ولربيعة بفرسٍ، وهو أوَّل مَن سنَّ الحداء؛ لأنَّه كان حسنَ الصَّوت، وأمُّه سودة بنت عكٍّ، وقيل: خبيئةُ بنت عكٍّ.
          (ابْنِ نِزَارِ): بكسرِ النُّون وفتحها والزاي فيهما خفيفةٌ، مِن النَّزر، وهو القليل، قال أبو الفرجِ الأصبهانيُّ: سُمِّيَ بذلك؛ لأنَّه كان فريد عصره، وقيل: لأنَّه لمَّا وُلد ونظر أبوه إلى نور محمَّدٍ عليه الصَّلاة والسلام بين عينيه فرحَ فرحاً شديداً وأطعم، وقال: إنَّ هذا كلَّه نزرٌ لحق هذا المولود، وأمُّه: معانة بنت جوشم بن جلهمة من ذرِّيَّة جرهم، وقال السُّهيليُّ: ويُقال: اسمها ناعمة، وكنية نزارٍ: أبو إياد، وقيل: أبو ربيعةَ.
          (ابْنِ مَعَدِّ): بفتح الميم والعين وتشديد الدَّال المهملتين، قال ابن الأنباريِّ: يحتمل أن يكون معد مفعلاً مِن العدِّ، أو هو من معَدَ في الأرضِ: إذا أفسد فيها، وقيل: معددٌ مِن تمعددَ: إذا أبعد في الذَّهاب، وقيل غير ذلك، وأمُّه مهدَد، وقيل: مهاد بنت لهمٍ، وقيل: أللهم بنت جلحت، وقيلَ: خليد بنت طسم بن يلمع بن إسليحيا بن لوذ بن سام بن نوحٍ عليه السَّلام.
          (ابْنِ عَدْنَانَ): بفتح العين وسكون الدَّال المهملتين فنونين خفيفتين بينهما ألفٌ، من عدنَ بالمكان؛ أقام به، قال في ((الفتح)): روى أبو جعفرِ بن حبيبٍ في ((تاريخه المحبر)) من حديث ابن عبَّاسٍ قال: كان عدنانُ ومعدٌّ وربيعة ومضر وخُزَيمة وأسدٌ على ملَّة إبراهيم، فلا تذكروهم إلَّا بخيرٍ، قال: وروى الزُّبير بن بكَّار من وجهٍ آخر مرفوعاً: ((لا تسبُّوا مضرَ ولا ربيعةَ فإنَّهما كانا مسلمَين))، وله شاهدٌ عند ابن حبيبٍ من مرسل سعيد بن المسيَّب.
          تنبيهٌ: قال في ((الفتح)) ما حاصله مع زيادة: اقتصر البخاريُّ من النَّسب الشريف على هذا العددِ، ولم يذكره إلى آدمَ عليه الصَّلاة والسلام؛ لأنَّ أهل النَّسب _كما قال ابن دحيةَ_ أجمعُوا عليه إلى هنا، وما وراءَ ذلك فيه اختلافٌ كثيرٌ، ولأنَّ النبيَّ عليه السلام كان إذا انتسب اقتصرَ على عدنان، ولا يزيد فوقه ويقولُ: ((كذب النَّسَّابون))، قال تعالى: {وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا} [الفرقان:38]، قال السهيليُّ: الأصحُّ أن هذا مِن قول ابن مسعودٍ، ورُوي عن عمر، وقال ابن عباسٍ: لو شاء رسول الله عليه السَّلام أن يعلمَ لعلمَه، وذكر ابن عبد البرِّ أنَّ خليفة بن خيَّاطٍ روى عن ابن عباسٍ أنَّه قال: من معدِّ بن عدنان إلى إسماعيل ثلاثون أباً، وقال ابن عبد البرِّ: ليس هذا ممَّا يقطعُ بصحَّته.
          وروى في ((التَّنقيح)) عن أمِّ سلمة: أنَّ النَّبي عليه الصلاة والسلام قال: ((معدُّ بنُ عدنان بن أدد بن زيد بن اليرى بن أعراق الثَّرى))، قالت أمُّ سلمة: زيدٌ هو الهميسع، واليرى هو نبت، / وأعراق الثرى إسماعيل؛ لأنَّه ابن إبراهيم، وإبراهيم لم تأكلْه النَّار كما أنَّها لا تأكل الثَّرى، وليس الثَّرى ابن إسماعيلَ لصلبِه؛ لأنَّه لا خلاف في بُعد المدَّة بين عدنان وإبراهيم، بل هو مِن الانتساب إلى الجدِّ البعيد. انتهى ملخَّصاً.
          كما أخرجه ابنُ سعدٍ من حديث ابن عبَّاسٍ، قال في ((الفتح)): وأخرج البخاريُّ في ((التَّاريخ)) عن ابن إسحاق مثل هذا النَّسب وزاد بعد عدنان: ((ابن أدد بن المقوم بن تارح بن يشجب بن يعرب بن ثابت بن إسماعيل بن إبراهيم)) قال: وتقدَّم في أوَّل التَّرجمة النبوَّية الاختلاف فيما بين عدنان وإبراهيم، وفيمَن بين إبراهيمَ وآدم بما يُغني عن الإعادة.
          وقال العينيُّ: أجمعوا على هذا النَّسب إلى هنا، وأمَّا ما وراء ذلك ففيه اختلافٌ كثيرٌ جدًّا، واختلفوا فيما بين عدنان وإسماعيل عليه السَّلام من الآباء، فقيل: سبعةُ آباءٍ بينهما، وقيل: تسعةٌ، وقيل: خمسة عشر أباً، وقيل: أربعون، وأخذوا ذلك من كتاب رخيا، وهو يؤرِّخ كاتب أرْمِيا عليه السَّلام، وكانا قد حملا معدَّ بن عدنان إلى جزيرةِ العرب ليالي بختنصَّر فأثبت رخيا في كتبه نسبةَ عدنان، فهو معروفٌ عند أحبار أهل الكتاب وعلمائهم، مثبتٌ في أسفارهم، والَّذي عليه أئمَّة هذا الشَّأن في نسب عدنان قالوا: عدنان بن أدد بن مقوم بن ناحور بن تيرح بن يعرب بن يشجب بن نابت بن قيذار بن إسماعيلَ بن إبراهيم خليل الرحمن بن تارح _وهو آزر_ بن ناحور بن ساروح بن راعو بن فالح بن عبير بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه السَّلام بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ وهو إدريس عليه السَّلام ابن يرد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم عليهما السلام.