الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب ذكر جرير بن عبد الله البجلي

          ░21▒ (بَابُ ذِكْرِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ البَجَلِيِّ ☺): هكذا وقعَ في نُسخٍ كثيرة، وعليها شرَحَ كثيرون كالقسطلانيِّ، ووقع في نُسخٍ أخرى بدله: <بابُ ذكرِ هند بنتِ عتبةَ>، وعليها شرَحَ الحافظ ابنُ حجرٍ وقد ذكر: باب ذكر جرير، ثمَّ باب ذكر حذيفة الآتي قبل باب تزويجِ خديجةَ، قال: وهو أليقُ؛ فإنَّ الذي يظهر أنه أخَّر ذكر خديجة عمداً لكونِ غالب أحوالها متعلِّقةً بأحوال النبيِّ قبل المبعثِ، قال: فوقعَ له حسن التخلُّص من المناقبِ التي استطردَ من ذكر النبيِّ إليها، فلمَّا فرغَ منها رجعَ إلى بقيَّة سيرتهِ ومغازيه، فتأمَّله.
          وفي النُّسخ هنا اختلافٌ ونجري على الكثير فنقول: سقط لفظُ: <باب> وحدَهُ من نسخةٍ، وعزاها القسطلانيُّ لأبي ذرٍّ، فـ<ذكرُ> مرفوعٌ.
          و((جَريْر)) بفتح الجيم وراءين بينهما تحتيَّةٌ ساكنة مكبَّراً، أبو عبد الله، مكبَّر؛ أي: ابن جابر وهو الشَّليل _بالشين المعجمة ولامين بينهما تحتيَّةٌ ساكنة مكبَّراً_ ابن مالك بن نصر بن ثعلبة.
          وقوله: ((البَجَلي)): بفتح الموحدة والجيم ولام آخره، نسبة إلى أمِّهم بجيلة بنت مصعب بن سعد العشيرة أم ولد أنمار بن أراش، أحد أجدادِ جريرٍ.
          قال الذَّهبيُّ في ((التجريدِ)): واختلفوا في بجيلةَ؛ منهم من جعلهم من اليمن وهو الأكثرُ، وقال مصعب بن الزُّبير: هم من نزار بنِ معدٍّ.
          وكنية جريرٍ: أبو عَمرٍو، أسلمَ قبل وفاةِ النبيِّ صلعم بأربعين يوماً، قاله في ((أُسد الغابة))، ورُدَّ بما ثبت في ((الصَّحيح)) أنَّه صلعم قال له في حجَّة الوداع: ((استنصِتِ النَّاسَ))، وذلك قبل موتهِ عليه السلام بأكثرَ من ثمانين يوماً، وقيل: الصَّحيح أنَّ إسلامه / كان في سنةِ الوفودِ سنة تسعٍ.
          وكانَ سيِّداً مُطَاعاً طويلاً حسناً بديع الجمَال كبيرَ القدرِ، ولمَّا دخل على رسول الله صلعم أكرمه وبسط له رداءَه وقال: ((إذا أتاكُم كريمَ قومٍ فأكرمُوه))، رواهُ الطَّبرانيُّ في ((الأوسطِ)) عنه.
          وقال الذَّهبي في ((التَّجريد)): وهو سيِّد قومه، وقال لرسول الله: إنِّي لا أثبتُ على الخيل، فصكَّه في صدره وقال: ((اللهمَّ ثبِّته واجعلْه هادياً مهديًّا)) رُوي له عن رسول الله مائةُ حديثٍ، اتَّفقا منها على ثمانيةٍ.
          قال في ((الفتح)): روى أحمد وابن حبَّان من طريق المغيرة بن شُبيل عن جريرٍ قالَ: ((لمَّا دنوتُ من المدينةِ أنختُ ثم لبستُ حلَّتي، ثمَّ دخلتُ، فرماني النَّاس بالحدقِ، فقلتُ: هل ذكرني رسول الله صلعم ؟ قال: نعم، ذكرك بأحسنِ ذكرٍ، فقال: ((يدخلُ عليكم رجلٌ من خيرِ ذي يَمَنٍ على وجهه مسحَةُ ملكٍ))، وعن عُمر ☺ قال: جريرٌ يوسفُ هذه الأمَّة، نزل الكوفةَ، ثم نزل قرقيسيا، وبها توفي سنة إحدى وخمسين أو أربعٍ وخمسين.